أعلنت إريتريا انضمامها لنادي المبادرات من أجل حل الأزمة السودانية، بعد قرارها الانخراط في مشاورات لتقريب وجهات النظر بين مختلف أطراف الأزمة.
وأرسلت أسمرة، يوم السبت الماضي، وفداً رفيع المستوى إلى الخرطوم، ضم وزير خارجيتها عثمان صالح، ويماني قبراب مستشار الرئيس أسياس أفورقي.
رسالة من أفورقي إلى البرهان
والتقى الوفد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وسلّمه رسالة خطية من الرئيس الإريتري. ووفقاً لبيان من مجلس السيادة، فإن الوفد حمل معه رؤية تهدف لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية لحل الأزمة السياسية في البلاد، وذلك انطلاقاً من حرص إريتريا ورغبتها في استتباب الأمن والاستقرار في السودان وفي دول المنطقة والإقليم.
ولم يوضح بيان المجلس عقب اللقاء بين البرهان والوفد الإريتري موقف السودان من المبادرة، لكن عضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين الكباشي، عبّر عن تقديره لـ"مواقف دولة إريتريا لمعالجة الأزمة السياسية، وتقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف السودانية".
توسطت إريتريا في أزمات سودانية سابقة أيام عمر البشير
وأكد في تصريحات له أول من أمس الأحد، ترحيبه بكافة المبادرات والجهود التي تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد ومعالجة الأزمة السودانية. ولإريتريا، الدولة التي استقلت في عام 1993 عن إثيوبيا بعد حرب طويلة، تجربة في الجمع والتوسط بين الأطراف السودانية إبان نظام المخلوع عمر البشير.
وسبق أن استضافت في عام 2000 أول لقاء جمع البشير مع زعيم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض محمد عثمان الميرغني، وهو تجمع كان يقاتل الحكومة المركزية عبر الحدود الشرقية واتخذ من أسمرة مقراً لقيادته العليا.
كما توسطت إريتريا في عام 2006، عبر استضافتها مفاوضات طويلة بين نظام البشير وجبهة الشرق التي كانت تقاتل الحكومة السودانية أيضاً في مناطق الشرق السوداني، وانتهت المفاوضات بالتوقيع على اتفاق سلام شرق السودان، الذي أنهى حرباً استمرت لأكثر من 13 عاماً.
لكن أسمرة الآن لن تجد نفسها وحدها في نادي مبادرات حل الأزمة السودانية، فقد سبقتها مبادرات إقليمية ودولية مثل مبادرات دولة جنوب السودان التي ظلت تتحرك في كل المجالات، وقبلها مبادرة بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية "إيغاد"، والتي تشكلت كلها في مبادرة واحدة، تُعدّ الأكثر حظاً في القبول والتحرك.
كما تدخل إريتريا حلبة الصراع مع مبادرات أخرى محلية شكّلها حكماء وأساتذة جامعات وأحزاب سياسية، مثل مبادرة تحالف الجبهة الثورية، الشريك الرئيس في الحكم الحالي، لكونه موقّعاً على اتفاق سلام مع الحكومة لإيقاف الحرب في مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وحول الخطوة الإريترية، يقول السفير السوداني السابق في إثيوبيا الطريفي كرمنو، إن "المبادرة الإريترية تحرث في البحر ولا أمل في نجاحها وتقدمها مطلقاً". ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أن العلاقات السودانية الإريترية ظلت فاترة لسنوات طويلة، ولم يتعدّ هدفها بحث الطرفين إلا عن الجوار الآمن.
ويرى أن إريتريا تعتمد في تحركها الحالي على إرثها القديم، المرتبط بأحزاب سياسية لا تأثير كبيراً لها الآن على المشهد السياسي، لأن دورها تلاشى. ويعتبر أن إريتريا لا تمتلك ثقلاً سياسياً ولا اقتصادياً حتى يكون لها أدوات ترهيب أو ترغيب أو أية أدوات ضغط أخرى.
ويشير إلى أن التدخلات الأميركية والإثيوبية والأمم المتحدة وتلك التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي وغيرها من الدول والمنظمات الدولية لم تحرّك جمود المشهد السوداني وانسداد أفقه منذ أشهر طويلة، منوهاً أيضاً إلى أن أسمرة انزوت منذ فترة عن إقحام نفسها في الشؤون السودانية، ربما لعوامل داخلية.
خبرة إريترية سابقة في السودان
من جهته، يشير المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، إلى أن إريتريا تمتلك بالفعل خبرة في التوسط في الشؤون السودانية، كما فعلت بين الحكومة والحركة الشعبية وبين الحكومة والتجمع الديمقراطي، وبين الحكومة وجبهة شرق السودان.
ويلفت في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن أسمرة تسعى من خلال مبادرتها الحالية وفق قناعة أن ما يجري في الخرطوم سيجعلها الأكثر تأثراً، مدركة الأبعاد الأمنية لخطواتها.
ويرى أبو إدريس أن إريتريا تدخل نادي الوساطات من دون امتلاك أدوات للضغط على مختلف الأطراف، مشيراً إلى أن إريتريا معزولة الى حد كبير عن العالم، وحتى إذا نجحت في مهمتها بتقريب المسافة بين السودانيين ودفعتهم للتوقيع على اتفاق، فإنه لن يجد ترحيباً ولا حماسة دولية بسبب تلك العزلة.
ويقول إن أسمرة غير مكترثة أصلاً للمجتمع الدولي على مستوى دوله ومنظماته "بدليل أنها تتقدم بمبادرتها تلك من دون اهتمام لوجود مبادرة من الاتحاد الأفريقي، وهي عضوة فيه، ولا تهتم لوجود إيغاد ضمن مجموعة الوسطاء".
ويستبعد أبو إدريس نجاح إريتريا في تقديم الحد الأدنى من المساعدة في المصالحة القبلية في شرق السودان، المتاخم لأراضيها، معتبراً أن السبب نابع من انعدام الثقة بالجانب الإريتري، الذي تشعر به بعض الأطراف في شرق السودان.
مع ذلك، يبيّن أن أسمرة حريصة على مبادرتها وتحاول أداء دور في العملية السياسية في السودان، من أجل ضمان مصالحها، خصوصاً أمن شرق السودان المرتبط بأمنها القومي.
لا تملك أسمرة أدوات ضغطٍ لفرض نجاح مبادرتها بالخرطوم
ودخل السودان منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ورطة سياسية عقب الانقلاب العسكري لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي علّق العمل بالوثيقة الدستورية وأعلن حالة الطوارئ وحل الحكومة وجمد عمل لجنة مختصة بتصفية نظام البشير في مؤسسات الدولة.
وبعد تنفيذه الانقلاب عجز البرهان عن فعل شيء، بما ذلك تشكيل حكومة جديدة، كما تدهورت الأوضاع المعيشية نتيجة لتجميد الدول ومؤسسات التمويل الدولية مساعداتها المالية والاقتصادية للسودان عقب الانقلاب.
وتفاقمت التوترات الأمنية في الخرطوم ومناطق أخرى في السودان، خصوصاً مناطق النزاع القبلي، فضلاً عن استمرار خروج التظاهرات والمليونيات باستمرار للمطالبة بتنحي العسكر وعودة المسار المدني في البلاد. وبرزت التناقضات والخلافات داخل المعسكر الانقلابي، وهو ما سيعقّد خطوات المبادرة الإريترية التي لم يتم الكشف حتى الآن عن تفاصيلها.