في تطورات لم يسبق أن شهدتها أي من أزمات تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وجه زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، نوابه الثلاثة والسبعين من البرلمان، بتقديم استقالاتهم رسمياً أول من أمس الأحد، وسحب الهيئة السياسية للتيار الصدري من بغداد، ووقف جميع أشكال المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، ليخرج عملياً من العملية السياسية في البلاد.
وجاءت الموافقة السريعة على استقالة النواب وما رافقها من إجراءات أخرى للتيار، لتشرع الأبواب أمام مزيد من التأزم في المشهد السياسي العراقي، وسط تباين التفسيرات بشأن التبعات الدستورية للخطوة وما سترسو عليه الأمور في الأيام المقبلة، مع الحديث عن جهود لإقناع الصدر بالعدول عن موقفه والعودة إلى المشهد السياسي وتصويب مقربين منه على طهران على اعتبار أن "ما وصلت إليه الأزمة هو نتيجة الضغط الإيراني المتواصل على الصدر".
في مقابل ذلك، برز أمس سريعاً، السيناريو الآخر وهو تعويض نواب الكتلة الصدرية بنواب آخرين من الذين حصلوا على أعلى عدد أصوات بعد النواب الصدريين في الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، (غالبيتهم ينتمون للإطار التنسيقي) على أن يتم بعد ذلك الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة يغيب عنها الصدر ويتحمل مسؤوليتها "الإطار".
وبالفعل، في أول تعليق لتحالف "الإطار التنسيقي" على التطورات، أكد التحالف الذي يضم عدداً من القوى والأحزاب الحليفة لطهران، في بيان له أمس الإثنين، مضيه بتشكيل الحكومة الجديدة بغض النظر عن قرار استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان.
وأصدر التحالف بياناً مقتضباً عقب اجتماع عقده في بغداد بمشاركة قيادات التحالف، أكد فيه أن "الإطار التنسيقي يؤكد استمراره بالخطوات اللازمة لمعالجة الأزمة السياسية والمضي في الحوارات مع القوى السياسية كافة لاستكمال الاستحقاقات الدستورية وتشكيل حكومة خدمة وطنية".
وأضاف أنه "كان يأمل أن يمضي مع جميع القوى السياسية لكنه يحترم قرار الكتلة الصدرية بالاستقالة من مجلس النواب"، متحدثاً عن "مواصلته العمل مع الجميع بما يضمن مشاركة واسعة ويحقق تطلعات وآمال شعبنا بالأمن والاستقرار والعيش الكريم ويعزز دور ومكانة العراق في المنطقة والعالم"، وفقاً لما جاء في البيان الذي وزع على الصحافيين عقب انتهاء الاجتماع.
ويعتبر البيان موقفاً رسمياً من التحالف يحمل رفضاً لدعوات إجراء انتخابات مبكرة وحل البرلمان.
لكن هذا الأمر، إذا حدث، لن ينهي الأزمة التي ستنتقل بعد ذلك، بحسب العديد من المراقبين، إلى الشارع الذي سيلجأ له أنصار الصدر، والذي يمكن أن يسهم ضغطه بإسقاط أي حكومة يتم الاتفاق عليها، فيما يبقى خيار حل البرلمان واللجوء إلى انتخابات مبكرة، أمرا واردا أيضاً.
وبعد أقل من ساعة واحدة من إعلان الصدر عن استقالة نوابه، وقّع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وهو حليف الصدر الرئيس في تحالف "إنقاذ وطن" (الذي يضم أيضاً الحزب الديمقراطي الكردستاني)، على طلبات استقالة النواب دفعة واحدة، في خطوة اعتبرت أنها تنسيق مسبق بين الطرفين.
وجاء ذلك قبل أن يعلن السفير العراقي في لندن والمرشح الوحيد لتشكيل الحكومة الجديدة، جعفر الصدر، انسحابه هو الآخر من هذه المهمة، قائلاً إنه وافق عليها بناءً على رغبة ابن عمه مقتدى الصدر، ضمن مشروع وطني يتبناه الأخير.
الحلبوسي: استقالة نواب الكتلة الصدرية نافذة وخيار حل البرلمان لم يطرح إلى الآن
وأكد الحلبوسي أمس الإثنين، من العاصمة الأردنية عمان، أن استقالة نواب الكتلة الصدرية نافذة وسيخلفهم مَن حل بعدهم في عدد الأصوات في الانتخابات. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني عبد الكريم الدغمي "تنتهي عضوية أي نائب من أعضاء مجلس النواب بشكل مباشر عند تقديم الاستقالة أو الوفاة أو المشاركة في عمل تنفيذي، وبالتالي فإن (استقالة أعضاء الكتلة الصدرية) لا تحتاج إلى تصويت" مجلس النواب.
وأوضح أن تصويت مجلس النواب على استقالة أعضاء منه "يقتصر على ثلاث حالات فقط: الأولى الطعن بصحة العضوية والثانية الإخلال الجسيم بقواعد السلوك الانتخابي والثالثة تجاوز النائب حد الغيابات المسموح به"، مشيراً إلى أن هذه الحالات لا تنطبق على الاستقالات.
وعن الخطوة اللاحقة، قال الحلبوسي "سنمضي بالإجراءات القانونية، وحسب قانون الانتخاب وآليات العمل الانتخابي، سيعوّض الخاسرون (الذين حصلوا على العدد) الأعلى (من الأصوات) في كل دائرة انتخابية عن السيدات والسادة من نواب الكتلة الصدرية الذين استقالوا للأسف".
وينص قانون الانتخابات العراقي على أنه، عند استقالة نائب، يتولّى منصب النائب المستقيل صاحب ثاني أكبر عدد من الأصوات في دائرته. وقال الحلبوسي "الخطوات المقبلة قد تمضي سريعاً".
وبيّن أن "هناك رؤى مختلفة، منها تبحث عن توافق سياسي، ومنها عن أغلبية ومعارضة، ولكن بعد استقالة الكتلة الصدرية ستمضي الأمور بشكل آخر". وأشار إلى أن "هناك تأثيرا سياسيا لاستقالة الكتلة الصدرية، ووجودها في العملية السياسية مهم".
وعن حل البرلمان والانتخابات المبكرة، لفت الحلبوسي إلى أن "هذا الخيار دستوري، لكن حتى الآن لم يُطرح"، مؤكداً "السعي إلى تشكيل حكومة تتحمل القوى السياسية مسؤولية مخرجاتها وأدائها، ويكون تقييمها أمام الشعب".
فشل بثني الصدر عن قرار استقالة نوابه
وسعى حلفاء الصدر من القوى العربية السنية ممثلة بتحالف "السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، لثني الصدر عن قراره الذي لوّح به منذ الخميس الماضي، عبر مبادرة قدمها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
إلا أن الجانب المتعلق بالاعتراف بحق الصدريين بتشكيل الحكومة بوصفهم الفائز الأول في الانتخابات، وعدم تنازل قوى "الإطار التنسيقي" عن شرط أن تتشكل الحكومة من خلال الكتلة الشيعية داخل البرلمان، وهو ما يعني دخول الصدر مع هذه القوى في تحالف واحد، أدى لرفض الصدر للمبادرة قبل ولادتها، وفقاً لما أكدته مصادر متطابقة في أربيل والنجف لـ"العربي الجديد".
قيادي في "التيار الصدري": أبواب الحنّانة أغلقت، ولم تبق لنا أي علاقة بالأزمة
الخلاف على شكل الحكومة العراقية
وفي المجمل، تتركز عقد الخلاف السياسي داخل البيت العربي الشيعي في العراق، ممثلاً بالتيار الصدري بزعامة الصدر، وتحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم عدداً من القوى الحليفة لإيران أبرزها "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"الفتح" بزعامة هادي العامري، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات رسمياً في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على شكل الحكومة المقبلة.
ويُصر الصدر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية تستند إلى نتائج الانتخابات، فيما ترفض قوى "الإطار التنسيقي" التي حلت متأخرة بنتائج الانتخابات، ذلك، وتصر على حكومة توافقية تشترك بها كل القوى السياسية بناءً على الأوزان الطائفية لكل مكوّن، وهو ما سارت عليه الحكومات السابقة السبع الماضية منذ عام 2004.
ويعني ذلك حصول السنة على 6 إلى 8 وزارات، والشيعة على 10 إلى 12 وزارة، فيما يحصل الأكراد على 4 وزارات، فضلاً عن وزارة واحدة لكل مكوّن من المكونات الدينية والعرقية الأخرى كالتركمان والمسيحيين والأيزيديين.
والعقدة الثانية هي إصرار "الإطار التنسيقي"، على بقاء تقليد تشكيل الحكومة محصوراً بالقوى الشيعية فقط، كحق للمكوّن الأكبر في العراق، وفقاً لتعبير قادة "الإطار" ومنهم نوري المالكي، الذي كان حذر من تشكيل حكومة من خارج هذا الإطار.
في المقابل، فإن الصدر يرفض الذهاب في تحالف مع "الإطار التنسيقي"، بوجود قوى داخله يحمّلها مسؤولية الفشل في إدارة البلاد في السنوات الماضية، وعلى رأسها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة "صادقون" المنبثقة عن مليشيا "عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي.
ويعتبر الصدر أن توحده مع هؤلاء في كتلة واحدة، يعني سحب امتيازه كفائز في الانتخابات، خاصة أن "الإطار التنسيقي" يطرح التصويت داخل "البيت السياسي الشيعي" على مرشح الحكومة وبرنامجها.
فشل وساطات حل الأزمة العراقية
وعلى مدار الأشهر السبعة الماضية التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات، شهدت البلاد عدة وساطات إيرانية قادها زعيم "فيلق القدس" إسماعيل قاآني، إلى جانب مسؤولين آخرين أبرزهم السفير الإيراني الأسبق في بغداد حسن دنائي فر، والسفير السابق إيرج مسجدي، فضلاً عن القيادي في "حزب الله" اللبناني محمد كوثراني. غير أن هذه الوساطات لم تتمكن من حلحلة الأزمة أو حتى التقريب بين طرفيها؛ التيار الصدري والإطار التنسيقي.
في المقابل، أطلقت قوى سياسية عراقية مبادرات عديدة وبصيغ وحلول مختلفة، لم يحالفها الحظ هي الأخرى، وبلغ عددها 11 مبادرة حتى أمس، كانت ثلاث منها للإطار التنسيقي، وثلاث أخرى للتيار الصدري، ومبادرة للنواب المستقلين، وأخرى لحركة "امتداد" المدنية، فضلاً عن مبادرتين للقوى السياسية السنية والكردية.
وأعقبت خطوة الصدر بشأن استقالة نواب كتلته في البرلمان، أول من أمس، قرارات أخرى تضمّنت إغلاق جميع مكاتب وفروع التيار الصدري، ووقف أنشطتها السياسية في عموم مدن البلاد، إضافة إلى حظر قيادات التيار والهيئة السياسية من الدخول بأي حوارات أو لقاءات سياسية.
في الأثناء، شهدت مناطق الشعلة شمال غربي بغداد، وضاحية الصدر شرقي العاصمة، تجمعات مؤيدة للصدر، تجاوز عدد المشاركين فيها مئات الأشخاص، وتواصلت حتى فجر أمس الاثنين. وسجلت مدينتا النجف والناصرية بجنوب البلاد وقفات مماثلة، كان عنوانها تأييد مواقف الصدر.
ترى بعض قوى "الإطار التنسيقي" أهمية في فتح حوار جديد مع الصدر والقبول بشروطه لتجنب مآلات سيئة للأزمة
الضغط الإيراني على الصدر
في السياق، قال قيادي بارز في "التيار الصدري" في حديث لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن "ما وصلت إليه الأزمة هو نتيجة الضغط الإيراني المتواصل على الصدر"، مضيفاً أن الأخير "يفضل عدم المشاركة في الحكومة على أن يكون شريكاً في حكومة فاشلة أخرى".
وتابع المتحدث نفسه أن "تفسيرات المحكمة الاتحادية التي تعرّضت لضغوط من أجل إخراج بدعة الثلث المعطل المستورد من الخارج، كانت العائق أمام ولادة حكومة أغلبية وطنية عابرة للهويات كان من الممكن أن تكون بداية تغيير في العراق ولو جزئيا أو بسيطا".
وحول الخطوة التالية للصدر، قال المصدر "أبواب الحنّانة (المدينة القديمة بالنجف حيث منزل الصدر) أغلقت، ولم تبق هناك أي علاقة لنا بالأزمة، ويمكن للإطار التنسيقي تشكيل الحكومة، وحلفاء التيار الصدري يمكنهم الذهاب مع أي طرف في تشكيل الحكومة"، في إشارة إلى تحالف "السيادة" والحزب الديمقراطي الكردستاني.
تباين داخل "الإطار التنسيقي" بشأن التعامل مع الأزمة
وفي الوقت الذي كانت تستعد فيه قوى "الإطار التنسيقي" أمس للخروج بموقف موحد إزاء التطورات السياسية الجديدة، وهو ما تم مساء أمس، أكدت مصادر مقربة من داخل "الإطار"، وجود تباين في مواقف مكوناته حيال كيفية التعامل مع الأزمة.
وترى بعض قوى "الإطار التنسيقي"، ومنهم حيدر العبادي وعمار الحكيم وفالح الفياض، أهمية في فتح حوار جديد مع الصدر والقبول بشروطه لتجنب مآلات سيئة للأزمة.
في المقابل، يرى فريق آخر إمكانية تشكيل الحكومة الجديدة بمعزل عن "التيار الصدري"، وهو ما يحذر منه طرف آخر، لكون حكومة كهذه لن تكون مستقرة وبإمكان الصدر تحريك الشارع وإسقاطها في غضون أقل من سنة، لا سيما مع وجود نقمة شعبية واسعة في الجنوب من استمرار أزمة الكهرباء وشح المياه وتفاقم الفقر والبطالة.
من جهته، أبلغ عضو في "الإطار التنسيقي" في بغداد، "العربي الجديد"، أن التحالف "يعتمد مبدأ القرارات الداخلية بالتصويت وفق الأغلبية"، مشيراً إلى "اجتماع مرتقب لبحث إصدار موقف من الأزمة". لكن المصدر اعتبر أن بقاء مصطفى الكاظمي في منصبه كرئيس حكومة تصريف أعمال وارد جداً على الأقل خلال الأشهر المقبلة.
وقال المتحدث باسم تحالف "الفتح" أحمد الأسدي، في مؤتمر صحافي في بغداد، أمس إن "استقالة الكتلة الصدرية ستكون لها تداعيات على مجمل العملية السياسية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هذه الاستقالة قد تكون مبادرة لحل الأزمة وهناك انعكاسات لها".
الموسوي: حل البرلمان بات أقرب من أي وقت آخر الآن
استقالة نواب التيار الصدري "مجرد بداية"
بدوره، قال السياسي المقرب من "التيار الصدري"، مناف الموسوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن استقالة نواب "التيار الصدري" من البرلمان، "مجرد بداية"، مشيراً إلى أن هناك "تبعات كثيرة لهذا القرار، ودلالته للخارج كبيرة. فهذا الانسحاب كشف خلل العملية السياسية وكيف تدار، وما الذي يكون في حال رفض بعض القوى الإملاءات عليها من الخارج"، في إشارة إلى الضغوط الإيرانية على الصدر.
وحول السيناريوهات المتوقعة في الأيام المقبلة، رأى الموسوي أن "حل البرلمان بات أقرب من أي وقت آخر الآن، وقد نرى حكومة جديدة، لكنها ستكون ضعيفة، ولن تصمد أكثر من سنة بغياب الصدريين عنها"، مضيفاً أن "التظاهرات ستكون بحكم الواقع حاضرة في الأزمة".
وأشار إلى أن "المشهد بالمجمل وصل لمرحلة معقدة بسبب تمسّك أطراف سياسية بورقة المحاصصة التي باتت خيمة للسلاح المنفلت والفساد المالي والإداري، ونهب جيوب العراقيين، والتستر على الفساد بمختلف أشكاله، وخرق القانون وتقوية قوى اللادولة، وهو ما يراه الصدر مُهدداً للدولة العراقية ووجودها ويرفض أن يكون جزءاً منه".
جهود لإعادة التيار الصدري للمشهد السياسي
من جهته، قال العضو البارز في تحالف "السيادة"، حسن الجبوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العراق اليوم إما أمام حل البرلمان والاتفاق على انتخابات مبكرة، أو تشكيل حكومة جديدة من خلال تحالفات سياسية جديدة كلياً، لكن هذا الأمر غير مطروح حالياً بشكل رسمي".
وأوضح الجبوري أن "أطراف تحالف إنقاذ وطن، لم يتخذوا أي موقف رسمي بعد، بشأن التطورات الجديدة، لكن هناك عدم رغبة بتشكيل أي حكومة من دون مشاركة الصدر فيها أو دعمه لها، حتى تكون حكومة ناجحة".
وأضاف أن "التيار الصدري جزء أساسي ومهم في العملية السياسية في العراق، وانسحابه من هذه العملية سيؤثر عليها من مختلف الجوانب، كما أن الجهود لإعادة التيار الصدري للمشهد السياسي متواصلة ومن أطراف سياسية عدة، لضمان استقرار العملية السياسية في البلاد".
من جانبه، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "سيعملون على إعادة الصدر للمشهد السياسي وإقناعه بالعدول عن الانسحاب"، معتبراً أن "هذا ممكن في ظل تاريخ سابق للصدر بالتراجع عن قراراته".
لكنه أشار إلى أن "الخيار الآخر هو تفاهم الإطار التنسيقي مع القوى السنية والكردية لتشكيل الحكومة الجديدة"، مؤكداً "رفض بقاء الأوضاع معلقة". وقال "كل شيء سيكون واردا في المرحلة المقبلة في ظل التطورات الأخيرة، بما في ذلك حل البرلمان، على الرغم من أن هذا الأمر لم يطرح بشكل رسمي حتى الآن".
الجبوري: هناك عدم رغبة في تحالف "إنقاذ وطن" بتشكيل أي حكومة من دون مشاركة الصدر فيها
القراءة القانونية لاستقالة نواب الصدر
قانونياً، اعتبر الخبير الدستوري سالم حواس، في حديث مع "العربي الجديد"، استقالة نواب الكتلة الصدرية "قانونية، وموافقة رئيس البرلمان عليها سليمة، ولا تحتاج إلى تصويت البرلمان عليها"، مضيفاً "لكن فقط منصب حاكم الزاملي (النائب الأول لرئيس البرلمان) يحتاج إلى تصويت النواب، فهو جاء بالتصويت والاستقالة تتم بالتصويت عليها".
وأوضح أن "التراجع عن الاستقالات ممكن جداً، إذا لم يتخذ مجلس النواب الإجراءات القانونية التالية لموافقة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي عليها، خصوصاً أن هذا الأمر حصل سابقاً مع النائب ليث الدليمي (عن حزب تقدم) عندما قدم استقالته (في مايو/أيار الماضي) وتمت الموافقة عليها ثم سحبها. فهذا الأمر خاضع للتوافقات السياسية وليس للإجراءات القانونية".
وأكد حواس أن "استقالة نواب التيار الصدري لن تؤثر على عمل البرلمان، فهم لا يشكلون نصف عدد مقاعد المجلس"، مشيراً إلى أنه "يتم استبدال النواب المستقيلين بالمرشحين الخاسرين الحاصلين على أعلى الأصوات ضمن الدوائر الانتخابية التي قدم فيها النواب الصدريون الاستقالة". وتابع أن "البدلاء لن يكونوا من كتلة معينة، بل يعتمد الأمر على المرشح الحاصل على أعلى الأصوات بعد النائب الفائز".
وفي السياق ذاته، وحول بدلاء نواب التيار الصدري في البرلمان، أكد مصدر من داخل مفوضية الانتخابات، أنهم سيكونون من الدائرة الانتخابية نفسها وهم الحاصلون على أعلى عدد أصوات. وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن البدلاء في الأغلب سيكونون عن قوى شيعية أخرى، كون التنافس كان داخل المحافظات الجنوبية والوسطى.
ورجح المصدر أن يحصل تحالف "دولة القانون" على 7 نواب، وتحالف "الفتح" على 14 نائباً، و"حركة حقوق" (الجناح السياسي لمليشيا كتائب حزب الله) على ما بين 4 إلى 5 مقاعد، و"حركة عطاء" بزعامة فالح الفياض على 4 مقاعد، وتحالف "قوى الدولة" بزعامة عمار الحكيم على 8 مقاعد، فضلاً عن مقاعد أخرى لنواب مستقلّين ومدنيين وكتل أخرى.
من جهته، اعتبر الناشط السياسي أحمد حقي، أن "ذهاب مقاعد التيار الصدري لأبرز خصومه، قد يكون سبباً كافياً لعدم تسليم الصدر بالهزيمة، وترك الحكومة والبرلمان نهائياً".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الصعب جداً التكهن بأي نتيجة، وما يحصل الآن في العراق مشهد مختلف، سببه وجود رفض لآلية تشكيل الحكومات المتعاقبة في البلاد والتي كانت سبب استمرار العملية السياسية ككل".
حواس: التراجع عن الاستقالات ممكن جداً، إذا لم يتخذ مجلس النواب الإجراءات القانونية التالية لموافقة الحلبوسي عليها
مخاوف من انتقال الأزمة العراقية إلى الشارع
إلى ذلك، قال رئيس "مركز التفكير السياسي" في بغداد، إحسان الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "انسحاب الصدريين من البرلمان، يجعل العملية السياسية برمتها على حافة الخطر، خصوصاً مع وجود إمكانية اندلاع تظاهرات شعبية، وهذا الأمر وارد جداً في الأيام المقبلة. كما أن جمهور التيار الصدري لن يتقبل هزيمة أو كسر الصدر سياسياً، وهذا الأمر سيجعل الجمهور الصدري بمواجهة حلفاء إيران".
وأوضح الشمري أن "احتمال انطلاق مبادرات سياسية جديدة لإنهاء الأزمة السياسية والعمل على عودة الصدر وارد أيضاً، كما أن الإطار التنسيقي سيبدي مرونة مع أي مبادرة جديدة، فهو يدرك جيداً أنه ليس من مصلحته مواجهة الجمهور الصدري الغاضب".
ولفت إلى أن "التوجه نحو حل البرلمان والذهاب لانتخابات برلمانية جديدة وارد كذلك، لكن خطوات كهذه نعتقد أنها ليست حلاً حقيقياً، والحل للأزمة يكون بالذهاب نحو الاتفاق على عقد سياسي جديد عبر مرحلة انتقالية من تغيير الدستور وتغيير أسس النظام السياسي، وهذا ما تدفع به أطراف سياسية حالياً".