إسرائيل تدفع إلى حافة الهاوية

02 اغسطس 2024
معتقل سدي تيمان، 29 يوليو 2024 (عمير كوهين/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **اقتحام مليشيات اليمين المتطرف للقاعدة العسكرية والمحكمة**: اقتحمت مليشيات اليمين الفاشي الإسرائيلي قاعدة سدي تيمان العسكرية، بدعم من أعضاء كنيست ووزراء من أحزاب اليمين المتطرف، ورفضت اعتقال الجنود المتهمين بالتنكيل الجنسي وتعذيب الأسرى.

- **سياسة الاغتيالات الإسرائيلية**: تسعى إسرائيل من خلال اغتيال قادة من حزب الله وحماس إلى ترميم صورة الردع المتآكلة منذ السابع من أكتوبر، وتحسين صورة المؤسسة العسكرية أمام المجتمع الإسرائيلي، وتحقيق مصالح سياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

- **التحديات العسكرية والردود المحتملة**: تواجه إسرائيل تحديات كبيرة في حال اندلاع حرب واسعة مع حزب الله، وتعاني من نقص في المعدات العسكرية والذخائر والقوى البشرية، مما يثير تساؤلات حول مدى دقة تقديراتها لردود الفعل.

لا يختلف تصرف مؤيدي اليمين الفاشي الإسرائيلي في اقتحامهم قاعدة سدي تيمان العسكرية التي تحولت إلى معسكر احتجاز وتعذيب لأسرى من حركة حماس، ومن ثم اقتحام قاعات المحكمة العسكرية في بيت ليد مطالبين بإطلاق سراح الجنود المعتقلين بتهم التنكيل الجنسي وتعذيب أسرى من "حماس"، عن ذهنية متخذي القرار الإسرائيلي باغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، واغتيال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية في طهران.

مليشيات اليمين المتطرف اقتحمت القاعدة العسكرية بدعم من أعضاء كنيست ووزراء من أحزاب اليمين المتطرف، رافضة حتى اعتقال الجنود المتهمين للتحقيق معهم في التهم الموجهة لهم، وضاربة عرض الحائط بالقوانين والمعاهدات الدولية ولا تخشى من تهم اقتراف جرائم حرب في المحاكم الدولية، على الرغم من أنهم مدركون أنه تحقيق شكلي لن يؤدي إلى لوائح اتهام جدية، وجاء لإرضاء محكمة العدل الدولية. باختصار، هذه المجموعة الواسعة لا تريد احترام القانون الإسرائيلي ولا القانون الدولي. وتقول إنها لا تخشى أي عقاب من القانون الإسرائيلي لأنها مدركة تماماً أن أحداً لن يعاقبها على هذا التصرف. فهي فوق القانون الإسرائيلي ذاته ولا تعير القانون الدولي أي احترام.


إسرائيل تسعى من وراء هذه الاغتيالات والهجمات إلى ترميم صورة الردع المتآكلة

بلطجية الإقليم

هذه الذهنية تفسر أيضاً تصرف إسرائيل بما هي دولة لا تحترم القانون الدولي ولا مواثيق دولية ولا حقوق إنسان أساسية. إسرائيل اغتالت فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإسماعيل هنية في قلب طهران غير مكترثة بأي قانون دولي أو عقاب. هذه الاغتيالات تأتي بعد أن أوضح صنّاع القرار في إسرائيل، بلسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقبله وزير الأمن يوآف غالانت وقيادات سياسية وعسكرية أخرى، أن إسرائيل سترد حتماً على حادثة مجدل شمس. إسرائيل استغلت حادثة مجدل شمس وبنت عليها حجج الرد العسكري. لكنها دأبت على التوضيح أنها لا تريد لهذا الرد أن يؤدي إلى فتح حرب واسعة أو شاملة في الشمال أو المنطقة. كذلك قالت الإدارة الأميركية إنها لا تريد توسع الحرب في جبهة الشمال أو امتدادها إلى حرب إقليمية.

واهتمت المؤسسة العسكرية، بأذرعها المختلفة، منها قيادات حالية وقيادات سابقة ومراكز أبحاث عسكرية وأمنية، بالتوضيح أن الجيش الإسرائيلي غير مهيأ لخوض حرب واسعة في الشمال وأن ثمن ذلك سيكون هائلاً على إسرائيل، عسكرياً وفي الجبهة الداخلية. التقديرات العسكرية الإسرائيلية كافة ادعت في الأشهر الأخيرة أن هناك نقصاً في المعدات العسكرية والذخائر، وأن هناك نقصاً في القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، وأن قدرات الجيش على الحرب في جبهتين ليست كبيرة. لا ندري إذا كانت هذه الادعاءات تقصد التمويه أم أنها حقيقية، لكن الواضح للجميع أن إسرائيل يمكن أن تدفع ثمناً باهظاً في حال اندلاع حرب واسعة مع حزب الله قد تتوسع إلى حرب إقليمية. إسرائيل غيّرت في الشهر الماضي أسلوب الردود على الهجمات التي تلقتها من محور الإسناد لغزة، إذ ردت بشكل عنيف جداً على هجوم الحوثيين بطائرة مسيّرة على تل أبيب ومقتل إسرائيلي، وهجمت هجوماً عنيفاً على ميناء الحديدة اليمني ودمرت مخازن النفط هناك. وفي ردها على حادثة مجدل شمس قفزت إسرائيل مرة واحدة على كل درجات التصعيد واختارت واحدةً من أعلى درجات سلم الردود، بحيث قصفت الضاحية الجنوبية لبيروت وهي تعرف أن في هذا تخطياً لكافة الخطوط الحمر. فكيف يمكنها الآن أن ترد بدرجات أقل على أي رد قاس يمكن أن يقوم به حزب الله.


قدرات إسرائيل في تجميع المعلومات والتجسس عالية جداً

أهداف إسرائيل

تسعى إسرائيل من وراء هذه الاغتيالات والهجمات إلى ترميم صورة الردع المتآكلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وترمي المؤسسة العسكرية إلى تحسين صورتها أمام المجتمع الإسرائيلي بعد أن تراجعت بشكل كبير، وتريد تغيير مكانة إسرائيل الاستراتيجية التي تزعزعت منذ السابع من أكتوبر وما لحقه من هجمات من محور الإسناد. وتريد أن تثبت أنها ما زالت قادرة على تنفيذ ضربات قاسية فيها درجات كبيرة من المغامرة، تقترب في هذه الحالة من المقامرة.

بالإضافة للاعتبارات العسكرية الاستراتيجية هناك اعتبارات لمصالح سياسية لنتنياهو. فهو يسعى إلى ترميم مكانته السياسية والحفاظ على التحالف الحكومي، ولا يقل أهمية أنه لا يريد أن يترك إرثاً سياسياً سلبياً، وأن يُذكر في كتب التاريخ أنه كان مسؤولاً عن أكبر إخفاق عسكري وأمني بتاريخ إسرائيل. لذلك يحاول أن يحقق ما يمكن اعتباره إسرائيلياً إنجازات عسكرية وأمنية، وأن يوصف بأنه رفض الانصياع لمطالب الإدارة الأميركية ولقيادات الجيش الإسرائيلي وللمعارضة الإسرائيلية. من هنا رفضه التوصل إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين في غزة. وقد بات واضحاً أن الاغتيالات الأخيرة ستوجه ضربة قاتلة لجهود الوساطة وقد تقضي على أي احتمال للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل و"حماس". وهذا يعني، مرة أخرى، أن إسرائيل لم تكن معنية أصلاً بالتوصل إلى اتفاق وأنها تختار دائما الحلول العسكرية والهروب إلى الأمام.

إسرائيل تعي تماماً أنه سيكون هناك ردود فعل قاسية على عمليات الاغتيال، وأنها ربما قامت بنفسها بربط الساحات وتنسيق الردود من طهران إلى صنعاء عبوراً بالضاحية الجنوبية. وقد أوضحت التجربة منذ السابع من أكتوبر الماضي أن قدرات إسرائيل في تجميع المعلومات والمعطيات والتجسس عالية جداً، بحيث كانت تملك كافة المعلومات والمعطيات حول خطط "حماس" لتنفيذ هجوم السابع من أكتوبر، وأثبتت أنها تعرف وترصد تحركات القيادات العسكرية الإيرانية في سورية والمنطقة، حين اغتالت القيادات العسكرية في القنصلية الإيرانية في دمشق، وها هي تعود وتوضح أن بإمكانها أن تصل لأي شخصية عسكرية أو سياسية في المنطقة. إلا أن إسرائيل أثبتت أيضاً أن تقييمها وتفسيرها للمعطيات وردود الفعل وتصرف الطرف المقابل لم يكن دائما دقيقاً، وأخطأت في العديد من الحالات. فقد فشلت في تفسير نيات حركة حماس، وأخطأت في تقديرها لرد إيران على الاغتيال في دمشق. عمليات الاغتيال الأخيرة ترسل رسالة بأن إسرائيل لا تخشى من حرب واسعة وشاملة في عدة محاور، وأنها مستعدة للسير لغاية حافة الهاوية، وأنها كانت تكذب حين تقول إنها لا تريد حرباً واسعة، ومعها أيضاً الإدارة الأميركية.

قد تكون هذه الرسالة مبنية على فرضية بأن الطرف الآخر لا يريد هذه الحرب ولن يدفع هو نحو الهاوية كما حدث في أحداث سابقة. فهل سيكون تقدير إسرائيل خاطئاً هذه المرة أيضاً أم أن الغلبة ستكون لعوامل الضبط والاحتواء؟ هذا ما ستوضحه الأيام القريبة المقبلة. العقلية نفسها التي دفعت بهجوم قطعان اليمين الفاشي على معسكرات الجيش الإسرائيلي وقاعات المحكمة العسكرية، وعدم الخشية من أي رد، هي التي تفسر تصرف إسرائيل البلطجي في المنطقة منذ بدء حرب الإبادة على غزة، بحيث تخرق القانون الدولي وتدوس المواثيق الدولية، وتأمل أن تخرج من كل هذا بأقل عقاب.

المساهمون