يُعد التصعيد الإسرائيلي حيال قطاع غزة هو الأول منذ عام 2006، الذي تبدي فيه إسرائيل الكثير من مؤشرات انعدام اليقين إزاء طابع رد المقاومة على عمل عدائي بادر إليه جيش الاحتلال.
وقال المعلق العسكري لقناة "13"، أورن هيلر، مساء أمس الثلاثاء، إنه لم يحدث أن ساد في الدوائر الإسرائيلية السياسية والأمنية حالة من الترقب وانعدام اليقين إزاء رد محتمل للمقاومة الفلسطينية على سلوك عسكري إسرائيلي، كما يتعلق الأمر بالحيرة إزاء رد المقاومة المحتمل على اغتيال ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي العسكريين، وما رافقه من مجزرة راح ضحيتها 12 من المدنيين، جلهم من النساء والأطفال، عدا عن إصابة العشرات.
وإن كانت إسرائيل متيقنة من حتمية الرد على جريمة أمس، إلا أنها في الوقت ذاته في حيرة من أمرها إزاء ثلاث سمات متعلقة بهذا الرد، وهي: نوعية الرد، وساحته الجغرافية، وهوية الأطراف التي ستشارك فيه.
ويعكس ما جاء على لسان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شابات في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "يسرائيل هيوم" ونشرها موقعها مساء أمس الثلاثاء، طابع الحيرة الإسرائيلية.
هجوم عبر صواريخ موجهة
ووضع بن شابات الذي يشغل حالياً منصب رئيس معهد "مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية"، عدة أسباب لتفسير تأخر الرد، وأشار في الوقت ذاته إلى العديد من السيناريوهات المحتملة، منها أنّ التأخر في الرد يأتي بسبب رغبة "الجهاد الإسلامي" في مفاجأة إسرائيل وتوجيه ضربة قوية لها.
وبحسب بن شابات، فإنّ الاحتمال الأول لصورة الرد الذي يمكن أن تقدم عليه "الجهاد"، يتمثل في هجوم عبر صواريخ موجهة ضد أهداف إسرائيلية قريبة من الحدود مع قطاع غزة.
ولم يستبعد بن شابات، الذي سبق أن كان مسؤولاً عن قطاع غزة في جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، أن تلجأ "الجهاد" إلى شنّ هجوم تسلل أو باستخدام نفق. مستدركاً أنّ تنفيذ هذا السيناريو يتطلب إعداداً مسبقاً، مما يعني مرور وقت طويل قبل تنفيذه.
ولم يستثن بن شابات رغبة "الجهاد" في تنفيذ رد على العدوان في الساعات الأخيرة من الليل، على اعتبار أنّ إسرائيل نفذت عدوانها في نفس التوقيت.
انضمام "حماس"
أما السيناريو الثاني الذي يشير إليه بن شابات، فيتعلق بانضمام جهة أخرى إلى جانب "الجهاد" في تنفيذ عمل كبير للرد على العدوان، لافتاً إلى أنّ "الجهاد" معنية بضم حركة حماس تحديداً، على اعتبار أنّ مشاركتها تعني زيادة حجم الرد واتساع نطاقه.
ولا يستبعد بن شابات أن يكون التأخر في الرد متعلقا بالرغبة في تجنيد ساحة خارجية للمشاركة في الرد، وأنه تجري حالياً اتصالات بين الأطراف التي يفترض أن تشارك في الرد حول إخراج هذا السيناريو وتنفيذه.
وبحسب ما ذكرته الإذاعة العبرية الرسمية، صباح اليوم الأربعاء، فإنّ الأجهزة الاستخبارية عرضت على المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن (الكابينت) أثناء انعقاده، مساء أمس الثلاثاء، تقديرات تفيد بأنّ حركة الجهاد الإسلامي خططت بالفعل لتنفيذ عمل كبير عبر الحدود مع غزة.
وقالت الإذاعة إنه، بحسب التقديرات الاستخبارية التي اطلع عليها أعضاء المجلس الوزاري المصغر، فإنّ هناك احتمالاً "ليس كبيراً" في أن يتم إطلاق صواريخ من جنوب لبنان.
لكن بشكل عام، فإنّ التقديرات الرسمية الإسرائيلية تبدو أكثر تشاؤماً مما تنقله وسائل الإعلام في تل أبيب، وإنّ هناك مخاوف لدى صناع القرار في ألا تتم العملية العسكرية وفق المخطط الأصلي لها.
ففي مقابلة أجرتها معها إذاعة جيش الاحتلال اليوم الأربعاء، قالت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية (الليكود) غيلا جملئيل "هناك محاولات لجرّنا إلى عملية أكبر بكثير في غزة (..) سيكون هناك تقييم للوضع لجميع القوى الأمنية، وسنرى كيف يمكن تسهيل الأمر على المستوطنين في هذا الوقت".
"أسرع وقت"
ومن الواضح أنّ إسرائيل معنية بإنهاء العملية العسكرية بأسرع وقت ممكن، كما عبّر عن ذلك بشكل صريح وزير الطاقة وعضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، يسرائيل كاتس، في حديثه مساء أمس الثلاثاء، لقناة التلفزة الرسمية "كان"، حيث قال: "لو تعلّق الأمر بي لضغطت على الزر لإنهاء العملية"، مشيراً إلى أنّ الأمر يتعلّق بردة فعل الفصائل الفلسطينية.
وقد عبّر عن هذا التوجه أيضاً، كبير المعلقين في صحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنيع، الذي كتب في تحليل نشرته الصحيفة اليوم الأربعاء: "طموح الجيش و(بنيامين) نتنياهو هو إنهاء هذه الجولة مع غزة في أسرع وقت ممكن، والتصريحات التي خرج بها نتنياهو أمس بأنه مستعد لعملية طويلة، هي فقط لتكون مبرراً له في حال فقد السيطرة وأصبح الوضع معقداً".
وفي سياق متصل، ذكرت "كان"، مساء الثلاثاء، أنّ كلاً من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، طالبا بردّ "غير متناسب" في حال ردت حركات المقاومة الفسطينية على العدوان على غزة.
وفيما يتعلق بالاستعدادات لمواجهة رد المقاومة المحتمل، أوردت "كان" أيضاً، أنّ شرطة الاحتلال تستعد لعمليات إطلاق صواريخ واسعة ومن أكثر من ساحة.
وبحسب قناة "13"، فإنّ إقدام بلدية تل أبيب على فتح الملاجئ، يأتي في ظل تخوفات من أن تستهدف فصائل المقاومة المدينة، في ردها على عدوان غزة.