أميركا قد تحافظ على اتفاق الدوحة الأفغاني

26 يناير 2021
الشعب الأفغاني سيكون أكبر الخاسرين بحال استمرار الحرب (نور الله شيرزادا/فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن الحكومة الأفغانية راضية منذ البداية عن الاتفاق الذي أبرم بين حركة "طالبان" والولايات المتحدة الأميركية في فبراير/شباط من العام الماضي في العاصمة القطرية الدوحة، والذي بموجبه ستنسحب القوات الأميركية والأجنبية كاملة من أفغانستان بحلول شهر مايو/أيار المقبل. وهو ما كشف عنه نائب الرئيس الأفغاني، رئيس الاستخبارات السابق، أمر الله صالح، في تصريحات أخيرة له، إذ قال إنّ "الولايات المتحدة أعطت لطالبان في اتفاق الدوحة أكثر مما كان يُتصوّر، وتنازلت في حقها إلى أقصى درجة". كما أكد الرئيس الأفغاني، أشرف غني، أكثر من مرة، أنّ اتفاق الدوحة "فيه نقاط كثيرة غامضة، ومراجعتها أمر ضروري لا بدّ منه".
من هنا، أثار إعلان مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان، أخيراً، عن نية إدارة جو بايدن مراجعة الاتفاق، ارتياحاً لدى الحكومة الأفغانية، إذ سارع مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني إلى الترحيب بالإعلان. وقال المتحدث باسم المكتب، رحمت الله أندر، في بيان، إنّ مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب أيّد، خلال حديث مع نظيره الأميركي، قرار إدارة بايدن، مراجعة الاتفاق مع "طالبان".

قد تعني الإدارة الأميركية الجديدة بإعادة النظر في الاتفاق، شراء بعض الوقت

وعلى الرغم من القرار الأميركي، إلا أنّ مراقبين يرون أنّ لا خيار أمام واشنطن سوى الحفاظ على اتفاق الدوحة، الذي يمثّل فرصة سانحة لها لإخراج نفسها من مأزق الحرب الأفغانية. وهو ما عبّر عنه المحلل السياسي الأفغاني، محمد شفيق أمين، قائلاً، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "إعلان مسؤولين أميركيين إعادة النظر في اتفاق الدوحة لا يعني رفضه، إذ إنّه لا خيار أمام الولايات المتحدة سوى المضي قدماً فيه". وأضاف: "قد تعني الإدارة الجديدة بإعادة النظر، شراء بعض الوقت ومراجعة بعض نقاط الاتفاق مع طالبان من جديد، لكن أن تعيد النظر، بمعنى اللجوء إلى الخيار العسكري مرة أخرى، فهذا ما لا ترتضيه واشنطن التي تعي جيداً أنّ الحرب في أفغانستان لا رابح فيها، وهي غير مجدية".

وحيال موقف "طالبان"، التي اعتبر المتحدث باسمها، محمد نعيم، الالتزام باتفاق الدوحة "نجاحاً لجميع الأطراف"، قال أمين إنّ الحركة "يمكن أن تتنازل في مسألة بقاء الأميركيين لأشهر أخرى، لكن لديها خطان أحمران لا يمكن التنازل عنهما؛ الأول خروج القوات الأميركية والأجنبية كاملة من أفغانستان مع إمكانية التغيير في جدول الانسحاب، إذا كانت إدارة بايدن تعني هذا الأمر بمسألة مراجعة الاتفاق، والثاني هو النظام الإسلامي". وأشار أمين إلى أنّ "الحلّ السلمي لمعضلة أفغانستان، هو نجاح للولايات المتحدة قبل أي طرف آخر".

طالبان لن تتنازل أكثر مما فعلت خلال المفاوضات مع واشنطن، قبل التوصّل إلى الاتفاق

من جهته، قال الأكاديمي والباحث السياسي، عطاء الحق أنس، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الحرب في أفغانستان كلّفت الولايات المتحدة أموالاً طائلة، وهي لا تريد أن يستمر الوضع على ما هو عليه، كما أنها لا تربح من الحرب هنا". لذا لا يتوقّع أنس من واشنطن إلا الحفاظ على الاتفاق. كما لا يعتقد أن يكون المقصود بمراجعة الاتفاق "إجراء تغييرات جذرية عليه، لأنّ طالبان لن تتنازل أكثر مما فعلت خلال المفاوضات مع واشنطن، قبل التوصّل إلى الاتفاق". واعتبر أنّ "ارتياح الحكومة الأفغانية لقرار إدارة بايدن، مراجعة الاتفاق، مخيب للأمل، لأنه في حال استمرار الحرب، سيكون الشعب الأفغاني أكبر الخاسرين".

وأوضح أنس أنّ الحكومة الأفغانية، التي تعتبر الاتفاق "غير متزن"، "كانت مهمشة خلال المفاوضات بين طالبان وواشنطن، وهي تسعى الآن لأن تحقق لنفسها بعض المكاسب من خلال إجراء بعض التغييرات عليه، ولكن لا يبدو أن ذلك سيحدث، وسعيها لعرقلة عملية السلام سيأتي بالمزيد من الويلات على الشعب الأفغاني، لا أكثر".

ويبدو أنّه فعلاً لا خيارات أخرى أمام واشنطن، وهو ما تؤكده نية إدارة بايدن إبقاء المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، في منصبه، إذ إنها لو كانت تريد الانسحاب من الاتفاق وإلغاءه، كما تتطلع الحكومة الأفغانية، لقامت باستبدال خليل زاد.

إبقاء خليل زاد في منصبه يعني أنّ إدارة بايدن ملتزمة باتفاق الدوحة

وفي هذا الإطار، قال الأكاديمي والباحث السياسي، نجيب الله مدقق، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "خليل زاد، الفاهم للغة الأفغان وعاداتهم وتقاليدهم، حقق مكاسب كثيرة للولايات المتحدة الأميركية، وله علاقات جيدة الآن مع طالبان ومع الأحزاب السياسية والجهادية السابقة، وبالتالي فإن بقاءه في منصبه لا مناص منه". وتابع: "الأولوية عند الولايات المتحدة هي الحفاظ على مصالحها، وخليل زاد يحقق لها ذلك، إذ بفضل جهوده أنهي العداء بين واشنطن وحركة طالبان، ويمكن أن تكون الحركة شريكة استراتيجية للولايات المتحدة في المستقبل، إذا ما وصلت المفاوضات بينها وبين الحكومة الأفغانية إلى بر الأمان". وحول ماذا تعني واشنطن بمراجعة الاتفاق، قال مدقق "يبدو أنه مجرد قول، وقد لا يكون له أي مدلول عملي، إذ يبدو أنّ إدارة بايدن لا تريد أن تكون مرهونة بما فعلته إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب، وبالتالي تحدثت عن مراجعة الاتفاق، لكن في النهاية ستلتزم به".

من جهته، اعتبر الأكاديمي والباحث السياسي، عطاء الحق أنس، أنّ بقاء خليل زاد في منصبه "قرار صائب، إذ إنه صاحب حنكة ومعرفة بالأحزاب السياسية الأفغانية، علاوة على علاقاته الجيدة الآن بطالبان، كما أنه يعرف لغة الأفغان وله خبرة كبيرة بالقضية الأفغانية، لأنه على صلة بها منذ الغزو السوفييتي"، مشيراً إلى أنّ بقاءه "إشارة واضحة على أنّ واشنطن ماضية في الالتزام باتفاق الدوحة".

المساهمون