- حليفا، الذي شارك في عمليات عسكرية واستخباراتية متعددة في فلسطين ولبنان، يعتبر استقالته حدثاً بارزاً قد يؤدي إلى استقالات أخرى ضمن الجيش الإسرائيلي.
- على مدار مسيرته، تولى حليفا مناصب عليا وشارك في معارك وعمليات مهمة، معبراً عن رؤى استراتيجية تجاه لبنان وغزة، وتسلط استقالته الضوء على الضغوط التي تواجه القيادات العسكرية.
40 عاماً قضاها الجنرال الإسرائيلي أهرون حليفا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، تقلّد خلالها مناصب عليا كثيرة، أخرها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وربما كان يطمح إلى أكثر من ذلك، لكن عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كانت أسوأ نهاية بالنسبة لمن قرر الاستقالة بعد أربعة عقود، بسبب تحمّله مسؤولية الإخفاق الذي وقع في ذلك اليوم. لكن من هو حليفا، الذي قد تفتح استقالته الباب أمام استقالة مسؤولين آخرين في جيش الاحتلال؟ وما الدور الذي لعبه في العمليات العسكرية والاستخباراتية في فلسطين ولبنان؟
ولد حليفا في حيفا في 12 أكتوبر 1967، لأبوين يهوديين مغربيين من مدينة مكناس، قبل أن يهاجرا لاحقاً إلى فلسطين المحتلة، وتدرّج في المناصب وصولاً إلى منصبه الحالي رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) منذ 5 أكتوبر 2021. وشغل قبل ذلك منصب رئيس شعبة العمليات، وشعبة التكنولوجيا واللوجستيات، وقائد لواء المظليين، كما كان قائداً لتشكيل النار أو بتسميته الأخرى "الفرقة 98"، ومناصب كثيرة أخرى.
بداية إخفاقات حليفا
لم تكن "طوفان الأقصى" الإخفاق الوحيد في مسيرة حليفا الذي التحق بجيش الاحتلال الإسرائيلي في فبراير/ شباط 1986، ليعين بعد عامين من ذلك قائداً لوحدة قذائف الهاون في السرية المساعدة في الكتيبة 202. وفي مايو/ أيار 1988 قاد وحدته في معركة ميدون في البقاع الغربي في لبنان، عندما هجم جيش الاحتلال على البلدة الصغيرة، وعدا عن الشهداء في الجانب اللبناني، قُتل قائد سرية حليفا وأحد جنوده.
وفي فترة اشتغاله قائداً لسرية المساعدة في الكتيبة 202 شارك في فبراير/ شباط 1992 في عملية عسكرية ضد "حزب الله" في منطقة بين بلدتي كفرا وياطر، والتي حددت إسرائيل هدفها المعلن منها، بالقضاء على مقاومين وتدمير منصات صواريخ الكاتيوشا. وخدم حليفا بعد ذلك رئيساً لمكتب قائد المنطقة الشمالية في حينه يتسحاق مدردخاي، ولاحقاً عُيّن نائباً لقائد الكتيبة 202.
وشارك خلال منصبه في مواجهات ومعارك عدة، من بينها اشتباك في ديسمبر/ كانون الأول 1995، في وادي السلوقي في لبنان، وهي الحادثة التي قُتل فيها جندي من السرية المساعدة وأصيب قائد الكتيبة حجاي مردخاي بجروح خطيرة. وفي سبتمبر/ أيلول 1996، شارك حليفا في تخليص قوة من وحدة "إيغوز" في جيش الاحتلال خلال معركة شرسة مع عناصر "حزب الله" في منطقة سُجد في لبنان، وبعد ذلك أصبح ضابطاً في أركان لواء المظليين، ومع انتهاء فترته ترك الجيش.
لكنه عاد بعد نحو نصف عام إلى الخدمة الدائمة وحصل على ترقية بتعيينه قائداً للكتيبة 202، ليشغل المنصب ما بين 1999 - 2001 ويقود الكتيبة في الضفة الغربية، خلال الانتفاضة الثانية عام 2000، قبل نقلها لاحقاً إلى منطقة "هار دوف" (مزارع شبعا). ومن أبرز الأحداث في مسيرته قائداً للكتيبة، في منطقة كانت تحت قيادته على الحدود اللبنانية، قيام مسلحي "حزب الله" بأسر ثلاثة جنود في جيش الاحتلال، هم بيني أفراهام وآدي أفيتان وعمر سواعد، أثناء قيامهم بدورية عند الجدار الأمني على طول الحدود مع لبنان عام 2000، قبل إعادة جثثهم في تبادل أسرى في 29 يناير/ كانون الثاني 2004.
تابوت ملفوف بعلم
أثار حليفا الجدل في أكثر من مناسبة، حتى في كلامه أحياناً، ومنه ما قاله مخاطباً الجنود خلال خدمته ضابطاً في لواء المظليين ما بين 2001 – 2003، بأن "هناك احتمالاً بأن تعودوا في تابوت ملفوف بعلم"، في خطاب كان يُفترض أن يكون محفّزاً لهم، خلال لقاء يتقرر فيه من سيلتحق من بين الجنود في الوحدات المختارة في الجيش.
بعد ذلك، حصل على ترقية في عام 2003 وعُيّن قائداً للواء 55 حتى 2005، ومن ثم قائداً للواء "افرايم"، وقاد التصدي للعمليات الفلسطينية ضد الاحتلال في منطقتي قلقيلية وطولكرم. ومما اعتبرته إسرائيل "إنجازاً" في فترة قيادته اللواء، قتل قوات الاحتلال القائد في حركة الجهاد الإسلامي لؤي سعدي عام 2005.
أصبح حلفيا في أغسطس/ آب 2009 قائداً للواء المظليين وبقي كذلك حتى إبريل/ نيسان 2011، حين جرت ترقيته مجدداً وعُيّن قائداً لتشكيل النار. وفي 2014 عُيّن رئيساً لشعبة العمليات في هيئة الأركان، وكان ذلك وقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014 والتي أطلقت عليها إسرائيل اسم "الجرف الصامد"، ووقت عمليات البحث الإسرائيلية عن ثلاثة مستوطنين خُطفوا وقُتلوا في 12 يونيو/ حزيران 2014 في منطقة مستوطنات "غوش عتصيون"، في جنوب الضفة الغربية المحتلة قرب الخليل.
وتوالت ترقيات حليفا، وفي عام 2021 خلال إشغاله منصب شعبة العمليات، استُدعي لمناقشات لجنة الخارجية والأمن البرلمانية حول اقتحامات متكررة لقواعد عسكرية وسرقة أسلحة من الجيش الإسرائيلي. وكان في ذات المنصب خلال عملية "حارس الأسوار" عام 2021. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.
رؤيته للبنان وغزة
خلال منصبه الأخير، رأى حليفا أن منصة غاز لبنانية ستقود إلى استقرار في الجبهة الشمالية وأن إقامتها هي مصلحة إسرائيلية. كما رأى أن مصلحة إسرائيل الأمنية والحد من العمليات ضد أهداف إسرائيلية تقتضي استقراراً في السلطة الفلسطينية. وعلى مستوى غزة رأى أن عملية "حارس الأسوار" في شهر مايو/ أيار 2021 ستقود إلى خمس سنوات من الهدوء، وكذلك إلى استقرار الاقتصاد في غزة.
وأعلن حليفا في مارس/ آذار 2023 أن شعبة الاستخبارات العسكرية تحت قيادته حذّرت الحكومة الإسرائيلية من أن "حزب الله" وإيران ينظران إلى الخلافات الإسرائيلية حول خطة التعديلات القضائية التي تقودها الحكومة لتقويض القضاء، كنقطة ضعف تاريخية في إسرائيل. وعقب عملية "طوفان الأقصى"، كتب في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لجنوده: "لم نتمكن من القيام بمهمتنا الأهم، وكرئيس لشعبة الاستخبارات أتحمّل مسؤولية كاملة عن الإخفاق". وفي 22 إبريل أبلغ رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي باستقالته من الجيش، والتي ستدخل حيز التنفيذ بعد استكمال التحقيقات العملياتية حول الإخفاق، وتعيين الجيش خليفة له.