أوكرانيا... خطوة أولى لتأمين مظلة حماية أوروبية

23 يونيو 2022
زيلينسكي والقادة الأوروبيون في كييف، الأسبوع الماضي (بافلو باغموت/Getty)
+ الخط -

زيارة أربعة مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى إلى العاصمة الأوكرانية كييف الأسبوع الماضي رسالة ذات دلالات سياسية وعسكرية، أكدت على أن أوكرانيا بلد أوروبي، وحربها شأن أوروبي.

ويمكن التعامل مع ذلك عسكرياً من زاوية نتيجة الحرب، التي تعني أوروبا أكثر من غيرها، سواء تعلق الأمر بنتائج النصر أو الهزيمة. وأراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي رافقه كل من المستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، والرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، أن يوجه هذه الرسالة بوصفه الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي (تدوم الرئاسة الدورية 6 أشهر لكل بلد عضو في الاتحاد)، قبل أن تنتقل الرئاسة إلى تشيكيا في 1 يوليو/تموز المقبل، لا سيما أنه كان قد وضع سقفاً عالياً جداً للرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي.

وقال في مطلع العام الحالي، حين تسلمت باريس الرئاسة إنه ينبغي "جعل أوروبا مجدداً قوية في العالم وتتمتع بسيادة كاملة، وحرة في خياراتها وتتحكم بمصيرها".

ونظراً لأهمية الزيارة، ربطت وسائل إعلام فرنسية بينها وبين زيارتين تاريخيتين لرئيسين فرنسيين سابقين. الأولى هي زيارة فرانسوا ميتران إلى سراييفو المحاصرة في 28 يونيو/حزيران 1992.

والثانية هي تلك التي قام بها نيكولا ساركوزي إلى العاصمة الليبية في 15 سبتمبر/أيلول 2011، قبل شهر من مقتل العقيد معمر القذافي في 20 أكتوبر/تشرين الأول وسقوط نظامه. وشكلت زيارة ميتران منعطفاً حقيقياً شهدته الحرب البوسنية (1992 ـ 1995)، إذ ومنذ عودته إلى العاصمة باريس سيطرت قوات الأمم المتحدة، بموجب القرار الأممي 757، على مطار مدينة سراييفو الذي كان تحت سيطرة الصربيين، ووصلت للمطار المؤن والمساعدات الإنسانية والأدوية.

وكان ميتران قد صرح: "إن ذهابي إلى سراييفو له طابع إنساني بحت بالدرجة الأولى. هذه المدينة محاصرة ومغلقة على ذاتها ومقطوعة عن بقية العالم، وهذا أمر لا يمكن القبول به أبداً".

أما زيارة ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون لطرابلس، في أول زيارة رسمية لهما إلى ليبيا، التي شهدت عمليات عسكرية لحلف شمال الأطلسي، بين 19 مارس/آذار 2011 و31 أكتوبر/تشرين الأول من العام عينه، ساهمت في الإطاحة بالنظام الليبي السابق، ووصول المعارضة الليبية إلى السلطة.

حماية أوروبية لأوكرانيا

الإعلام الفرنسي الذي رافق ماكرون ربط بين الزيارات الثلاث، على الرغم من اختلاف الأمكنة والأزمنة والأحداث. ووصف الزيارة الأخيرة بـ"التاريخية"، كونها الأولى التي يقوم بها ماكرون إلى العاصمة الأوكرانية، منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي.

وكان لافتاً أن الرئيس الفرنسي تحدث باسمه، ونيابة عن القادة الأوروبيين الثلاثة الذين شاركوه الرحلة، وبوصف بلاده الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي.

ولخص النتائج بقوله: "اتفقنا على إجراءات تؤكد لأوكرانيا أنها جزء من العائلة الأوروبية"، موضحاً أن "أوكرانيا هي من تقرر شروط أي سلام، ولن نطلب مطلقاً منها أن تقدم تنازلات لروسيا".

وذهب ماكرون أبعد حين تعهد بأنه "يمكن لأوكرانيا الاعتماد علينا، ومستقبل أوروبا يعتمد على ما يجري في أوكرانيا". وأضاف أن "فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا تدعم منح أوكرانيا فوراً وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي".

وينطبق الأمر نفسه أيضاً بالنسبة لجمهورية مولدوفا، الجارة الصغيرة لأوكرانيا، والتي تتعرض لتهديدات روسية، وتعيش مخاوف جدية من أن تلقى مصير الشرق الأوكراني، حين تنهي القوات الروسية قضم هذه المنطقة.

تصريحات ماكرون حملت رسائل صريحة وواضحة لكل من الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين. بالنسبة للأول كانت العبارة المفتاحية هي "بوسع أوكرانيا أن تعول علينا".

وهذا يعني دعم أوكرانيا وتمكينها من الصمود بوجه الغزو الروسي، واستعادة الأراضي التي خسرتها، بل أن "أوكرانيا يجب أن تكون قادرة على المقاومة والفوز".

وكشف سيد الإليزيه أن فرنسا زودت أوكرانيا بـ 12 بطارية مدفعية بعيدة المدى وستصل 6 أخرى، وهذا ما طلبه زيلينسكي. ولكن عندما وجهت مندوبة القناة الفرنسية الأولى سؤالاً لماكرون حول تأييده هزيمة روسيا؟ اكتفى بالإجابة أنه يأمل بأن تتمكن أوكرانيا من استعادة أراضيها. وتعهد بالوقوف إلى جانبها بكل الإمكانات من أجل توثيق جرائم الحرب.


شبّه الإعلام الفرنسي زيارة ماكرون بزيارتين لميتران إلى سراييفو وساركوزي إلى طرابلس

وهذا ما يفسر زيارة المسؤولين الأوروبيين إلى مدينة إربين، في ضواحي كييف، التي ارتكبت فيها القوات الروسية جرائم حرب. وتعهّد ماكرون الذي وصف هذه الأعمال بـ"البربرية"، بتوفير خبراء وقضاة فرنسيين من أجل بناء ملف حول الجرائم ورفعه إلى المحاكم الدولية المختصة.

وفي نهاية هذه الزيارة القصيرة أشاد الرئيس الفرنسي بـ "بطولة" الأوكرانيين، قائلاً: "لقد رأينا جميعاً هذه الصور لمدينة مدمرة، وهي مدينة بطولية حيث أوقف الأوكرانيون هنا، من بين أماكن أخرى، الجيش الروسي الذي كان ينحدر إلى كييف. هذه بطولة للجيش، وللمدنيين الأوكرانيين".

ويدرك ماكرون أن ثمن هزيمة روسيا وانتصار أوكرانيا يختلف عن ثمن صدّ العدوان الروسي وتمكين أوكرانيا من استعادة أراضيها. الخيار الأول يتطلب انخراطاً مباشراً في الحرب إلى جانب أوكرانيا.

وهذه خطوة لا يستطيع ماكرون أن يقررها لوحده، بل تحتاج إلى موقف واحد من دول حلف شمال الأطلسي، تبادر إليه الولايات المتحدة قبل الآخرين.

وهذا أمر لا يبدو مطروحاً في الوقت الحاضر، بل لا تزال الكفة تميل إلى الخيار الثاني، وهو تمكين أوكرانيا من الصمود في وجه الحرب التي تستخدم فيها روسيا ربع قواتها، بحسب تقديرات خبراء فرنسيين. وهناك تفوق روسي في العدد، عندما يتعلق الأمر بالمدفعية وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة وأنظمة الدفاع.

أما بالنسبة لرسائل ماكرون إلى الرئيس الروسي، فتتلخّص أولاً، على الرغم من زيارته كييف، بتسجيل موقف لا يغضب نظيره في الكرملين. ثانياً، لا يريد ماكرون خسارة بوتين الحرب وتعرّض روسيا للإذلال، ولا يرغب له أيضاً أن يربح الحرب لئلا تشعر الأطراف الدولية التي وقفت إلى جانب أوكرانيا بالإحراج.

ثالثاً، يضع ماكرون كل ثقله من أجل وقف الحرب والدخول في مفاوضات. والمعادلة التي تحكم فرنسا تتلخّص في أن مسؤوليتها تفرض عليها مساعدة أوكرانيا، والإبقاء على طريق الدبلوماسية مع روسيا سالكاً.

الرسالة الأساسية هي أن فرنسا وألمانيا وإيطاليا ورومانيا تؤيد منح أوكرانيا "بشكل فوري" الوضع الرسمي كمرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة لماكرون هذه رسالة إلى روسيا، ولولا الحرب لما تلقت أوكرانيا هذه المعاملة التفضيلية.

وقال: "نحن الأربعة نؤيد وضع المرشح الفوري للعضوية". وأضاف أن "هذا الوضع سيكون مصحوباً بخريطة طريق". وفي اليوم الثاني لزيارة المسؤولين الأوروبيين، التي حصلت في 16 يونيو الحالي، تفاعلت المفوضية الأوروبية بسرعة مع دعوة الدول الأربع، وأبدت موافقتها على طلب العضوية الأوكرانية وترشيح مولدوفا أيضاً.

لكن الأمر لا يتقرر هنا، بل يتعين على الدول الـ27 اتخاذ قرار بشأن الموضوع في القمة الأوروبية، المقررة في بروكسل اليوم الخميس وغداً الجمعة، والتي ستجتمع على مستوى رؤساء الدول ورؤساء الحكومات.

وهناك شعور عام بأن المسألة ستمرّ من دون عقبات، ويبقى أن احتمال تحفّظ المجر يثير المخاوف، في حين أن المسألة تتطلب إجماع الدول الـ27.

خريطة طريق للانضمام للاتحاد الأوروبي

إن وضع خريطة طريق يعني أن عملية الانضمام الكاملة والمفاوضات يمكن أن تستغرق عدة سنوات، ستحظى خلالها أوكرانيا بمعاملة مماثلة للدول المرشحة للعضوية، وهذا يعني أنها في الوقت الذي تخضع فيه إلى دفتر شروط بـ35 بندا، فإنها تتلقى مساعدات كبيرة كي تتمكن من مواءمة اقتصادها مع بقية الاقتصادات الأوروبية.

خطة سينظر إليها الأوكرانيون على أنها ضمان لالتحاقهم بأوروبا. ويذكر هنا أن الأزمة الحالية بدأت في عام 2013، عندما رفضت الحكومة الأوكرانية في ذلك الوقت، بقيادة فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، فاندلعت التظاهرات المؤيدة لأوروبا وإبرام الاتفاق.

وهكذا اتخذت أوكرانيا خياراً مجتمعياً لصالح الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية الغربية. وتأمل اليوم في جني فوائد اقتصادية ملموسة من هذه العضوية المحتملة. ولتوضيح الصورة تجدر العودة إلى عام 1990، في نهاية الحقبة الشيوعية، كانت بولندا وأوكرانيا فقيرتين للغاية، وكان لديهما نفس حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

وهو يبلغ اليوم في بولندا 15 ألف دولار للفرد، أي أربعة أضعاف ما هو عليه في أوكرانيا. ومن الواضح أن الأوكرانيين يرون هذا الاختلاف ويطمحون إلى الازدهار شأن دول الاتحاد الأوروبي.


ماكرون: مستقبل أوروبا يعتمد على ما يجري في أوكرانيا

ولكن حالة المرشح ليست مرادفة للعضوية التلقائية، كما يظهر مثال تركيا. ويُعد منح حالة المرشح الخطوة الأولى على طريق طويل. فالعديد من الدول المرشحة لم تنضم بعد إلى الاتحاد الأوروبي.

وهذا هو حال تركيا وكذلك دول البلقان، من مونتينيغرو إلى صربيا وألبانيا. وإذا أخذنا مثال بولندا، فقد حصلت على وضعها كمرشح عام 1994، ونالت العضوية الكاملة في عام 2004. وحصلت رومانيا على وضع المرشح عام 1995، وانتظرت حتى عام 2007 لتصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وحده يوفر الحماية لأوكرانيا، في الوقت الذي تتسارع فيه عملية الانضمام فيما يتعلق بالمعايير السياسية، كما كان الحال إلى حد ما مع اليونان، التي خرجت من "ديكتاتورية الكولونيلات" في عام 1974، ودخلت الاتحاد الأوروبي في عام 1981. وقد كانت إشارة سياسية قوية ودعماً للديمقراطية اليونانية.

وثمة سؤال يطرح نفسه، في حال نيلها صفة المرشح، هل يلتزم الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا؟ والجواب هو أن توسع الاتحاد الأوروبي كان مقترناً دائماً بالانضمام إلى الحلف الأطلسي.

ومن بين 27 دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، تنتمي 21 منها إلى الأطلسي، وسيزداد هذا العدد مع انضمام السويد وفنلندا. وعلى سبيل المثال، إن مقدونيا الشمالية، التي كانت مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ 2005، انضمت إلى الأطلسي قبل عامين.

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وحده يوفر الحماية حسب المادة 42.7 من معاهدة لشبونة الخاصة بالأمن الجماعي. ولكن للاستفادة منها، يجب أن تكون الدولة كاملة العضوية في الاتحاد الأوروبي.

المساهمون