إرادة الشعب في تونس

13 سبتمبر 2021
ليس لأحد بمن فيهم سعيّد أن يحتكر الإرادة الشعبية (Getty)
+ الخط -

لماذا يتكلم الجميع في تونس باسم الشعب وكأنهم الشعب، أو كأن القدرة الإلهية وكّلتهم ليكونوا ضمير الشعب، كأن ليس لهذا الشعب لسان يتكلم به وصندوق يعاقب به، أو كأنه صار أخرس يحتاج إلى من يتكلم باسمه؟ فهل يكفي أن يخرج عشرات، أو مئات، أو آلاف، في تظاهرة معك، حتى تعتبر أن كل الشعب معك وأنك أنت الشعب؟
كان الرئيس التونسي قيس سعيّد مساء السبت الماضي في شارع بورقيبة بين عدد من التونسيين الذين استقبلوه بحفاوة، كانوا على الأكثر بضع مئات، وكان يقول للكاميرا "انظروا إلى الشعب، جاء بكل بتلقائية، لم يطلب أحد منهم ذلك". قد يكون ذلك صحيحاً، ولكنهم ليسوا الشعب، كل الشعب، وليس لأحد، بمن فيهم سعيّد الذي انتخبه ثلاثة ملايين تونسي، أن يحتكر الإرادة الشعبية، لأنه لا يزال هناك تسعة ملايين آخرين من الشعب نفسه في مكان آخر. كتب الباحث سامي براهم نصاً جميلاً اعتبر فيه أنه "من أجل بضعة آلاف متفرّقين، خُلقت سرديّة نبض الشعب، ثمّ تحوّلت إلى تقوّل على إرادة الشعب وتسلّط عليها بإسقاط كل الرغبات الفرديّة السلطويّة على هذه الإرادة المغيّبة".

كان سعيّد يتحدث عن الدستور وعن نيّته تغيير بعض نصوصه، وكان في الشارع يتحدث عن الذين نكثوا إيمانهم، وكان يقول إنه على العهد ولن يتراجع ولن يتغير، فما أحوال اليمين الذي أقسم به على احترام الدستور؟ وهل أن تغيير الدستور نكث لليمين أم ماذا؟ يضيف سعيّد أن الشعب سئم الدساتير (كم عدد هذا الشعب مرة أخرى وكيف نتأكد من ذلك)، وهذا قد يكون أيضاً صحيحاً لأن الناس تريد أن ترى ثمار الدساتير لا نصوصها، ولكن سعيّد لم يكشف كيف سيعوّض هذا الملل من الدستور وهل أن دستوره الجديد أو المعدل سيكون أقل ضجراً من السابق.

المشكلة مساء السبت لم تكن الحديث عن الدستور، ولا عدد مؤيدي سعيّد من خصومه، ولا كثرة الشعب المؤيد وقلة الشعب المعارض، كان سعيّد يسير في شارع شهد مأساة جديدة في اليوم نفسه، كانت مثيلتها أطلقت منذ عشر سنوات في سيدي بوزيد ثورة في البلاد. تونسي يحرق نفسه أمام الجميع ويبدو أنه فارق الحياة في المستشفى. لم يقل الرئيس عنه أي كلمة بينما رائحة الحريق لا تزال تملأ الشارع، ربما لم يكن يعرف وهذه مشكلة، أما إذا كان يعرف فتلك مأساة كبيرة.