أقرت الحكومة الجزائرية بتأجيل زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس، التي كانت مقررة منذ مدة طويلة، نظراً لعدم توفر الظروف المساعدة. وجاء هذا التأجيل بسبب خمس ملفات لم يتم التوصل إليها بشكل مشترك، ما أعاق التوصل إلى اتفاقيات وتفاهمات تمنح "زيارة الدولة" أبعاداً سياسية.
وفي حوار مع منصة "أثير" أمس الأربعاء، أوضح وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن تأجيل الزيارة جاء بسبب عدم توفر الظروف المثلى، حيث لم تكن هناك ظروف مثالية تسمح بإجراء الزيارة بالشكل المناسب مع الشريك الفرنسي. وأشار إلى خمس ملفات تعتبر ثقيلة، وهي ملف الذاكرة والأرشيف، وملف التنقل (تنقل الأشخاص والتأشيرات)، وملف التعاون الاقتصادي، وملف التفجيرات النووية في الصحراء، بما في ذلك ملف التعويضات.
أكد عطاف أن من ضمن الجوانب التي أعاقت الزيارة عدم استجابة باريس لبعض المطالب الجزائرية. وقد أوضح قائلاً: "على سبيل المثال في ملف الذاكرة، هناك أمر يثير الحزن لدى المسؤولين الجزائريين. تم وضع زيارة إلى قصر أمبواز حيث كان الأمير عبد القادر معتقلاً في برنامج الزيارة، وحيث كانت تعيش عائلته بين سنتي 1847 و1852. قد طلبنا من فرنسا تسليم سيف وبرنوس الأمير عبد القادر إلى الجزائر، لأنه يحمل رمزية خاصة بالنسبة للجزائريين. ومع ذلك، رفض الجانب الفرنسي هذا الطلب، مشيراً إلى ضرورة وجود قانون يسمح بذلك".
تأجلت زيارة الرئيس الجزائري إلى باريس مرتين متتاليتين، حيث كانت مقررة في يناير/كانون الثاني ومايو/أيار الماضيين, وكشف الرئيس تبون في أغسطس/آب الماضي رفضه إجراء زيارة بروتوكولية بلا أهداف واتفاقات محددة، خاصة في ملفات الذاكرة والشؤون السياسية وتنقل الأشخاص. وأكد تبون أنه ينتظر اقتراحاً من الرئاسة الفرنسية لبرنامج الزيارة، مشيراً إلى أنه لن يذهب فقط للاستقبال في الشانزيليزيه أو للتجوال. وبين أن "الزيارة ما زالت قائمة، وننتظر فقط البرنامج الذي يجسد الزيارة من طرف الرئاسة الفرنسية، خصوصاً أن الأمر لا يتعلق بزيارة سياحية، ولكن لا بد لها من نتائج".
وفي سياق مشابه، أكد وزير الخارجية أن ملف الشراكة والتعاون الاقتصادي بين البلدين يعاني من رفض الجانب الفرنسي مقترح إنشاء صندوق استثمار بقيمة 100 مليون دولار، حيث أعلن الفرنسيون عدم حاجتهم لذلك. وأشار إلى قضية التجارب النووية، حيث لم يتم التوصل إلى تفاهمات حولها، وأكد أن الجزائر تطالب بإقرار واعتراف من فرنسا بالأضرار الناتجة عن تلك التجارب في منطقة الصحراء، مطالبة بالتعويضات، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حتى الآن.
قضية التفجيرات النووية
وضع الرئيس تبون قضية التفجيرات النووية على رأس أولويات العلاقات مع فرنسا، حيث تطالب الجزائر ببذل الجهود لتحمل باريس مسؤولياتها في تطهير المناطق التي شهدت تفجيرات نووية في الصحراء. وتعود هذه التجارب إلى عام 1958، حيث بلغ عددها 17 تجربة، ولا تزال تترك آثاراً مستمرة على الإنسان والبيئة والتنوع البيولوجي والحيوانات.
تلك التجارب النووية تركت تبعاتٍ مدمرة تمتد حتى الوقت الحاضر، حيث تسببت الإشعاعات في إصابة آلاف السكان في تلك المنطقة بأمراض مزمنة مثل السرطان والتشوهات الخلقية وأمراض العيون والشلل، وأثرت بشكل كبير على البيئة والحياة البرية. تطالب الجزائر بالتعويضات والاعتراف بالأضرار التي نجمت عن هذه التجارب النووية، وتؤكد أهمية تحمل فرنسا مسؤولياتها في هذا السياق.
في 21 إبريل/نيسان 2021، قدم قائد الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة طلباً إلى رئيس أركان الجيوش الفرنسية الفريق أول فرانسوا لوكوانتر، يطلب فيه "توفير الخرائط الطبوغرافية للجزائر، لتمكيننا من تحديد المناطق التي دفنت فيها النفايات الملوثة، سواء كانت مشعة أو كيميائية والتي لم يتم اكتشافها حتى الآن".
في الفترة الأخيرة، جرت سلسلة من الزيارات بين كبار المسؤولين في الجزائر وفرنسا، وقد اعتبر وزير الخارجية الجزائري أن هذه الزيارات تأتي في سياق التحضير لزيارة الرئيس تبون إلى باريس. في هذا السياق، زارت الأمينة العامة للخارجية الفرنسية الجزائر، وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في زيارة إلى الجزائر في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تلتها زيارة للأمين العام لوزارة الخارجية الجزائري لوناس ماقرامان إلى باريس، وذلك على أمل التقدم في حلحلة الملفات العالقة وتحقيق تقدم في القضايا المعلقة.