إدارة بايدن والعدوان الإسرائيلي على لبنان... ادعاء "النأي بالنفس"

25 سبتمبر 2024
بايدن ونتنياهو في البيت الأبيض، يوليو الماضي (أندرو هارنيك/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- زيارة بايدن للبنان وتطورات الوساطة الأمريكية: زار جو بايدن بيروت في 2009 وتعهد بدعم لبنان. منذ 2020، قاد المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين وساطة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ونجحت في أكتوبر 2022. بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023، ركزت الإدارة الأمريكية على ضبط المواجهات على الحدود اللبنانية.

- التصعيد الإسرائيلي والدعم الأمريكي: شهدت الأسابيع الماضية تصعيداً إسرائيلياً ضد حزب الله، بما في ذلك اغتيال قياديين. أعلنت إسرائيل عملية عسكرية شاملة ضد حزب الله بدعم أمريكي. تستعد الإدارة الأمريكية لإرسال قوات إضافية للشرق الأوسط لحماية الأمريكيين.

- التحديات الدبلوماسية والخلافات الداخلية: تواجه إدارة بايدن صعوبات في تحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. تتزايد الخلافات بين بايدن ونتنياهو، مما يعقد الأمور. تعبر الإدارة الأمريكية عن قلقها من حرب استنزاف طويلة وتأثيرها على التحالفات الإقليمية والانتخابات الأمريكية المقبلة.

عندما حطّ جو بايدن في مايو/ أيار 2009، في بيروت، حين كان نائباً للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بزيارة استمرت سبع ساعات، تعهد بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن لبنان، رغم محاولات التقارب حينها بينها وبين سورية وإيران. وبعدما غاب لبنان طويلاً عن أجندة البيت الأبيض وسط تركيز على الاستفادة من الخناق الاقتصادي للضغط على حزب الله، خصوصاً في عهد إدارة دونالد ترامب، انخرطت إدارة بايدن منذ العام 2020 في الملف اللبناني على نحو أوسع، عن طريق الوساطة التي قادها مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين على مدى نحو عامين لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذي تمّ في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 من دون أن يتمكن من تحقيق اختراق مماثل في الحدود البرية، فيما انتقل تركيز إدارة بايدن، بما في ذلك هوكشتاين، منذ هجوم 7 أكتوبر الماضي الذي  نفذته حركة حماس، وانخراط حزب الله في اليوم التالي بمعركة إسناد غزة، إلى التركيز على ضبط المواجهات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، من دون تحقيق ذلك، لا سيما مع النيّات الواضحة لحكومة بنيامين نتنياهو بشّن عدوان واسع.

تتوقع الإدارة الأميركية تصعيداً إسرائيلياً أكبر ضد حزب الله، بحسب الإعلام الإسرائيلي

وإذا كانت الأسابيع الماضية قد شهدت، على غرار  حرب غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تكراراً لمواقف أميركية، بما في ذلك لبايدن، تعبّر عن "القلق" من توسع الأعمال العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، والرغبة في الحلّ الدبلوماسي، إلا أنه في الواقع لم تبد واشنطن يوماً، حتى لمتابعين غربيين، غير شريكة في عدوان أصبح يأخذ أشكالاً جديدة، عسكرية وتكنولوجية، وعلى مساحات أوسع، ويبدو أنه سيطول. ويغيب التعويل على دور أميركي يلجم الاحتلال، حتى مع حديث مسؤول أميركي، أول من أمس، لوكالة رويترز عن أن واشنطن بصدد تقديم "أفكار ملموسة" لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، مجدداً معارضة واشنطن غزواً برياً إسرائيلياً يستهدف حزب الله لأسباب عدة لا ترتبط فقط بالتسريبات الإسرائيلية عن ضوء أخضر أميركي للعدوان على لبنان بل أيضاً لأن عاماً كاملاً من العدوان على غزة كان شاهداً على "الخداع الأميركي" والهوة الواسعة بين التصريحات وما يتسرب عن خلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو وبين ما يجري على الأرض من دعم كامل للاحتلال وتغطية لجرائمه ليس فقط سياسياً بل أيضاً عسكرياً.  

حرب أكثر شراسة

وبعد تبادل إطلاق النار منذ الثامن من أكتوبر الماضي والذي كانت حدته ترتفع وتخفت، شنّ الاحتلال منذ الأسبوع الماضي هجمات كبيرة على حزب الله، واغتال قياديين كبيرين له ونفذ هجوم "النداء القاتل"، المتعلق بأجهزة البيجر التي يستخدمها الحزب والتي انفجرت بين المدنيين وفي الأماكن العامة، يوم الثلاثاء الماضي، قبل أن تعلن الحكومة الإسرائيلية، أول من أمس الاثنين، بدء عملية عسكرية ضد الحزب، هي بمثابة حرب شاملة على لبنان، يبدو أن إدارة بايدن منحتها أخيراً "مباركتها"، وفق المحلّلين الإسرائيليين. لا بل تتوقع الإدارة الأميركية تصعيداً إسرائيلياً أكبر ضد حزب الله، بحسب إذاعة "كانت ريشت بيت"، أمس الثلاثاء، والتي نقلت عن مسؤولين إسرائيليين رسائل إلى مسؤولين أميركيين، مفادها أن "إسرائيل لديها القدرة على رفع مستوى" عملياتها. وتقدّر إدارة بايدن، وفق الإذاعة، أن حزب الله "لن ينزل عن الشجرة" في وقت قريب، وربما يوسع نطاق نيرانه، مفترضة أن إسرائيل سترد بطرق لم نشهدها حتى الآن.
وقبل الشروع في العدوان واسع النطاق على لبنان، والذي شمل أيضاً محاولة اغتيال مسؤول كبير في حزب الله هو علي كركي (أكد الحزب فشلها)، أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة بنيّاتها، بحسب ما نقلت قناة كان 11 الإسرائيلية، ليل الاثنين، عن مسؤول أمني إسرائيلي كبير. ووفقاً للمسؤول نفسه، فإنّ إدارة بايدن أعطت "مباركتها" للعملية، لأسباب من بينها إدراك الولايات المتحدة أنه من المستحيل الآن التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار على جبهة لبنان.

وفي مقابل هذه التسريبات الإسرائيلية، ذكرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، أنها سترسل قوات أميركية إضافية إلى منطقة الشرق الأوسط، مع تنامي التوترات. ولن يتخطى عدد أفراد هذه القوات الإضافية العشرات، وسيتوجهون إلى المنطقة للمساعدة في حماية آلاف الأميركيين فيها. وقال المتحدث باسم البنتاغون، المايجور جنرال باتريك أس رايدر، إنه "في ضوء ارتفاع حدة التوترات في الشرق الأوسط، وبسبب الحرص الكبير، سنرسل عدداً قليلاً من القوات الإضافية لزيادة عدد قواتنا الموجودة أصلاً هناك".

وسبقت ذلك اتصالات مكثفة بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ووزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، الأسبوع الماضي، وشدّد أوستن أكثر من مرة بحسب البيانات الرسمية على دعم الولايات المتحدة إسرائيل في حقّها في الدفاع عن نفسها، ولكن على "أهمية إيجاد حلّ دبلوماسي يسمح للسكّان في شمال إسرائيل وجنوب لبنان بالعودة إلى منازلهم بسرعة وبأمان، كما التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يعيد المحتجزين إلى ديارهم (المحتجزين لدى حركة حماس)". وقال بيان صادر عن البنتاغون مع ارتفاع التوترات بين حزب الله وإسرائيل، إن أوستن "أوضح (لغالانت) أن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بحماية القوات الأميركية ومصممة على منع أي أطراف إقليمية من استغلال الوضع أو توسعة الصراع"، في إشارة إلى إيران خصوصاً. ويوجد في المنطقة حوالي 40 ألف جندي أميركي، موزعين على قواعد في العراق وسورية ودول الخليج. كما توجد في المياه الإقليمية حاملة الطائرات أبراهام لينكولن، وتوجهت إليها حاملة ثانية هي هاري ترومان.

ومنذ بداية حرب غزة، أرسلت الولايات المتحدة حاملات طائرات إلى المنطقة وعزّزت قواتها، لكنها عادت لتخففها، ثم تزيدها مع كل خطر كان يلوح لتصعيد مرتبط بإيران أو حزب الله. وتكفلت أميركا وبريطانيا بمحاولة الردّ على هجمات جماعة الحوثيين في اليمن بالبحر الأحمر "دعماً لغزة" عبر توجيه ضربات لمواقع للجماعة، كما يعلن جيشا البلدين مراراً.

إدارة بايدن وتسريب "الخلافات"

وفي تحذيراتها العلنية، تردّد واشنطن أن حرباً أوسع في المنطقة لن تكون في مصلحة أحد، كما تعرب عن قلقها منذ بداية الحرب من خطر توسع الصراع إلى لبنان وتبدي رغبتها باعتماد المسار الدبلوماسي للحلّ، وقد أرسلت موفد بايدن آموس هوكشتاين مرّات عدة إلى تل أبيب وبيروت، حيث حمل إلى المسؤولين اللبنانيين مطلب إعادة قوات حزب الله إلى جنوب الليطاني، فيما تمسك الحزب بـ"إسناد غزة". وبين السطور، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية مرات عدة صعوبة التوصل إلى اتفاق بين دولة الاحتلال والحزب، ليس فقط بسبب حرب غزة، بل لأن حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة غير معنية بتقديم تنازلات، مثل ترسيم الحدود.

هذا الوضع يُشبه الحلقة المقفلة بالنسبة إلى إدارة بايدن. فهي من جهة، تريد إسرائيل "منتصرة" في الحرب، ومُظهرةً لتوفقها العسكري، وقادرة على التغلب على "خطر وجودي" بدا محدقاً بها وتلمّسته واشنطن بعد هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة. في المقابل، تدرك هذه الإدارة حجم المخاطر المتأتية عن حرب استنزاف طويلة، كان قد حذّر منها بايدن لدى زيارته تل أبيب بعد الهجوم، كما لا تريد الانخراط في حرب مدمرة في المنطقة قد لا تشهد "رابحاً واضحاً"، وتأتي في موسم انتخابي في الولايات المتحدة لا يحتمل فيه الديمقراطيون خسارة أصوات العرب والمسلمين والتقدميين بمواجهة دونالد ترامب.

ماثيو ميلر: المسألة تتعلق بشكل المنطقة التي تريد شعوبها العيش فيها

وتفسّر هذه الأسباب إظهار إدارة بايدن مع بداية العدوان على لبنان "النأي" بالنفس مجدداً عن الهجوم الإسرائيلي، ولو مع تلميحات ماكرة تؤكد "مباركته"، نظراً لاعتبارها أن جيش الاحتلال نجح في إحداث عددٍ من الصدمات لدى ما يسمى "محور المقاومة" (إيران وحلفائها)، قبل بدء الهجوم، ولو أن هذه الإدارة سعت أيضاً إلى تبرئة نفسها من هجوم "النداء القاتل"، والذي يعد غير مسبوق في تاريخ الحروب منذ عقود.

وتستخدم إدارة بايدن، في تعاملها مع الحرب على حزب الله، الأسلوب ذاته الذي انتهجته مع حرب غزة، ولو مع تسريبات تشي بإرسالها تحذيرات مسبقة أن بالإمكان تجنب توسعة الحرب إذا ما أبدى حزب الله مرونة، وهو أمر جاء متأخراً مع حرب غزة، حين قدّمت الإدارة الأميركية مبادرات رفضها نتنياهو أو حماس، علماً أن شروطها تميل لصالح الاحتلال. وتتحرّر إدارة بايدن، في حرب لبنان، من قضية "المحتجزين"، التي لطالما عبّر الرئيس الأميركي عن أن "تحريرهم" أولوية لديه، لكنها في المقابل تخشى حرباً "لا غالب ولا مغلوب فيها"، حتى لو استخدمت إسرائيل سياسة "العصر الحجري" مع لبنان.

رغم ذلك، فإن إدارة بايدن لم تخف، من منظور استراتيجي، أهمية الحربين بالنسبة إلى مشروعها في المنطقة، الذي يذهب أبعد من غزة ولبنان، إلى كيفية رسم شكل التحالفات والسياسات في المنطقة وأي شرق أوسط سيكون عليه الوضع بعد انتهاء الحرب. وبينما تردّد رغبتها في "حلّ دبلوماسي"، يقوم هذا الحلّ على الانصياع لشروطها وشروط إسرائيل، حيث ترى واشنطن أن حرب استنزاف طويلة قد تقوض تعزيز التحالفات في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، وكذلك التحالفات الاقتصادية في مواجهة الصين. وكان ماثيو ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، قد أكد الأسبوع الماضي، لدى سؤاله عن إمكانية وقف الولايات المتحدة تسليح دولة الاحتلال لوقف الحرب إذا كانت جادة، أن "السؤال هو لكل الدول في المنطقة، حول نوع المنطقة التي يريدون العيش فيها".

وفي موازاة الدعم المنقطع النظير، والتناغم في ضرورة القضاء على حماس، وتحجيم حزب الله، وردع إيران، تتواصل التسريبات المقصودة مع حرب لبنان، من واشنطن، بطريقة متشابهة لما يحصل مع عدوان غزة، عن خلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو، وهو ما تضعه وجهات نظر في إطار "تبادل الأدوار"، لعدم إحراج الديمقراطيين في موسم الانتخابات. وفي هذا السياق، قالت صحيفة نيويورك تايمز، أول من أمس، إن مساعدي بايدن أصبحوا يتحدثون علانية عن أن خطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً في المنطقة "لم يكن أكبر مما هو عليه الآن"، ويؤكدون أن الخلاف يتسع بين بايدن ونتنياهو بعد الهجوم على لبنان. وأشارت الصحيفة إلى أن مساعدي بايدن بدأوا يعترفون بأن الوقت ينفد أمامه للمساعدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. وأضافت الصحيفة أن الكثير من مساعدي بايدن لم يعودوا يخفون استياءهم من نتنياهو، ويتحدثون بصراحة أكبر عن الخلافات الشديدة التي دارت بينهما خلال مكالماتهما الهاتفية، أو الزيارات المحبطة التي قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن لإسرائيل والتي حصل فيها على ضمانات خاصة من نتنياهو، لكنه نقضها سريعاً، ويتساءلون الآن علناً عمّا إذا كان نتنياهو يستمر في وضع شروط جديدة لمنع وقف حرب غزة.

وفيما يقول مساعدو بايدن إنه "يحق لإسرائيل مهاجمة حزب الله الذي أصبح (دولة داخل دولة) في لبنان"، فإنهم يؤكدون أن عدم وجود تواصل بين بايدن ونتنياهو منذ تفجير أجهزة البيجر في لبنان بمثابة "إشارة إلى مدى قلة ما يمكن أن يقوله كل منهما للآخر".
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قوله إنه "ينبغي دفع إسرائيل وحزب الله إلى وقف دورة العنف وتجنّب حرب أوسع". وأضاف: "هناك طريق للتوصل إلى اتفاق، لكنه متعرج ومحبط ونستبعد أن يقبل الطرفان الآن أي مقترح"، وهو ما يزيد احتمالات طول الحرب على غرار حرب غزة قبل عام.

وكان سوليفان قد عبّر عن قلقه، السبت الماضي، حيال التصعيد بين إسرائيل ولبنان، لكنه قال إن اغتيال إسرائيل قيادياً كبيراً في حزب الله "يحقق العدالة بحق الحزب"، في إشارة إلى اغتيال إبراهيم عقيل المطلوب أميركياً. وبحسب الصحيفة، لا يستطيع سوليفان أن يتبنى وجهة نظر مغايرة، على الأقل علناً، مشيرة إلى أنه "لا فائدة من إعلان أن خطط بايدن قد فشلت في الوقت الحالي". ورأت الصحيفة أنه من الصعب تصور أن نتنياهو سيتمكن من القضاء على حزب الله، تماماً كما عجز عن القضاء على حماس. والأصعب من ذلك تصور أن نتنياهو سيكون قلقاً بشأن تجاوز بايدن، فهو يعرف أنه "إذا انتُخِب الرئيس السابق دونالد ترامب، فإنه ستكون لديه حرية أكبر في متابعة الحرب ضد حماس وحزب الله بالطريقة التي يراها مناسبة".

المساهمون