لم تكن محاولة أنصار الرئيس البرازيلي اليميني الشعبوي، جايير بولسونارو، الأحد الماضي، السيطرة على البرلمان (الكونغرس) في برازيليا، للانقلاب على فوز لويس إيناسيو لولا دي سيلفا في الانتخابات الديمقراطية، معزولة عن حالة أميركية لاتينية أوسع، تتحالف فيها النخب اليمينية بمصالحها المتقاطعة مع مصالح قوى خارجية، لإبقاء الوضع في أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي بعيدا عن الديمقراطية وإنصاف السكان الأصليين وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الوضع في البيرو وتشيلي، وغيرهما من دول التحول الديمقراطي، ليس بعيداً عن مجهر قوى "الثورات المضادة"، ومخاطر الانقلاب عليه، كما يذكر بعض خبراء تلك القارة التي عاشت آثار ويلات الأنظمة العسكرية الأمنية برعاية وتدخل واشنطن وغيرها لعقود طويلة. فـ"نظرية المؤامرة" عن "سرقة نتائج الانتخابات"، التي رددها أنصار بولسونارو لا تختلف عما أطلقه أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل عامين.
وتشبه كثيراً شعارات تحالف "الثورات المضادة" عربياً، في مواجهة التحول الديمقراطي الذي تنشده الشوارع العربية منذ عامي 2010 و2011. وعقليات شبكات المصالح بين النخب العربية التسلطية، وتداخلها مع مصالح الخارج ببقاء العرب تحت سقف الاستبداد والفساد، وإشغال المواطنين بلقمة العيش، له ما يوازيه في عموم أميركا اللاتينية، التي بقيت حتى وقت قريب في نظر واشنطن حدائق خلفية لها.
صحيح أن الانقلابات الكلاسيكية قد لا تكون فجة كالسابق، لكنها تحدث بفعل تراكم سنوات هيمنة نخب الفساد، وشق الطريق أمام مصالح الشركات العملاقة العابرة للجنسيات، وعمل المتسلطين كوسطاء (كومبرادور)، تحت عباءة أمنية ـ مالية، وتعقيد حياة الشعب من أجل تسويق الحاكم "منقذاً".
ولا تختلف هذه الحالة كثيراً عن حالتنا العربية التسلطية، والماثلة في أكثر من مكان جرى الانقلاب فيه على انتفاضات الشوارع في مرحلة "الربيع العربي".
وشعبوية بولسونارو البرازيلي لا تختلف عن يمينية من عزلوا الرئيس البيروفي بيدرو كاستيو أو أولئك الذين يتربصون بالرئيس التشيلي الشاب غابرييل بوريك، الذي يواجه إرثاً ثقيلاً من عصر الانقلابي أوغستو بينوشيه (1973 ـ 1990)، لها أيضا ما يقابلها في المشرق العربي.
هذا التشابه، بما في ذلك بروباغندا "المؤامرة"، والخلط بين الحاكم ومؤسسات الدولة، وسقوط مئات الجرحى والقتلى في احتجاجات البيرو، يقدم درساً إضافياً للحالة العربية التي تعيش مراحل استعصاء غير مسبوق. فإما الانتقال من منظومات فساد وتسلط لتحقيق أبسط أسس العدالة ومشاركة الشعب في تقرير مستقبل أوطانه، أو العودة مجدداً إلى صدامٍ دامٍ لا يرغبه كثيرون.