أليكسي نافالني.. معارض سُمّم فسجن ثم أعلنت وفاته في سجون روسيا

أليكسي نافالني.. معارض سُمّم فسجن ثم أعلنت وفاته في سجون روسيا

16 فبراير 2024
تتصاعد الاتهامات للسلطات الروسية بالوقوف وراء عملية قتل نافالني (صفا كاراسان/الأناضول)
+ الخط -

في ظروف وملابسات غامضة، توفي المعارض الأشرس للكرملين أليكسي نافالني في سجن شديد الحراسة يقع في الدائرة القطبية الشمالية في مقاطعة يامال ننيتسك، لتتصاعد الاتهامات للسلطات الروسية بالوقوف وراء عملية "قتل" المعارض. وما يعزز الشكوك في قتله أن نافالني كان قد تعرض للتسمّم عام 2020، لكنه نجا من الموت حينها.

لنافالني مسيرة طويلة في معارضة الكرملين وسياساته. السياسي الروسي المولود في 4 يونيو/ حزيران 1976 في منطقة أودينتسوفو، غربي مقاطعة موسكو، درس في كلية الحقوق في جامعة "الصداقة بين الشعوب في روسيا"، كما التحق عن طريق المراسلة، بكلية المالية والائتمان التابعة للأكاديمية المالية الروسية (تخصص أعمال الأوراق المالية والبورصات)، وتخرّج منها عام 2001.

نشاطه العلني ضد السلطات الروسية برز منذ عام 2004، عندما أسّس "لجنة حماية سكان موسكو" التي كان أحد قادتها، وهي حركة على مستوى المدينة لمعارضي الفساد وانتهاكات حقوق المواطنين أثناء البناء في موسكو. عام 2005، أصبح مع ماريا غايدار وناتاليا مورار وآخرين مؤسساً لحركة الشباب "نعم!" ("نعم! - البديل الديمقراطي"، "نعم! لحرية الإعلام!").

في عام 2006، بدأ تقديم برنامج "سجلات التخطيط الحضري" على إذاعة "صدى موسكو" المعروفة بمواقفها ضد الكرملين. وفي يونيو/حزيران 2007، كان أحد مؤسسي حركة "الشعب". وفي عام 2008، أسس المنظمة العامة "اتحاد المساهمين الأقلية"، التي تحمي حقوق المستثمرين في القطاع الخاص، وعمل بنشاط على مشكلة زيادة شفافية نفقات الاحتكارات الطبيعية.

في نوفمبر 2010، عقدت لجنة هلسنكي التابعة للكونغرس الأميركي، برئاسة السيناتور بنجامين كاردين، جلسات استماع حول الفساد في روسيا، وكان نافالني أحد المتحدثين باللغة الروسية في جلسة الاستماع، ونشرت شهادات المتحدثين في جريدة الكونغرس، وكتبت "غازيتا.رو" أن "التوصية الرئيسية التي قدمها نافالني للأميركيين هي التطبيق الأكثر صرامة للقوانين الأميركية التي تهدف إلى حماية الممتلكات ومكافحة غسل الأموال"، وادعى نافالني أن اللجنة تفاعلت إيجاباً مع هذه الفكرة.

في 20 مارس/ آذار 2014، أثناء ضم روسيا شبه جزيرة القرم، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً لنافالني طالب فيه بفرض عقوبات إضافية على "الدائرة الداخلية للرئيس فلاديمير بوتين". وعلى وجه الخصوص، دعا نافالني الدول الغربية إلى تجميد الأصول المالية ومصادرة ممتلكات كبار رجال الأعمال الروس.

أعدّت مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد قائمة موسعة بالأشخاص الخاضعين لعقوبات الاتحاد الأوروبي،  ونُشرت هذه الوثيقة على الموقع الإلكتروني لتحالف "الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا".

منذ بداية العقد الأول من القرن الـ21، كان نافالني متهماً ومدّعى عليه وشاهداً في عدد من القضايا الجنائية والإدارية والمدنية والتحكيمية، التي تعتبرها المنظمات الحقوقية الدولية ذات دوافع سياسية، وأبرزها قضية "كيروفليس" وقضية "إيف روشيه".

وقضية "كيروفليس" هي محاكمة جنائية اتُّهم فيها نافالني ورجل الأعمال بيوتر أوفيتسيروف بسرقة ممتلكات مؤسسة "كيروفليس" المملوكة للدولة خلال الفترة التي عمل فيها نافالني مستشاراً لحاكم منطقة كيروف نيكيتا بيليخ عام 2009. وفي 18 يوليو/ تموز 2013، وجدت محكمة مقاطعة لينينسكي في كيروف أن نافالني وأوفيتسيروف مذنبان، وحكمت عليهما بالسجن لمدة خمس وأربع سنوات على التوالي. وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، استبدلت محكمة كيروف الإقليمية عقوبة السجن، بالسجن مع وقف التنفيذ.

وتعتبر العديد من وسائل الإعلام، فضلاً عن سياسيين، أن قضية "كيروفليس" ذات دوافع سياسية، معتبرين أنها قمع للمعارضة من السلطات. ووصفها مسؤول ألماني بأنها "محاكمة صورية"، وقال إنه نتيجة لذلك، أصبح نافالني ملاحقاً سياسياً على المستوى الفيدرالي. وكان للقضية صدى شعبيّ كبير، مما سبّب انتقادات للنظام القضائي الروسي واحتجاجات.

في القضيتين، حكمت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لمصلحة نافالني، وأعلنت تزوير القضيتين. اعترفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أيضاً بسبع حالات من الاعتقال والاعتقال الإداري لنافالني بين 2012 و2014 على أنها ذات دوافع سياسية. في المجمل، فاز نافالني بـ6 شكاوى ضد السلطات الروسية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمبلغ إجمالي قدره 225 ألف يورو.

في نشاطه السياسي، ترشح لانتخابات عمدة موسكو عام 2013، واحتل المركز الثاني بعدما حصل على 27.24 في المائة من الأصوات، وخسر أمام سيرغي سوبيانين. ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، ترأس المجلس المركزي لحزب "روسيا المستقبل". وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، أعلن  نيّته المشاركة في الانتخابات الرئاسية الروسية، التي جرت في مارس/ آذار 2018.

ووفقاً لصحيفة "فيدوموستي"، كان السياسي الوحيد الذي أجرى حملة انتخابية كاملة في عام 2017، ولكن في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2017، رفضت لجنة الانتخابات المركزية تسجيله بسبب سجله الجنائي البارز في البلاد، ولا سيما قضية "كيروفليس". وفي 2017-2018، كان زعيماً لحركة الاحتجاج الجماهيرية في روسيا.

في عام 2009، اعترفت بنافالني صحيفةُ "فيدوموستي" باعتباره "شخصية العام". وفي عامي 2012 و2021، صنفته مجلة "تايم" ضمن أكثر 100 شخص تأثيراً في العالم، وفي يونيو 2017، ضمن أكثر 25 شخصاً تأثيراً على الإنترنت.

وفي عامي 2017 و2019، تم اختياره أفضل سياسي لهذا العام وفقاً لـ"فيدوموستي". ووفقاً لمركز أبحاث "رومير"، احتل في خريف عام 2020 المركز الرابع في تصنيف ثقة الروس، بعد أن ارتفع من المركز التاسع عشر في ستة أشهر.

وفي تاريخ 20 أغسطس/ آب 2020، دخل نافالني في غيبوبة نتيجة التسمم بمادة حربية كيميائية، من نوع نوفيتشوك. من 20 إلى 22 أغسطس، كان في قسم السموم في مستشفى في أومسك، ومن 22 أغسطس إلى 22 سبتمبر/ أيلول، عُولج في مستشفى في برلين، وبعد خروجه من المستشفى خضع لإعادة التأهيل في ألمانيا.

أحدث تسميم نافالني ردوداً دولية ووطنية، واعتبر الاتحاد الأوروبي وبريطانيا 6 مسؤولين روس رفيعي المستوى، وحكومة روسيا، متورطين في محاولة اغتيال نافالني باستخدام الأسلحة الكيميائية، وفرضت عقوبات عليهم. ورفضت السلطات الروسية الاتهامات بالتورط في تسميمه.

في 17 يناير 2021، بعد العلاج في ألمانيا، عاد نافالني من برلين إلى موسكو، فقُبض عليه أثناء مروره عبر مراقبة الجوازات في أحد مطارات موسكو. وفي 2 فبراير/ شباط 2021، استبدلت محكمة سيمونوفسكي في موسكو حكم نافالني مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات و6 أشهر في قضية "إيف روشيه" بحكم حقيقي، يقضي بسجنه في مستعمرة للنظام العام لمدة عامين و8 أشهر. واعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة ميموريال، وبعض قادة الدول الغربية، بالإضافة إلى عدد من وسائل الإعلام الروسية والأجنبية، أن سجن نافالني له دوافع سياسية. وفي مايو 2021، منحت منظمة العفو الدولية الحقوقية نافالني وضع "سجين رأي".

في أكتوبر 2021، منح البرلمان الأوروبي نافالني جائزة ساخاروف، وهي جائزة الاتحاد الأوروبي الرئيسية لحقوق الإنسان. وفي عام 2022 رُشّح لجائزة نوبل للسلام.

في 22 مارس 2022، حكمت محكمة مقاطعة ليفورتوفو في موسكو على نافالني بالسجن تسع سنوات في مستعمرة شديدة الحراسة بتُهم الاحتيال على نطاق واسع، وازدراء المحكمة. وفي 4 أغسطس 2023، حكمت محكمة مدينة موسكو على نافالني بالسجن 19 عاماً أخرى في مستعمرة خاصة للنظام بتهمة إنشاء مجموعة متطرفة، وتمويل الأنشطة المتطرفة، والدعوة إلى التطرف على الإنترنت.

المساهمون