- تم التوصل إلى حل وسط يخصص 90% من عائدات الأصول الروسية لتسديد قيمة الأسلحة الأوروبية لأوكرانيا و10% لدعم قدراتها الدفاعية، مع توقع تحصيل 3 مليارات يورو للعام الحالي.
- القمة أكدت على الدعم الكثيف لأوكرانيا وعزم الأوروبيين على مواصلته، مع مقترح لزيادة الرسوم الجمركية على منتجات روسيا وبيلاروسيا، وناقشت إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا، مما يعكس تحولًا في موقف الاتحاد الأوروبي.
اتفق قادة الاتحاد الأوروبي، أخيراً، على نجدة أوكرانيا. هذا ما خلصت إليه القمة الأوروبية التي انعقدت في بروكسل يومي الخميس والجمعة الماضيين، وناقشت مسألتي تعزيز الدعم متعدد الأشكال لأوكرانيا، وتحديات الأمن والدفاع التي تواجهها دول الاتحاد.
جرى في القمة حسم جدل وخلافات استمرت قرابة عام. ودارت حول مبدأ الدعم الأوروبي لأوكرانيا نفسه، وبرز على نحو خاص صوت رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي عارض تقديم أي شكل من أشكال الدعم لأوكرانيا، وغطى موقفه المنحاز إلى روسيا بتبريرات تتعلق بالأولويات الأوروبية.
ومن أجل البحث عن مخرج من الطريق المسدود، تم اقتراح استخدام الأصول الروسية المجمدة في عدة دول أوروبية، من أجل مساعدة أوكرانيا إنسانياً، طالما أنها تحظى بدعم عسكري أميركي وأوروبي.
وبقيت هذه المسألة معلقة طيلة الفترة الماضية، لكن التطورات السياسية، خصوصاً موقف الولايات المتحدة، حركت القضية من جديد، وأعادتها إلى الواجهة، بسبب حاجة أوكرانيا للذخيرة، في ظل التقدم الذي تحرزه روسيا ميدانياً.
الأصول الروسية في أوروبا
تصل قيمة الأصول الروسية المجمدة في أوروبا إلى نحو 280 مليار يورو (نحو 303 مليارات دولار). ووُجّهت دعوات للاستيلاء عليها خلال الأشهر الأولى من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، تحديداً من جهة أوكرانيا وبريطانيا ودول شرق أوروبا. جرى رفض هذه الفكرة لما تحمله من مخاطر وتجاوزات قانونية.
ومن بين أبرز المخاوف تهديد روسيا بالرد بالمثل ومصادرة الاستثمارات الأوروبية لديها، كما أن مصادرة الأصول عمل يطيح بمبدأ الحصانة الخاصة بممتلكات الدول ويعد ضرباً لمبدأ حق الملكية. وقدّر المصرف المركزي الروسي في صيف عام 2023 الحجم الإجمالي للاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الروسي، اعتباراً من الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بنحو 1.18 تريليون دولار.
ستحصل أوكرانيا على أول مليار يورو من الأموال الروسية في يوليو
الاختلافات أخذت عدة مستويات، وقد تم تبرير المصادرة في البداية على أساس تمويل إعادة الإعمار، بتحميل روسيا مسؤولية الدمار الكبير. ولكن تم تجاوز هذا الاقتراح بسبب الحاجة الضاغطة إلى تمويل ماكينة الحرب، في ظل تراجع المساعدات العسكرية الأميركية.
وحسب أوساط المفوضية الأوروبية، فإن آخر الاقتراحات التي تم نقاشها في القمة الأوروبية هو تخصيص 90 في المائة من العائدات المقدرة بـ3 مليارات يورو (3.3 مليار دولار) سنوياً لتسديد قيمة الأسلحة الأوروبية المعطاة لأوكرانيا، و10 في المائة لدعم قدرات الإنتاج الدفاعي لكييف. ولم يمر هذا الاقتراح من دون اعتراضات وتحفظات من دول مثل المجر وأيرلندا والنمسا.
وبعض هذه المواقف لا يزال يرى ضرورة استخدام هذه الأموال لإعادة إعمار ما هدمته الحرب، بينما تبنت الأغلبية رصد المبلغ لمشتريات السلاح. وبالتالي تم حسم الخلاف والجدل حول تحديد الوجهة الدقيقة لاستخدام هذه الأموال.
التخريج الأخير الذي جرى اللجوء إليه كحل وسط هو استخدام عوائد الأصول الروسية المجمدة من أجل تمويل تسليح أوكرانيا. ومن أجل تجنب أي إحراج قانوني، تم وضع هذه الخطوة ضمن إطار نظام العقوبات الأوروبية على موسكو.
هذا الإجراء يشكل حلاً وسطاً بين الأطراف الأوروبية، وسيوفر لأوكرانيا تمويلاً للمعدات العسكرية، وتفيد حسابات المفوضية الأوروبية بأنه سيتم تحصيل نحو 3 مليارات يورو للعام الحالي، ومبالغ مماثلة في السنوات المقبلة. وتشير التقديرات الأوروبية الرسمية إلى أنه إذا جرى العمل بهذا القرار على الفور، فيمكن تحويل أول مليار يورو في مطلع يوليو/ تموز المقبل.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أنها أعدت مقترحاً لزيادة الرسوم الجمركية على الحبوب والبذور الزيتية والمنتجات المشتقة منها من روسيا وبيلاروسيا، وذلك كخطوة أولى على طريق العمل بالقرار، الذي من المتوقع أن يأخذ مداه التنفيذي فعلياً في الصيف المقبل.
أحد أبرز نتائج القمة الأوروبية هو توجيه رسالة إلى الأوكرانيين بالطبع، ولكن أيضاً لروسيا، وقوامها عزم الأوروبيين على مواصلة تقديم الدعم الكثيف لأوكرانيا طيلة الفترة التي تحتاج فيها إليه، وما دام ذلك ضرورياً.
وضمن هذا التوجه سبق القمة اجتماع في العاصمة الألمانية برلين ضم رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس وزراء بولندا دونالد توسك. وأكدت الدول الثلاث الأكثر انخراطاً في النزاع، على "وحدة الصف" والتضامن مع أوكرانيا لدعمها ضد روسيا.
وجرى في ذلك اللقاء اعتماد مبدأ تزويد أوكرانيا بأسلحة أوروبية استراتيجية، ولم يتم حسمها كلياً. وبينما أبدى شولتز مرونة بخصوص قضية تسليم كييف صواريخ بعيدة المدى، رحب ماكرون بإنشاء "تحالف للضربات العميقة"، يكون "مفتوحاً للجميع وفقاً لقدراتهم ووسائلهم".
وجرى تفسير موقف ماكرون بأنه يفتح الباب للدول الراغبة بإرسال قوات لمساعدة أوكرانيا للدفاع عن أراضيها، وهي مسألة تعمد الرئيس الفرنسي إثارتها في عدد من المناسبات خلال الآونة الأخيرة، ويهدف منها توجيه عدة رسائل، واحدة منها للولايات المتحدة.
وبدت أوروبا وكأنها ترد على نداءات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التي لم تلق إجابات شافية من واشنطن، والتي ركزت في الآونة الأخيرة على أن بلاده بحاجة ماسة إلى الدعم لتجديد مخزون الذخيرة، معرباً عن أمله في أن تقر الولايات المتحدة حزمة مساعدات بقيمة 60 مليار دولار، تنتظر موافقة مجلس النواب في الكونغرس الأميركي.
ناقش الأوروبيون في قمتهم فكرة إرسال قوات لأوكرانيا
ومن المعروف أن واشنطن، وهي الداعم العسكري الأول لأوكرانيا، لم ترسل أي مساعدة كبيرة لكييف منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، وكان من المقرر أن يناقش النواب الأميركيون هذه القضية، لكنهم بدأوا السبت الماضي عطلة، تستمر حتى 8 إبريل/ نيسان المقبل، ما أدى إلى تأجيل أي عملية تصويت على دعم عسكري جديد لأوكرانيا.
وزاد في غموض الموقف تصريح الرئيس الأميركي السابق، المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، الذي أبدى وجهة نظر حول توفير الدعم لأوكرانيا على شكل قروض وليس هبات، وعارض المصادقة على مساعدات جديدة لكييف، مبرراً ذلك بأن على الولايات المتحدة أن "تتوقف عن تقديم الأموال من دون أمل في استردادها".
كما تعهد ترامب بأنه في حال إعادة انتخابه، سينهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا "خلال 24 ساعة" من دون أن يوضح كيف سيقوم بذلك. ولكنه سبق أن أطلق تصريحات يقول فيها إنه لن يقف بوجه أي غزو روسي لأي بلد في أوروبا.
وجرى النظر بجدية أكثر إلى تصريحات ترامب بالنظر إلى موقف رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري مايك جونسون القريب من ترامب، والذي قال إن هناك عديداً من السيناريوهات قيد الدرس في شأن هذه المسألة المثيرة للخلاف، مثل فكرة تقديم قرض لكييف بدلاً من الهبات أو استخدام أصول مجمدة لأغنياء روس.
إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا
هناك تأويل للقرار الأوروبي أبعد مما يحتمله، ولكنه يستند إلى معلومات من داخل القمة، وهو ما جاء في تصريحات رئيس الوزراء المجري، الذي اعتبره مقدمة لإرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا من أجل القتال إلى جانبها لتعزيز صمودها أمام التقدم العسكري الذي تحرزه روسيا منذ عدة أشهر، وهو ما ينذر بإحداث انقلاب خلال المدى القريب.
ورأى أوربان أن "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه قبل شهرين أو ثلاثة لم يكن من الممكن تصور إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا. وبعد شهرين أو ثلاثة أشهر، سيصبح الأمر حدثاً اعتيادياً".
لم ترسل واشنطن مساعدات كبيرة لكييف منذ ديسمبر 2023
ووفق تسريبات إعلامية، فإن القادة الأوروبيين ناقشوا إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا بناء على اقتراح الرئيس الفرنسي، لكن لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء بعد، إلا أنه لا يمكن استبعاد أي شيء، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي وافق في فبراير الماضي على تشكيل "التحالف التاسع لتزويد أوكرانيا بصواريخ متوسطة وطويلة المدى"، باقتراح من ماكرون.
ورداً على الضجة التي ثارت في حينه، كشف وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أن مجموعة من دول حلف شمال الأطلسي أرسلت بالفعل قواتها إلى أوكرانيا، وذكر أن جنود الحلف موجودين بالفعل فيها.
روسيا لا تبدو غير مكترثة بما يحصل من مواقف وتحركات أوروبية، ولكنها تقيس الوضع استناداً إلى ثلاثة عوامل: العامل الأول هو الحضور العسكري الأوروبي في أوكرانيا، ولكن من دون تهويل. موسكو تنتظر الأفعال لا الأقوال. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه "إذا تم إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، فسيكون الصراع العسكري المباشر بين الأطلسي والاتحاد الروسي أمراً لا مفر منه".
العامل الثاني هو التقدم العسكري الذي تحققه القوات الروسية على الأرض، بعد تغيير استراتيجيات القتال، وسقوط احتمال قيام أوكرانيا بهجوم عسكري كبير لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا منذ إعلان الحرب في فبراير 2022.
والعامل الثالث هو التطورات المرتقبة سياسياً، تحديداً الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، واحتمال فوز ترامب بولاية ثانية. وهو ما يترتب عليه انقلاب في الموقف الأميركي، تراهن فيه موسكو على نهاية الحرب وتخلي واشنطن عن الرئيس الأوكراني وفريقه.
يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع مريح اليوم على صعيد مجرى الحرب في أوكرانيا، وأفضل مما كان عليه قبل عام. ويسود الاعتقاد في موسكو بأن بوتين يتصرف بحذر شديد، ولا يريد تكرار المغامرة السابقة، وبالتالي من المستبعد أن يقوم بخطوات تصعيدية كبيرة للرد على التصرف بالأموال الروسية.
في السياق، قال بيسكوف: "سنستخدم كل الآليات القانونية الممكنة، المتاحة حالياً، والتي ستتاح في المستقبل"، مضيفاً أنه "في ما يخص المعاملة بالمثل، لن نرد بالمثل، بل سنختار أساليب مختلفة بما يتوافق مع مصالحنا الخاصة".