إحاطة باتيلي المتشائمة

27 أكتوبر 2022
باتيلي خلال مؤتمر صحافي في داكار، 2007 (Getty)
+ الخط -

قدّم المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتيلي، الإثنين الماضي، أول إحاطة له أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، منذ تسلمه هذا المنصب، كدليلٍ واضح على بدء عمله في الملف الليبي، لكن نبرة التشاؤم بدت عالية في أسطرها. 

منذ لحظة وصوله إلى العاصمة الليبية طرابلس، منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أكد باتيلي أن أولوية عمله في ليبيا هي "تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين"، قبل أن يشرع في سلسلة لقاءات مع قادة كافة الأطراف الليبية، لخّص نتائجها في أول إحاطة له.

وقال باتيلي أمام مجلس الأمن، إن "الجمود السياسي متواصل، من دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده"، وإن جهود الأطراف الليبية لصياغة قاعدة دستورية للانتخابات لا تصب في سبيل ذلك، "ما يزيد من تأخير احتمالات إجراء الانتخابات لإنهاء المرحلة الانتقالية واستعادة شرعية المؤسسات". 

وبدت كلمات مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن تحمل في طياتها دفعاً للمبعوث الجديد، فأثنت بعضها على جهوده، وأخرى اعتبرت فترة تسلمه لإدارة البعثة "فرصة لإحياء العملية السياسية" في ليبيا، وأغلبها حدّدت الحل في توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية. 

من المؤكد أن الأسبوعين الماضيين من بدء عمل باتيلي لا يبدوان كافيين لتقييم عمله، واستشراف ما يمكن أن يفكّر به، وما إذا كان ينوي طرح مبادرة أممية يجمع حولها الأطراف المحلية والدولية. لكن نبرة التشاؤم التي خيّمت على إحاطته جعلت المراقبين يقرأون الحراكات الليبية الأخيرة، ومنها لقاء رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، كمؤشر على ضعف عمل المبعوث الجديد، وأن صالح والمشري، أهم فاعلين في مشهد أزمة البلاد، وجدا في ضعفه فرصة لعودتهما للنشاط السياسي، لرسم معالم طريق جديدة تُمكّنهما من تدوير المشهد للبقاء أكثر. 

وتذهب ملامح عمل باتيلي، كما يبدو، لتأكيد تقييم عمله الضعيف حتى الآن، ومنها اتجاهه إلى إحياء المسار العسكري، خصوصاً أن البلاد تجاوزت مرحلة الحروب، وبات اتفاق وقف إطلاق النار واقعاً ملموساً.

فدعوة باتيلي لجنة 5 + 5 العسكرية للاجتماع مجدداً، ولقاؤه قادة السلاح في الغرب والشرق، ومنهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يأتيان على حساب الملف الأهم، وهو الملف السياسي، خصوصاً أن هذا الملف وصل إلى محطة الانتخابات، الهامة والمفصلية لإنهاء المراحل الانتقالية، وربما إقصاء كل الطبقة السياسية المرتبطة بأزمة البلاد. 

قراءة باتيلي واقع الأزمة الليبية واعتباره جموداً متواصلاً "دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده"، قراءة سابقة لأوانها. فلا يزال أمام المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا الكثير، لتقييم الوضع: فهناك أطراف إقليمية مختلفة منخرطة في الصراع، خصوصاً أنقرة من جانب والقاهرة وعواصم أوروبية من جانب آخر، لا سيما على خلفية اتفاق الاستثمار النفطي الموقع (مع أنقرة) في طرابلس أخيراً، وهناك أزمة دولية، عنوانها الحرب الروسية على أوكرانيا، بعض خيوطها ممتدة إلى الملف الليبي، وغيرها من الملفات التي لم يشرع باتيلي بعد في ولوج تفاصيلها ليُصدر تقييماً يمكنه من القول إن آفاق الحل واضحة، أو غير ذلك. 

المساهمون