استمع إلى الملخص
- تعتمد أوكرانيا على الدعم الأوروبي والدولي لتعزيز دفاعاتها الجوية وحماية بنيتها التحتية، بينما تسعى لاستعادة قدرتها الإنتاجية للطاقة من خلال استثمارات كبيرة.
- تقدر الأضرار بأكثر من 56 مليار دولار، وتعتمد أوكرانيا على استيراد الكهرباء من جيرانها الأوروبيين وتعزيز الطاقة المتجددة، رغم التحديات اللوجستية والمالية.
وسط مخاوف من أن تواجه أوكرانيا أقسى شتاء منذ عقود بسبب نقص الكهرباء والتدفئة نتيجة الهجمات الروسية المتواصلة بكثافة على محطات إنتاج الطاقة منذ مارس/ آذار الماضي، حذّر سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أولكسندر ليتفينينكو، الثلاثاء الماضي، من هجمات روسية واسعة النطاق ضد البنية التحتية للطاقة خلال أشهر الخريف والشتاء. وقال ليتفينينكو: "مع بداية موسم التدفئة، يمكننا أن نتوقع ضربات روسية مكثفة على قطاع الطاقة". ومعلوم أن "موسم التدفئة" في أوكرانيا يبدأ عادة في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، ويستمر حتى إبريل/نيسان، وفي هذه الفترة، تنخفض درجات الحرارة في معظم مناطق أوكرانيا، ما يستلزم تشغيل التدفئة في المنازل والمدارس والمشافي والمصانع والمؤسسات.
حذّر مسؤولون أوكرانيون من أن موسكو تستعد لشنّ ضربات ضد المنشآت النووية الأوكرانية قبل أشهر الشتاء
وبعد اجتماعات منفصلة لوزراء الخارجية والطاقة بحثت أوجه الدعم المقترحة لقطاع الطاقة الأوكراني، يُتوقع أن يتبنى القادة الأوروبيون في بروكسل قرارات تمكّن قطاع الطاقة المتضرر في أوكرانيا من الصمود خلال الأشهر المقبلة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، مطلع الأسبوع الحالي، إن العجز في الطاقة الكهربائية في أوكرانيا في فصل الشتاء قد يصل إلى ستة غيغاواط، وهو ما يعادل ثلث ذروة الطلب المتوقع. ويوم الثلاثاء الماضي، ناقش وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، في اجتماع في لوكسمبورغ، الطرق العملية لمساعدة أوكرانيا خلال فصل الشتاء. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إن روسيا ضربت "ما يعادل طاقة دول البلطيق الثلاث مجتمعة (إستونيا، لاتفيا، وليتوانيا)"، وإن الهدف المطروح هو استعادة حوالي 15% من احتياجات أوكرانيا.
وقالت بولندا إنها تجري محادثات مع شركات النقل في أوكرانيا لزيادة الصادرات، بينما فككت ليتوانيا محطة لتوليد الطاقة الكهربائية وتعيد بناءها في أوكرانيا.
وحضّ وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، الاثنين الماضي، عبر الإنترنت في اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، على ضرورة تسريع المساعدة المقدمة من الاتحاد لتعزيز الدفاع الجوي وتعزيز الاستقرار في مجال توليد الطاقة لأوكرانيا قبل حلول الشتاء، بما في ذلك توفير وسائل إضافية للدفاع الجوي وتعزيز الدرع الجوي، بالإضافة إلى المعدات الطاقة والاستثمارات في مصادر التوليد. وأعرب سيبيها عن أمل بلاده أن يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات إضافية من شأنها تلبية جزء من احتياجات الطاقة خلال هذا الشتاء، وجلب مزيد من الشركاء لتقديم الدعم لقطاع الطاقة في أوكرانيا.
وشنّت روسيا، منذ مارس 2024، حملة واسعة النطاق من الهجمات بالمسيّرات والصواريخ ضد البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، على غرار الهجمات التي شنّتها خريف وشتاء عامي 2022- 2023. وتسببت الهجمات في عجز كبير في الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في جميع أنحاء البلاد. وتراوحت مدة تقنين الكهرباء في أوكرانيا بين 4 و12 ساعة بحسب المناطق.
وفي 26 أغسطس/آب الماضي، شنّت روسيا هجوماً كان الأعنف على محطات الطاقة في جميع مناطق أوكرانيا، بأكثر من 200 صاروخ وطائرة من دون طيار. وقبلها بأسبوع، استضافت مدرسة الاقتصاد في كييف عرضاً عاماً لدراسة تقيّم الأضرار والخسائر التي لحقت بقطاع الطاقة الأوكراني بسبب الحرب، ومناقشة نتائج الدراسة والخطوات اللازمة لإعادة بناء القطاع. وآخر الهجمات ما أعلنه، أمس الخميس، حاكم منطقة ميكولاييف في جنوب أوكرانيا، حيث أعلن أن روسيا هاجمت البنية التحتية للطاقة في مدينة ميكولاييف، ليل الأربعاء – الخميس، بـ56 مسيّرة وبهجوم صاروخي واحد.
أضرار قطاع الطاقة في أوكرانيا
ووفقاً لتقديرات خبراء مدرسة الاقتصاد في أغسطس، تجاوز إجمالي الأضرار التي لحقت بقطاع الطاقة في أوكرانيا 56 مليار دولار، من ضمنها 16 مليار دولار من الدمار المادي المباشر وأكثر من 40 مليار دولار من الخسائر المالية غير المباشرة. وخلصت الدراسة إلى أن الاستعادة الكاملة لقطاع الطاقة بموجب مبدأ "إعادة البناء بشكل أفضل" تتطلب استثمار 50.5 مليار دولار أميركي. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، إن روسيا دمّرت جميع محطات الطاقة الحرارية وكل الطاقة الكهرومائية تقريباً في أوكرانيا بين مارس وأغسطس من هذا العام.
وحذّر مسؤولون أوكرانيون من أن موسكو تستعد لشنّ ضربات ضد المنشآت النووية الأوكرانية قبل أشهر الشتاء، حيث تسعى إلى إغراق البلاد في برد دائم يهدف إلى كسر عزيمة الأوكرانيين.
وأفاد المكتب الصحافي لوزارة الطاقة الأوكرانية، الأسبوع الماضي، بأن البلاد فقدت تسعة غيغاواط من توليد الطاقة هذا العام، بعد تدمير ثماني محطات حرارية وخمس محطات كهرومائية، بسبب الضربات الروسية. وحذّر المكتب الصحافي للوزارة من أنه في الوقت الذي تتدافع فيه الشركات لإصلاح أصولها المتضررة، تستعد روسيا لمهاجمة البنية التحتية النووية في أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يجمد الأوكرانيين ويتسبب في أزمة إنسانية إذا لم تتمكن البلاد من إصلاح بنيتها التحتية وحمايتها بسرعة.
ويرى خبراء أنه بعد تدمير جزء كبير من توليد الطاقة الكهربائية الحرارية في أوكرانيا، تهدف الغارات الجوية الروسية بشكل متزايد إلى فصل المحطات النووية في البلاد عن شبكة الكهرباء. ومن المنتظر أن تواجه أوكرانيا أقسى شتاءٍ لها منذ بدء الغزو الشامل في فبراير/شباط 2022، حيث تتطلع روسيا إلى قطع الطاقة النووية عنها بعدما قامت بالفعل بقصف نصف قطاع توليد الكهرباء في غارات جوية واسعة النطاق.
المخاوف من قطع الكهرباء وانعدام التدفئة تدفع الكثير من الأوكرانيين إلى طلب الحماية في بلدان الاتحاد الأوروبي
ولا تستهدف روسيا المحطات النووية بشكل مباشر بالصواريخ والمسيّرات، لكن الهجمات تستهدف بشكل متزايد البنية التحتية القريبة، مثل المحطات الفرعية التي تحتوي على معدات حيوية مثل المحولات وخطوط الطاقة التي تربط المحطات النووية بالشبكة. وفي حال نجحت الهجمات الروسية في فصل جميع محطات الطاقة عن الشبكة، فإن مصدر الطاقة الوحيد المستقر في أوكرانيا سيختفي. وتكمن المشكلة في أنه لا يمكن استبدال الطاقة النووية سريعاً بمصادر الطاقة المتجددة أو واردات الطاقة الأخرى.
وبعد احتلال محطة زابوريجيا للطاقة النووية في عام 2022، تعتمد أوكرانيا اعتماداً كبيراً على ثلاث محطات نووية لا تزال تحت سيطرة الحكومة، وفّرت حتى وقت قريب 60% من الكهرباء اللازمة. وأجبر الهجوم الشامل الذي وقع في 26 أغسطس الماضي أوكرانيا على فصل ثلاث وحدات في محطتي ريفني وجنوب البلاد، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي لأسابيع.
وقالت الشركة النووية المملوكة للدولة في البلاد "إنيرغوآتوم"، الأسبوع الماضي، إن جميع وحدات الطاقة التابعة لها جاهزة للعمل "بأقصى طاقة" خلال موسم التدفئة، وقامت الشركة بتوصيل وحدة طاقة نووية مجددة بقدرة واحد غيغاواظ بالشبكة في 1 أكتوبر. وأعلنت الشركة أخيراً عن خطط لبناء تحصينات إضافية لحماية محطات الطاقة من الهجمات.
وحذّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن درجات الحرارة الباردة والقاسية في الشتاء أثناء انقطاع التيار الكهربائي ستؤدي إلى تجمد الأنابيب، ما يعني حرمان الأوكرانيين من المياه الساخنة والتدفئة، وقد يؤدي إلى موجة أخرى من اللاجئين.
من جهته، ذكر البنك الوطني الأوكراني، في نهاية أغسطس الماضي، أن عدد المغادرين من البلاد زاد عن عدد الداخلين إليها بنحو 300 ألف شخص، وتوقع ارتفاع "صافي التدفق الخارجي" إلى 400 ألف في نهاية العام الحالي، وهو ضعف توقعات البنك في مايو/أيار الماضي.
ومعلوم أن أكثر من ستة ملايين أوكراني غادروا البلاد منذ الحرب، ومن الملاحظ أن المخاوف من قطع الكهرباء وانعدام التدفئة تدفع الكثير من الأوكرانيين إلى طلب الحماية في بلدان الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، تزيد الهجمات على البنية التحتية النووية بشكل كبير من مخاطر وقوع حوادث، حسب ما ذكر المكتب الصحافي لوزارة الطاقة.
وفي حين يستبعد خبراء السيناريو الشبيه بتشيرنوبيل لأن المفاعلات محمية بشكل جيد، إلا أن الأضرار التي لحقت بالمحطات الفرعية يمكن أن تمنع الإمدادات الاحتياطية للكهرباء التي تضمن سلامة المفاعلات، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
الخيارات المتاحة
يسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تعزيز قطاع الطاقة في أوكرانيا بالوقت المناسب لفصل الشتاء من خلال الدعم المالي والمعدات الاحتياطية والمساعدات الإنسانية، ولكن مع استمرار روسيا في إنتاج وإطلاق صواريخها وطائراتها من دون طيار بلا هوادة، فإن الأداة الملموسة الوحيدة لأمن الطاقة هي تعزيز الدفاع الجوي، بحسب ما ذكر المكتب الصحافي لوزارة الطاقة الأوكرانية.
اعتمدت أوكرانيا خلال الغزو الشامل على منشآت مختلفة داخل قطاع الطاقة الضخم لديها للنجاة من الهجمات الأولية على البنية التحتية للطاقة، وتمكنت من تصدير الكهرباء إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك تغير هذا العام بعدما قضت الهجمات الجماعية التي بدأت في مارس الماضي على نصف القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة لديها. ومنذ الصيف الماضي، تستورد أوكرانيا قرابة غيغاواطين اثنين من الكهرباء من جيرانها الأوروبيين. وتتوقع بعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان (UNHRMM) أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي ما بين 4 ساعات و18 ساعة في اليوم، اعتماداً على الهجمات والطقس، ما يتسبب في انهيار الظروف المعيشية لملايين المواطنين.
وشجعت أوكرانيا مواطنيها على استخدام طاقة الشمس والرياح لتوفير احتياجاتهم، وفي الوقت نفسه، تأمل استعادة ثلاثة غيغاواط بحلول نهاية العام، ولكن هذا يعتمد على التمويل اللازم، والذي يقدره مشغل شبكة الكهرباء الحكومية "أوكرانيرغو" بـ 1.5 مليار دولار للإصلاحات السريعة هذا الموسم، وقد تلقت أوكرانيا حتى الآن ما يقرب من 700 مليون يورو (766 مليون دولار أميركي) من صندوق دعم الطاقة بالتعاون مع المفوضية الأوروبية. ويغطي جزء من الصندوق المعدات التي تشتد الحاجة إليها، مثل المحولات الآلية، لإصلاح المنشآت التي تضررت بسبب الضربات الجوية الروسية في أسرع وقت ممكن.
ورغم أن الإصلاحات البسيطة حول المحطات النووية، مثل خطوط الكهرباء، يمكن إصلاحها في غضون 24 ساعة، فإن المعدات المتخصصة تعتمد على عمليات التسليم من الحلفاء الغربيين، الأمر الذي قد يستغرق أشهراً ما لم تكن هناك مخزونات متاحة بسهولة. كما لا توجد ضمانة بعدم مهاجمة روسيا مرة أخرى هذه الخطوط الفرعية في حال عدم وجود حماية كافية من الصواريخ والمسيّرات.
وربما يكون الحل الأكثر نجاعة هو تزامن إصلاح البنى التحتية للطاقة في أوكرانيا مع تأمين حمايتها عبر توفير مزيد من أنظمة الدفاع الجوي، لكنه خيار بات أضعف مع تركيز الولايات المتحدة على ضمان أمن إسرائيل ضد أي هجمات من إيران وحزب الله والحوثيين في اليمن، رغم تعهد الإدارة الأميركية بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 2.6 مليار دولار في 26 سبتمبر الماضي، تشمل ذخائر ودعماً لأنظمة الدفاع الجوي.
وفي ظل عدم وجود أنظمة دفاع جوي إضافية أخرى في طور الإعداد حالياً، تبني الحكومة الأوكرانية منشآت خرسانية واقية للمحطات الفرعية ضد الحطام المتساقط من الصواريخ والطائرات من دون طيار، ولكن خبراء يشيرون إلى أن هذه العملية لم تنجز بشكل كامل. ومن الواضح أن كيفية اجتياز أوكرانيا فصل الشتاء المقبل سوف تعتمد إلى حدّ كبير على الأحوال الجوية وتأمين شبكة حماية جوية متكاملة للبنى التحتية للطاقة من الهجمات الروسية.