تتخطّى الخطوات المتسارعة على صعيد العلاقات بين الإمارات وإسرائيل إطار التطبيع أو حتى التحالف، وتبلغ مستويات يتطلب الوصول إليها في العادة سنوات بين أي دولتين. فحتى الولايات المتحدة، شريكة إسرائيل الأولى، تفرض على الإسرائيليين تأشيرة دخول، وهو ما انتفى أمس بين أبوظبي وتل أبيب، بعد توقيعهما على اتفاق يقضي بإعفاء مواطنيهما من تأشيرات الدخول، إلى جانب توقيع اتفاقيات أخرى وتقديم طلب لتدشين سفارة في تل أبيب، وذلك خلال زيارة لأول وفد إماراتي رسمي إلى تل أبيب. وفيما واصل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الاستثمار بالهرولة الإماراتية نحو إسرائيل، والاحتفاء بها، واصفاً زيارة الوفد الإماراتي بـ"التاريخية"، وصفها الفلسطينيون من جانبهم بـ"المخزية"، بينما كان الأميركيون يشدّون على أيادي الطرفين، معلنين عن إنشاء صندوق استثمارات أميركي - إسرائيلي - إماراتي مشترك.
ووصل ظهر أمس الثلاثاء إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي، على متن طائرة تابعة لشركة "الاتحاد" للطيران، وفد وزاري إماراتي، حيث أجرى لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، ووقع الطرفان على أربع اتفاقيات ستوفر الأرضية للتعاون في المجالات الاقتصادية والمدنية. وشملت الاتفاقيات الأربع التي تم توقيعها داخل مطار بن غوريون، حيث عقدت الاجتماعات بسبب الإجراءات التي تفرضها إسرائيل لمواجهة تفشي وباء كورونا؛ اتفاقاً لتنظيم حركة الطيران المدني، وإعفاء رعايا الجانبين من تأشيرات الدخول، واتفاقاً لتأمين وتطوير الاستثمارات المتبادلة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا.
قدم مساعد وزير الخارجية الإماراتي عمر روباش، طلباً رسمياً إلى وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، لتدشين سفارة في تل أبيب
وقد رافق الوفد الإماراتي الذي كان في استقباله نتنياهو وعدد من وزرائه، وضم كلاً من وزير الاقتصاد عبد الله المري ووزير الدولة للشؤون المالية عبيد حميد الطاير، عدد من المسؤولين الأميركيين، على رأسهم وزير الخزانة ستيفن منوتشين ومبعوث الولايات المتحدة للمنطقة آفي بيركوفتش. وخلال الزيارة، قدم عمر روباش، مساعد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، طلباً رسمياً إلى وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، لتدشين سفارة في تل أبيب. وذكر موقع "وللا" أنّ روباش حمل رسالة من بن زايد إلى أشكنازي جاء فيها: "لم يعد أمامي إلا أن أقدر بشكل كبير الجهود الذي تقوم بها بهدف تطوير التعاون بين دولتينا". وأضاف بن زايد: "لدي ثقة كاملة بدعمك غير المتحفظ لفكرة تدشين الممثليات الدبلوماسية في تل أبيب وأبوظبي بأسرع وقت ممكن".
وقد حيا نتنياهو في كلمته الترحيبية بالوفد، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وأثنى على قيادته، متعهداً بالعمل معه من أجل "تغيير الشرق الأوسط". وأضاف: "أعتقد أن المزيد من دول الشرق الأوسط باتت تعي أنه في حال عملنا معاً، فإن هذا سيكون أفضل للجميع... نحن معنيون بشرق أوسط جديد يستند إلى التعايش والتعاون". وتابع نتنياهو: "نكتب التاريخ بطريقة ستتوارثها الأجيال". وأضاف "أعتقد أن زيارة وفد من الإمارات بهذا المستوى الرفيع، ستظهر لشعوبنا وللمنطقة وللعالم بأسره فائدة العلاقات الودية والسلمية والطبيعية". وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"الدور الأميركي"، مشيراً إلى أنه "بدون واشنطن لم نكن لنصل إلى هذا اليوم المتألق والذي نصنع فيه السلام". وأكد أن الإعفاء من تأشيرات السفر سيوفر "دعماً كبيراً لقطاع الأعمال والسياحة".
من ناحيته قال منوتشين: "هذا الصباح (أمس) غادرت الإمارات إلى إسرائيل في رحلة تجارية، يا لها من لحظة تاريخية"، مشدداً على أن "اتفاق السلام" سيعزز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وقال: "أرست اتفاقيات أبراهام الأساس لعلاقات اقتصادية مباشرة بين اثنين من أكثر اقتصادات الشرق الأوسط ازدهاراً وتطوراً، وهذه العلاقات تخلق أساساً هائلاً للنمو الاقتصادي والفرص والابتكار والازدهار".
أما أدام بوهلر، رئيس صندوق المساعدات في البيت الأبيض، فقد تعهد في كلمة له بتدشين صندوق استثمارات أميركي-إسرائيلي-إماراتي مشترك، لتشجيع التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط، أطلق عليه اسم "صندوق أبراهام"، مشيراً إلى أنه سيتم تخصيص مبلغ ثلاثة مليارات دولار لهذا الصندوق؛ إذ سيتم افتتاح مكاتبه في القدس المحتلة. وقد لفت موقع "وللا" إلى أن "صندوق أبراهام" سيرعى تدشين مشاريع مشتركة بهدف تعزيز مفهوم "السلام الإقليمي".
من ناحيته، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون المالية عبيد حميد الطاير: "إنه لشرف لي أن أقف أماكم كممثل للإمارات، وما أعرفه أن هذه الزيارة ستكون مثمرة وغنية وستعزز التعاون بين الدولتين، طواقمنا مستعدة لمواصلة بحث مستقبل علاقاتنا المصرفية بحيث تتمكن الدولتان من تأمين عوائد إيجابية من هذه العلاقات". وأكد التزام الإمارات بأن تكون من الدول "الرائدة إقليمياً في العمل على الإصلاح الاقتصادي، والتجارة الدولية والاستقرار السياسي وصنع السلام".
حازم قاسم: الزيارة سوف تشجع الاحتلال على مواصلة الضم التدريجي لأراضي الضفة الغربية
وفي ما يتعلق بطابع الاتفاقات التي تم توقيعها خلال الزيارة، قال تمار كفلان القائم بأعمال المستشار القانوني في وزارة الخارجية الإسرائيلية لقناة "كان" الرسمية، إنّ الاتفاقات الأربعة "مهمة وستوفر الظروف التي ستساعد قطاع الأعمال والمواطنين الإسرائيليين". وأضاف: "العمل مع الإماراتيين أدهشنا، تعاون ممتاز، عمل سريع وعلى مدار الساعة، عمل دافئ ومتواصل، نحن نتواصل عبر مجموعات الواتساب وعبر تقنية الزوم".
وفي الإطار ذاته، قال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست تسفي هاوزر للإذاعة العبرية الرسمية "كان"، إنّ "توقيع الاتفاقات اليوم (أمس) بين إسرائيل والإمارات يساعد الدولتين والشعبين، هذه الاتفاقات تدل على أن إسرائيل لا تمثل مصدر الشر في المنطقة بل حليف ضد دول تجسد الشر"، في إشارة واضحة لإيران.
ولم يخف القادة الفلسطينيون من جانبهم خيبتهم من التوجهات الإماراتية. وعلق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، على الزيارة قائلاً: "اليوم هذا التطبيع وهذه الهرولة الإماراتية تشكل علامة فارقة في ظل تصاعد العدوان ضد الشعب الفلسطيني". وأضاف متحدثاً من رام الله: "ما تم الإعلان عنه من اتفاقات ثنائية أمر مخزٍ، كل ذلك يجرى من أجل إعطاء أوراق قوة للاحتلال لتصعيد عدوانه وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني ولمزيد من التعنت والغطرسة". وفي غزة، قال المتحدث باسم حركة "حماس" حازم قاسم: "هذه الزيارة سوف تشجع الاحتلال على مواصلة الضم التدريجي لأراضي الضفة الغربية".