يتحرك عتاة المحافظين في مجلس النواب الأميركي لتحويل شعار الرئيس السابق دونالد ترامب الانتخابي "أميركا أولاً" إلى عنوان لـ"تكتل" سياسي جديد، يشير خطاب قياداته إلى أنه مفتوح على مشروع حزب يمثل أقصى اليمين العرقي الأبيض في الولايات المتحدة الأميركية.
تتزعم هذا الفريق مجموعةٌ من النواب الجمهوريين المتزمتين الذين امتنعوا حتى الآن عن التسليم علناً برئاسة جو بايدن، وتمسكوا بزعم فوز ترامب في الانتخابات.
تتقدم هذا الفريق النائبةُ مرجوري تايلور غرين من ولاية جورجيا، والتي سبق أن أثارت ضجة بتصريحاتها العنصرية الفجة وإصرارها على نشر إشاعات خطيرة ضد الديمقراطيين، مثل زعمها بأن الرئيس السابق بيل كلينتون "قاتل". وهي، مع بعض رموز هذا التوجه، تطرح الآن إطلاق "تكتل أميركا أولاً" كتيار قومي يعمل لحماية أميركا "كأمة لها حدود وثقافة تستمد قوتها من الاحترام المشترك للتقاليد السياسية الأنكلو – ساكسونية الفريدة"، حسب ما تسرب عن بيانها التأسيسي الأول المتوقع صدوره قريباً.
ترجمة ذلك أن هذا التجمع ينادي بالعودة إلى "النقاء العرقي" في مواقع القرار، كما كان عليه الأمر في بدايات تكوين الدولة الأميركية. وهو بذلك يخاطب الكتلة التي حملت ترامب إلى الرئاسة في 2016، والتي رأت فيه صدى لعنصريتها أو لتخوفها من التغيير الزاحف في ميزان التركيبة السكانية لصالح الملونين والأقليات قبل حلول النصف الثاني من هذا القرن.
وبهذا يحاول أصحاب هذا المشروع طرح أنفسهم كورثة لترامب أو كحراس للحفاظ على حضور خطابه لو قرر الترشح في 2024.
يرفد هذه المحاولة خطاب إعلامي مؤثر يهدف إلى استنفار هذه الفئات المتوجسة من الآخر، من خلال تخويفها مما يسميها "عملية استبدال" يقوم بها "اليسار الأميركي" من خلال جلب "الغرباء" أي المهاجرين، وتجنيسهم بغية ترجيح كفة الحزب الديمقراطي في الانتخابات.
وانطوى ذلك على تحريض مبطّن ضد الأقليات المصنفة في خانة "الأجانب"، والتي تعرضت بعض جالياتها لعمليات ترهيب وانتقام دموي في الآونة الأخيرة، كما حصل ضد أميركيين من أصل آسيوي قتل 8 منهم في ولاية جورجيا الشهر الماضي.
في ضوء السوابق، ليس من المتوقع أن تنجح محاولة "تكتل أميركا أولاً". ففي 2010، نبت فجأة "حزب الشاي" من وسط الحزب الجمهوري، وأربك أجندة هذا الأخير وكاد أن يسيطر عليه. جاء ذلك حينها كرد على انتخاب الرئيس باراك أوباما قبل سنتين. لكن في النهاية كانت مسيرته قصيرة، بعدما تمكن الحزب الجمهوري من احتوائه.
لكن اليوم غير الأمس، الاصطفافات والمعطيات السياسية في أميركا تغيرت. التيار القومي الأبيض أخذ في زمن ترامب جرعة تجرؤ وتمكين من الاقتحام كما لم يسبق من قبل. اجتياح الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي كان نقلة نوعية غيرت الحسابات.
شبح العملية ما زال يحوم فوق المبنى الذي تحول منذ ذاك الوقت إلى شبه ثكنة عسكرية. ومع ذلك، تمكن مغامر قبل أيام من اختراقها ليقتل أحد رجال الشرطة عند الحاجز. وزاد من التوجس أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي(أف بي آي)، ما زال هو وغيره من الأمنيين، يشددون على وجوب التنبه لخطر "الإرهاب المحلي" المتزايد الذي يقوم به المتطرفون البيض.
ويضاف إلى المتغيرات أن الحزب الجمهوري منقسم على ذاته. قيادته التقليدية، على رأسها السناتور ميتش ماكونيل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تعمل بقوة لمحو إرث ترامب وتخليص الحزب منه. لكنّ كثيراً من رموزه في مجلسي النواب والشيوخ لم يخرج بعد من تحت عباءة الرئيس السابق، ولو أن حضور هذا الأخير بدأ يتلاشى خارج دائرة قاعدته الصلبة.
حتى اللحظة، ما زالت هذه الأطراف تعمل على عرقلة تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في عملية 6 يناير خشيةً من ردود فعل القاعدة المستنفرة بما فيه الكفاية والتي يمكن أن ترتد ضدها بإشارة من ترامب. كما أنها تتخوف من إمكانية اصطفاف هذه القاعدة وراء قيادة محافظة جديدة تتبنى الخط الترامبي، كالتي تحاول الآن الاستثمار في شعار "أميركا أولاً".
أثناء الحرب العالمية الثانية، رفعت جهات أميركية شعار "أميركا أولاً"، لمنع الرئيس فرانكلين روزفلت من دخول الحرب ضد ألمانيا. لكن المحاولة فشلت.
الآن، تحول هذا الشعار إلى أيديولوجيّة قوميّة متعصّبة في ساحة منقسمة إلى "أميركتين لا يمكن التوفيق بينهما" على حد تعبير باتريك بيوكانن، عميد التنظير للعودة إلى الزمن الأنكلو- ساكسوني الأميركي.
مع ذلك، يبقى أن نجاح أو فشل هذا التوجه يتوقف إلى حد بعيد على مدى نجاح أو تعثر رئاسة بايدن، التي احتفظت حتى الآن ببداية محلية واعدة.