رغم التصريحات العلنية لمسؤولين في جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) وسياسيين وغيرهم ممن وصفوا اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين بالإرهابية، فإن احتمالات محاكمة ومعاقبة هؤلاء ضئيلة، كونهم يحظون بدعم أوساط في الحكومة، فضلاً عن تجارب سابقة لم يُعاقب بها قتلة الفلسطينيين.
ولا يعني استنكار "الشاباك" وجيش الاحتلال أنهما أفضل من المستوطنين في ممارساتهما، ولكن لكل حسابته ودوره في حماية مصالح دولة الاحتلال، وعلى طريقته. والجيش الذي يعتبر إحراق بيوت الفلسطينيين والاعتداء عليهم وقتلهم إرهاباً، على غرار ما حدث مع الشاب الشهيد قصي معطان (19 عاماً) الذي قتله مستوطنان يوم الجمعة الماضي، هو ذات الجيش الذي دمّر مخيم جنين في الحملة العسكرية الأخيرة وقتل عدداً من المقاومين ولطالما استهدف المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وسائر فلسطين وارتكب جرائم فظيعة، وكثيراً ما كان ذلك بتهيئة الأرضية له مسبقاً من قبل الشاباك.
وتشهد الضفة الغربية المحتلة تصاعداً في اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين الأمر الذي قد يشعل الأوضاع.
وحذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، من أن ازدياد الجرائم القومية الإرهابية من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، قد يقود إلى عمليات فلسطينية ضد أهداف إسرائيلية. ويتوافق ذلك مع التحذيرات التي أطلقها رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار.
ويشعر المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة في الآونة الأخيرة، بحرية أكبر في تحركاتهم، في ضوء وجود أعضاء كنيست ووزراء داعمين لهم، بل هم بأنفسهم كانوا شركاء في تغذية هذا الفكر المتطرّف وممارسته على أرض الواقع، مثل وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضاً منصب وزير في وزارة الأمن، من أجل تعزيز الاستيطان وممارسات المستوطنين في الضفة.
أما بن غفير فقد سمح لأعضاء كنيست متطرفين بزيارة المستوطن الجريح الذي قتل الشاب معطان، لتقديم الدعم له والدفاع عنه، من بينهم النائبة طالي غوتليب (الليكود) والنائب تسفي سوخوت (الصهيونية الدينية).
نظام مشوه
في غضون ذلك، تقول الكاتبة في صحيفة "هآرتس" يوعانا غونين، إن تجارب السابق، تشير إلى أن المستوطنين الضالعين في قتل الشاب قصي معطان قد لا يحاكمون على الأرجح، "وبالتأكيد لن يتم تحقيق أي عدالة في ظل نظام مشوه حيث يتم التعامل مع الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل مختلف تمامًا من جهة القانون".
واستعرضت الكاتبة واقعتين مشابهتين من العامين الأخيرين، إحداهما قيام مستوطن بقتل الشهيد علي حرب في قرية اسكاكا شرقي محافظة سلفيت في يونيو/ حزيران 2022، وذلك لدى وصول مجموعة مستوطنين إسرائيليين إلى أرض خاصة، في إطار مساعيهم لإقامة بؤرة استيطانية عشوائية بمحاذاة مدخل مستوطنة أريئيل. وعندما حاول الأهالي طردهم، أقدم مستوطن على طعن حرب مباشرة في قلبه.
وزعم القاتل أن طعنه للشهيد جاء في إطار دفاعه عن نفسه، رغم أن توثيقات نُشرت في حينه تكذّب روايته.
وتظاهر متطرفون من اليمين دعماً للمستوطن القاتل، كان بينهم سموتريتش الذي كان عضو كنيست في حينه، وكذلك بن غفير والنائبان سيمحا روتمان وآفي معوز.
ولم تتعمق الشرطة في تحقيقاتها، كما لم تعر اهتماماً لشهادات الفلسطينيين وبعد شهرين من الجريمة الإرهابية، قررت النيابة إغلاق الملف.
وشهد عام 2023 جريمة أخرى على خلفية قومية في منطقة سلفيت في شهر فبراير/ شباط بعد أن تشكّلت حكومة جديدة وتغيّر قائد هيئة اركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن الواقع على الأرض لم يتغيّر في الضفة الغربية المحتلة، بل ربما يمكن الجزم اليوم بأنه أصبح أسوأ وبرعاية رسمية في عهد الحكومة الحالية.
فقد أقدم مستوطن على قتل الشهيد مثقال ريان، في بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت، خلال تصديه مع أهالي بلدته لهجوم مستوطنين من البؤرة الاستيطانية "حفات يئير"، على الجهة الشمالية للبلدة.
ولم تقم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بجمع إفادات الفلسطينيين وشهاداتهم، فيما ادّعى المستوطنون أنهم تجوّلوا في المنطقة وأطلقوا النار في الهواء دفاعاً عن النفس لدى تعرضهم لهجوم، ولم يُحاكم أحد منهم.
وما أشبه اليوم بالأمس، حيث هاجمت مجموعة من المستوطنين المسلحين من مستوطنة "عوز تسيون" قرية برقة الفلسطينية يوم الجمعة الماضي، واقتحموا أراضي خاصة، هذه المرة بحجة رعي الأغنام، ولدى تصدي الأهالي لهم قتل مستوطن الشاب قصي معطان، فيما زعم المستوطنون أنهم أطلقوا النار دفاعاً عن النفس.
وتبين أن المستوطن المشتبه بالقتل هو أليشع ييرد، الناطق السابق باسم النائبة في الكنيست عن "القوة اليهودية" ليمور سون هار ميلخ.
ويحظى المستوطن بدعم مستوطنين ونشطاء في اليمين. وعدا عن النواب الذين زاروه، اعتبر بن غفير أن "من يدافع عن نفسه من إلقاء الحجارة يجب منحه وساما"، في إشارة واضحة إلى موقفه مما حدث.
وبناء على أحداث سابقة، فمن المتوقع أن يفلت القاتل بفعلته هذه المرة أيضاً، كما هي العادة في دولة الاحتلال وبنفس الذرائع.
وكثيراً ما يصل المستوطنون الإرهابيون الذين يعتدون على الفلسطينيين من بؤر استيطانية غير شرعية لم يتم إخلاؤها أبدًا، مع التأكيد على أن جميع المستوطنات والبؤر غير شرعية، فيما تغض قوات الأمن الطرف عن عنفهم الممنهج.
تأطير الإرهاب
وفي ظل هذا الواقع المعقّد، ليس للفلسطينيين سبيل قانوني للدفاع عن أنفسهم، بل "حين يستدعون الشرطة أو الجيش، فإن هؤلاء يقفون ضدهم أو يساعدون المستوطنين" بحسب مقال رأي للكاتبة في "هآرتس"، يوعانا غونين، نشر اليوم الثلاثاء، فيما "يقوم الإعلام بتأطير الإرهابيين على أنهم (فتية) والإرهاب على أنه (جدال)، بينما يمتدح السياسيون المجرمين والنيابة تغلق ملفات القضايا".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ولكن حكومة الاحتلال، تموّل مراقبة المستوطنين لتحركات الفلسطينيين على مستوى الزراعة والبناء في المناطق (ج)، وهي ميزانيات رصدتها حكومة "بينت – لبيد"، حكومة الاحتلال السابقة، وضاعفتها حكومة نتنياهو الحالية.
وفي هذا السياق، أشارت الكاتبة غونين إلى أنه ثمة من يريد تصوير المستوطنين كأنهم هم المشكلة، "ولكن الدعم المباشر وغير المباشر الذي يحصلون عليه، يكشف حقيقة أنهم مجرد مساعدين لسلطات الدولة الرسمية لتحقيق أهدافها: قمع السكان الفلسطينيين وممارسة التطهير العرقي في الضفة الغربية. وبعبارات أخرى، خلافاً للادعاء الذي انتشر في الأيام الأخيرة، فإن المستوطنين اليهود ليسوا الذراع العسكرية لحزب القوة اليهودية، بل الذراع العسكرية لدولة إسرائيل".