على الرغم من تكرار زيارات رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى روسيا منذ الثورة على نظامه في 2011، إلا أن الزيارة التي بدأها أول من أمس الثلاثاء إلى موسكو اتخذت طابعاً مختلفاً، بعد حرص روسيا على تنظيم زيارة دولة رسمية، وهو ما ظهر بالإعلان المسبق عن الزيارة والالتزام ببروتوكول استقبال رؤساء الدول على عكس المرات السابقة.
وتطرح الزيارة والتفاصيل المحيطة بها تساؤلات حول الهدف الروسي منها، لا سيما أنها تأتي متزامنة مع عدد من الأحداث، أولها الذكرى الـ12 للثورة السورية. ويضاف إلى ذلك محاولات دول إقليمية وعربية إعادة تأهيل الأسد وتسارع وتيرة التطبيع معه.
كما أن موعد الزيارة جاء متزامناً مع لقاء مفترض على مستوى نواب وزراء الخارجية في كل من: تركيا، إيران، روسيا، والنظام السوري يومي أمس الأربعاء واليوم الخميس، ولكن وسائل إعلام تابعة للنظام السوري نقلت عن مصادر أن هذه الاجتماعات لن تعقد في المواعيد التي حددتها أنقرة.
ووصل الأسد مساء الثلاثاء إلى موسكو، وكان في استقباله "ميخائيل بوغدانوف ممثلاً خاصاً للرئيس بوتين، وألكسندر يفيموف سفير روسيا في دمشق، وبشار الجعفري سفير سورية في موسكو"، وفق بيان لرئاسة النظام السوري.
لقاء بين الأسد وبوتين
والتقى الأسد أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفيما نقلت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري "سانا" عن بوتين قوله للأسد في مستهل المحادثات: "سعيد برؤيتكم في موسكو وأشكركم على تلبية هذه الدعوة ونشهد تطوراً كبيراً في العلاقات بين بلدينا"، لفت الأسد إلى أن اللقاءات بين مسؤولي البلدين لا تنقطع "ولكن التغيرات الدولية خلال العام الماضي تتطلّب منا أن نلتقي لوضع تصورات مشتركة لهذه المرحلة".
كما زار الأسد ضريح الجندي المجهول في موسكو حيث جرت له مراسم استقبال تضمنت استعراض حرس الشرف، بينما كانت الأوركسترا الرسمية تعزف لحن الجندي المجهول والنشيد الوطني السوري.
وكانت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام قد ذكرت أمس قبل اللقاء أن الأسد سيجري مع بوتين "مباحثات موسعة تحضر فيها ملفات تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية، والتعاون الاقتصادي بين البلدين، وكذلك تطورات المنطقة والإقليم وملف الاجتماعات المعنية في بناء الحوار بين دمشق وأنقرة".
وقالت الصحيفة إن وزيري الخارجية فيصل المقداد والدفاع علي عباس في حكومة النظام يجريان مباحثات منفصلة مع نظيريهما سيرغي لافروف وسيرغي شويغو. وذكر بيان للكرملين أن الزعيمين سيبحثان التعاون في مجالات السياسة والتجارة والإغاثة "بالإضافة إلى آفاق تسوية شاملة للوضع في سورية ومحيطها".
وهذه أول زيارة يتم الإعلان عنها بشكل رسمي للأسد إلى موسكو منذ اندلاع الثورة على نظامه عام 2011، ولكنه سبق أن قام بزيارتي عمل عامي 2018 و2021، أُعلن عنهما بعد عودة الأسد إلى دمشق. كذلك زار موسكو في 2015 أيضاً.
حراك لتعويم النظام السوري
وتأتي زيارة الأسد في خضم حراك سياسي عربي وإقليمي تلا الزلزال الذي ضرب الشمال الغربي من سورية في الشهر الماضي، يبدو أن هدفه إعادة تعويم النظام السوري المعزول دولياً منذ أكثر من عشر سنوات.
وكان من المقرر أن تتزامن الزيارة مع بدء اجتماعات رباعية على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا، إيران، روسيا، والنظام السوري يومي الأربعاء والخميس بهدف تهيئة الأجواء السياسية أمام اجتماعات على مستوى أعلى لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة بدفع كبير من موسكو.
ولكن وسائل إعلام تابعة للنظام نقلت عن مصادر "متابعة" في دمشق أن هذه الاجتماعات لن تعقد في المواعيد التي حددتها أنقرة، مشيرة إلى أن "الاتصالات والمشاورات ما تزال مستمرة"، لعقد هذا الاجتماع. وأكدت أن "موقف دمشق على حاله لجهة حصولها على ضمانات من الجانب التركي بإعلان جدول انسحاب من الأراضي السورية ووقف الدعم المقدم للمجموعات الإرهابية".
سالم: اتفاق موسكو وطهران يضيّق هامش المناورة أمام النظام
ولفتت المصادر إلى أن "دمشق لا تبدو في وارد التراجع عن موقفها لجهة حصولها على الضمانات اللازمة لإحداث أي خرق سياسي بينها وبين أنقرة" والتي "تبدو بدورها مستعجلة جداً لحصول هذا الاجتماع المرتبط بعناوينها الانتخابية، وعليه يمكن فهم إصرار الإعلام التركي على تسريب مواعيد محددة لانعقاد الاجتماع الرباعي"، وفق صحيفة "الوطن".
تليين موقف النظام حيال الاجتماعات الرباعية
ويُعتقد أن الجانب الروسي سيعمل على تليين موقف النظام حيال الاجتماعات الرباعية خلال زيارة الأسد لموسكو، خصوصاً أن الجانب التركي كما يبدو حريص على تحقيق التقارب مع دمشق قبيل الانتخابات العامة في تركيا في مايو/ أيار المقبل.
ويبدو أن الأسد وقّت زيارته إلى موسكو مع الذكرى 12 لانطلاق الثورة ضده في رسالة واضحة للشارع السوري المعارض أنه ما يزال في السلطة بعد مرور كل هذه السنوات. وخرج آلاف السوريين أمس الأربعاء في تظاهرة أمس في إدلب بذكرى الثورة في رسالة واضحة أن "الثورة مستمرة حتى إسقاط النظام".
ويرى مراقبون أن الجانب الروسي يتحكم بأهم مفاصل القرار في سورية منذ عام 2015 حين تدخّل عسكرياً للحيلولة دون سقوط النظام الذي تؤكد المعطيات السياسية أنه لم يعد سوى واجهة سياسية لضمان المصالح الروسية والإيرانية في سورية.
ولكن مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري للدراسات محمد سالم رأى في حديث مع "العربي الجديد" أن "لدى النظام السوري هامش مناورة بعيداً عن موسكو مع وجود الدعم الإيراني له"، مضيفاً: "أما إذا اتفق الروس والإيرانيون يصبح هامش المناورة له شبه معدوم".
من جهته، لفت المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "موسكو التزمت بالبروتوكول الرسمي وفق أفضل تقليد روسي"، في استقبال الأسد هذه المرة. وتابع: الكرملين كان حريصاً هذه المرة على تنظيم الزيارة بشكل يؤكد فيه أن الضيف "رئيس دولة تتمتع بسيادة".
ورأى عبد الواحد أن "طريقة استقبال الأسد توحي وكأن موسكو بصدد الإعلان عن مفاجأة سياسية، من قبيل تنظيم لقاء بين الأسد والرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) خلال وقت قصير، خصوصاً أن وصول الأسد يتزامن مع محادثات مكثفة تجريها روسيا مع أنقرة وكل من طهران ودمشق بشأن اللقاء الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية".
طه عبد الواحد: موسكو التزمت بالبروتوكول الرسمي وفق أفضل تقليد روسي في استقبال الأسد هذه المرة
وأشار عبد الواحد إلى أن "طريقة استقبال الأسد في موسكو ربما هي محاولة لامتصاص استياء صامت من طريقة استقباله وكيفية تنظيم زياراته السابقة"، مضيفاً: "موسكو أرادت كسب ود السوريين المؤيدين للأسد لتعزيز موقف روسيا لدى هؤلاء ونظرتهم الإيجابية لها".
تعزيز موقف الأسد عربياً
وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده بأن "تنظيم استقبال مميز للأسد تهدف موسكو من خلاله إلى تعزيز موقفه لدى القادة العرب الذين تأمل موسكو منهم تطبيع العلاقات مع معه"، مضيفاً: "موسكو حريصة على أن تُظهره بموقع "الزعيم المحترم" الذي يحظى باستقبال وكأنه زعيم دولة كبرى".
وتابع: بكل تأكيد الزيارة ستشهد "ضبط ساعات"، خصوصاً لجهة ما يجب على الأسد فعله في موضوع التطبيع مع تركيا. ورأى أنه "سيدور حديث عن التسوية السورية"، مضيفاً: أعتقد سنسمع أن الخطط القديمة لهذه التسوية لم تعد مناسبة بعد أن تغيّرت الحقائق والواقع على الأرض.