وتحاول إسرائيل بشكل واضح استغلال هذا الصراع لتحسين مكانتها في المواجهة مع طرفيه. فقد مثل انفجار هذه الأزمة قبل توجه عباس لواشنطن الشهر المقبل من أجل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرصة ذهبية لإسرائيل، لتقليص فرص إحداث تحول جدي في موقف الإدارة الأميركية الجديدة من الصراع، بطريقة قد تدفعها لاتخاذ مواقف تفضي إلى توتر العلاقة مع ساكن البيت الأبيض الجديد، بعكس ما تراهن.
وتخشى نخب اليمين الحاكم في تل أبيب أن يترجم ترامب إعلاناته المتكررة بشأن حرصه الشديد على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر "صفقة القرن"، التي يروج لها، إلى تحركات سياسية تضطر معها تل أبيب لتأكيد تشبثها بمواقفها الأيديولوجية التي لا يمكن على أساسها إحراز أي تقدم على صعيد التسوية، بغض النظر عن طابعها، سواء كان ثنائيا أو إقليميا.
وقد سارعت محافل التقدير الاستراتيجي المرتبطة بدوائر صنع القرار في تل أبيب إلى توظيف الصراع المحتدم بين طرفي الانقسام الفلسطيني، من أجل الطعن في شرعية تمثيل عباس للشعب الفلسطيني، والزعم بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تتوصل لتسوية مع قيادة لا تمثل الشعب الفلسطيني.
ويحاجج "مركز يروشليم لدراسات المجتمع والدولة"، الذي يترأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي السابق، والمقرب من دوائر صنع القرار في تل أبيب، بأنّ الصراع بين غزة والضفة يدلل على أن السلطة الفلسطينية "تخضع عملياً لقيادتين سياسيتين"، وبالتالي ليس بإمكان أحدهما اتخاذ قرارات تلزم الأخرى".
وفي تقدير موقف نشره اليوم وأعده يوني بن مناحيم، المدير السابق لسلطة البث في إسرائيل، يشير المركز إلى أن السلطة الفلسطينية تعي أن قدرتها على إقناع المجتمع الدولي بتمثيلها للشعب الفلسطيني تتوقف على نجاحها في استعادة قطاع غزة، مما دفعها لاتخاذ الإجراءات الأخيرة ضد القطاع في مسعى لإجبار "حماس" على التخلي عن السيطرة عليه، ومنها سلسلة الخطوات الأخيرة، وعلى رأسها تقليص رواتب الموظفين بنسبة 30%.
ولا يتوقف الاستغلال الإسرائيلي للصراع القائم بين حماس وفتح من أجل إضعاف عباس والتشكيك في مكانته التمثيلية عند هذا الحد، بل إن نخب اليمين الحاكم معنية أن يمثل الصراع المحتدم حاليا بين حركتي فتح وحماس دليلا على تهاوي الوحدة السياسية لمناطق نفوذ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد سبق لممثلي اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو أن جاهروا بتأييد كل خطوة تهدف إلى تكريس القطيعة السياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد عزا المعلق السياسي في القناة الإسرائيلية العاشرة، رفيف دروكير، تحمس كل من وزير الاستخبارات الليكودي يسرائيل كاتس ووزير الاستيطان أوري أرئيل، أحد قادة حزب "البيت اليهودي" الديني المتطرف، لفكرة تدشين ميناء عائم في غزة إلى رغبتهما في الإبقاء على القطيعة بين الضفة والقطاع.
لكن إسرائيل التي تدرك أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة في أعقاب الإجراءات الأخيرة لعباس قد يفضي إلى اندلاع مواجهة جديدة مع حماس، سارعت إلى قطع الطريق على الحركة ومنعها من تحميلها المسؤولية عن هذا المآل. وقد وجدت إسرائيل في السجال المحتدم بين السلطة وحماس فرصة للتدليل على أنها لا تتحمل المسؤولية عن الوضع القائم في غزة.
وحرص الجنرال بولي مردخاي، منسق شؤون الأراضي المحتلة في إسرائيل، إلى نزع مسوغات اندلاع أية مواجهة عسكرية جديدة مع تل أبيب، من خلال تحميل كل من "حماس" وعباس المسؤولية عن تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. ويهدف الجهد الدعائي الذي يقوم به مردخاي، إلى تحميل حركة حماس المسؤولية عن ردود الفعل العسكرية، التي تهدد بها تل أبيب، في حال قادت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في القطاع إلى حرب جديدة.
لكن محاولة تل أبيب توظيف الصراع المحتدم بين "حماس" والسلطة لم تمنعها من مواصلة التعاون مع حكومة رام الله في مواجهة تحديات مشتركة. ويكشف "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" في ورقة أخرى صدرت عنه اليوم، النقاب عن وجود تنسيق مباشر بين إسرائيل والسلطة لاحتواء تداعيات إضراب الأسرى الفلسطينيين. وحسب الورقة، فإن ما يثير قلق كل من تل أبيب وحكومة رام الله هو أن يمثل الإضراب "كرة ثلج متدحرجة تقود إلى انفجار الأوضاع الأمنية واندلاع انتفاضة ثالثة".