ألمانيا: فوز حزب البديل شرقاً مؤشر إلى مصاعب وقف صعوده فيدرالياً

02 سبتمبر 2024
أعضاء وعناصر حزب البديل من أجل ألمانيا يحتفلون بنتائج ساكسونيا، 1 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **صعود حزب البديل من أجل ألمانيا:** حقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف نتائج مذهلة في انتخابات تورينغن وساكسونيا، متجاوزاً 32% و30% على التوالي، مما يعكس تزايد شعبيته ونفوذه المستقبلي المحتمل.

- **تأثير الانتخابات على السياسة الألمانية:** الانتخابات التي شملت 4.5 ملايين مواطن بنسبة تصويت 74% تُعدّ مؤشراً حاسماً، مما يضع الأحزاب التقليدية في موقف صعب مع اقتراب الانتخابات التشريعية العامة.

- **التحديات والتحالفات المستقبلية:** تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم منح "البديل" النفوذ السياسي، لكن الحزب يستفيد من الأزمات الحالية، مما يعقد تشكيل التحالفات السياسية ويجعل "البديل" تحدياً كبيراً على المستوى الوطني.

مع أن النتيجة كانت متوقعة في الاستطلاعات التي سبقت انتخابات أمس الأحد في ولايتي تورينغن وساكسونيا في شرق ألمانيا، فإن الفوز الذي يحققه حزب البديل من أجل ألمانيا المصنف استخباراتياً بأنه يميني متطرف، ويمكن قانونياً وصف زعيمه في تورينغن بيورن هوكه بالفاشي، يجعله يتجاوز أحزاباً سياسية عريقة. وبصعوده الصاروخي خلال نحو عشر سنوات تقريباً، أصبح الحزب المثير للجدل الأكبر بلا منازع في ولاية تورينغن، بتحقيقه نتيجة تفوق 32%، متجاوزاً نسبته السابقة في 2019 التي حقق فيها أكثر بقليل من 9%، وهي النسبة ذاتها التي تجاوز فيها أمس يمين الوسط في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. أما نتائج ساكسونيا، بتحقيقه نحو 30%، فجعلته يحل ثانياً بعد "المسيحي الديمقراطي"، وليس بفارق أكثر من 2% تقريباً. وبهذه النتيجة، يتجاوز يسار الوسط "الاجتماعي الديمقراطي"، وعموم اليسار الألماني.

ومع أن انتخابات أمس كانت تمسّ حوالي 4.5 ملايين مواطن يحق لهم التصويت في الولايتين الشرقيتين، وبنسبة تصويت بلغت قرابة 74%، فمن الواضح أن الحزب الذي يُعدّ أكثر تطرفاً على المستوى الأوروبي، يستطيع أن يعتبر نفسه أنه متجه كي يكون الأكثر شعبية بين الأحزاب الألمانية في الشرق. ومن ناحية أخرى، تُعدّ النتيجة الجديدة لـ"البديل" مؤشراً لا يمكن تجاهله من الطبقة السياسية في ألمانيا قبيل نحو عام إلى الانتخابات التشريعية العامة للبرلمان الاتحادي (بوندستاغ). وأهمية ما يجري عنونه أمس الصحافي الألماني ديريك كوربغويت في عموده بمجلة دير شبيغل باعتباره "يوماً حاسماً يمكن أن يغير السياسة الألمانية إلى الأبد".

فتحقيق هوكه، مع رفاقه في حزب التطرف، هذا المستوى من النجاح، يُعتبر بمثابة هزة مؤثرة بين نحو 14 مليون مواطن في شرق البلاد، وخاصة مع تزايد الشعبية بين الأجيال الشابة، بما يُعدّ نذير نفوذ مستقبلي يراهن عليه الرجل ورفاقه في "البديل" لاقتحام الساحة الفيدرالية في عموم ألمانيا، وليس فقط في الولايات الخمس الشرقية. النذير واضح بتحقيق الفوز في تورينغن وساكسونيا، وقبل عشرين يوماً من انتخابات مماثلة في ولاية ثالثة هي براندنبورغ. ويمنح تحول "البديل من أجل ألمانيا" إلى ثاني أكبر الأحزاب، قدراً كبيراً من الثقة، إذ ينتظر تحقيق النتيجة ذاتها في براندنبورغ، ويمكنه نظرياً المنافسة لدخول السلطة المحلية (أي في حكومات الولايات المحلية)، أو الاستفادة من النجاح في مسائل هامة، ولعل أكثرها طموحاً هي عمليات انتخاب القضاة في المحاكم الدستورية في الولايات.

من ناحيتها، تعهدت الأحزاب الأخرى في هذه الولايات الشرقية بعدم منح "البديل" النفوذ السياسي. ومع ذلك، وحتى وإن لم يترجم الحزب ثقله السياسي على المدى القصير، فهو يلعب على مراكمة قوته السياسية بالنقاط، مستفيداً من أزمات ائتلاف الحكم بين الاجتماعي الديمقراطي، واليسار، والأحرار الليبرالي بزعامة المستشار أولاف شولتز، وعلى وجه التحديد من حالة الإرهاق من انخراط البلد في العسكرة وفي الحرب الأوكرانية. ويهدف "البديل" إلى مراكمة تلك النقاط لفرض نفسه على المستوى الاتحادي في انتخابات تشريعية في سبتمبر/ أيلول من العام المقبل.

وأمام "البديل من أجل ألمانيا" نماذج أوروبية أخرى لتجاوز تعهدات الطبقة السياسية عزله أو وضعه في مجمدات السياسة، كما حدث في إيطاليا مع "إخوة إيطاليا" شبه الفاشي، بزعامة جيورجيا ميلوني، ومع "الفنلنديين الحقيقيين"، في اقتحام عالم الحكم، إضافة إلى تجربة فك التجميد عن "ديمقراطيو السويد" اليميني المتشدد في بعض قضايا التعاون مع يمين الوسط. وفي هذا المجال، يؤكد الاتحاد الديمقراطي المسيحي أنه لن يتعاون مع "البديل". وشدد رئيس حكومة ولاية ساكسونيا مايكل كريتشمر، من "الديمقراطي المسيحي"، على أن "حزب البديل من أجل ألمانيا" "يحرّض على الكراهية، ويتحدث بشكل سيئ عن الدولة الفيدرالية، ولديه صورة متخلفة وصادمة عن النساء والمهاجرين وذوي الإعاقة"، مستبعداً التعاون معه في السنوات الأربع المقبلة.

إلى ذلك، تبرز وسط هذه التطورات السياسية الآتية من صفوف اليسار سارا فاغنكنشت، التي شكلت قبل أقل من عام حزب "تحالف سارا فاغنكنشت"، كلاعب حاسم. فهذا الحزب يثير اهتماماً بتحقيقه نحو 16% في ولاية تورينغن، ونحو 12% في ساكسونيا، ويعقد بذلك على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي تجاوزه إذا كان يريد تشكيل ائتلاف بدون "البديل". لكن حزب فاغنكنشت، المصنف "يسار شعبوي"، يصعب عليه الاتفاق على كثير من القضايا التي يتبناها "المسيحي الديمقراطي"، وعلى وجه التحديد قضايا الهجرة، والتوزيع العادل للثروات، ومكافحة الفجوات الاجتماعية بين الأثرياء والفقراء. ومرة أخرى تلعب الحرب الأوكرانية دوراً في تباعد الحزب مع يمين الوسط. فقد أكدت فاغنكنشت القول: "لن نشارك إلا في حكومة ولاية تتخذ أيضاً موقفاً واضحاً لصالح الدبلوماسية وضد الاستعدادات للحرب". ومن الصعب على المسيحي الديمقراطي قبول كل ما تطرحه إلا إذا قدم بعض التنازلات، حيث إن رئيس حكومة ساكسونيا من ذلك الحزب كريتشمر، تحدث لصالح تكثيف الجهود الدبلوماسية تجاه روسيا. أما في ولاية تورينغن، فقد يضطر الديمقراطيون الاجتماعيون للائتلاف مع المسيحيين الديمقراطيين وحزب الخضر.

عموماً، تقدم نتائج الولايتين، ساكسونيا وتورينغن، تصوراً أو بروفة لما يمكن أن تؤول إليه الساحة السياسية الألمانية إذا بقيت الأمور على حالها خلال سنة من الآن. فحزب البديل من أجل ألمانيا يثير قلقاً في تقدمه المتواصل ليس فقط على مستوى شرق ألمانيا، بل بما يمكن أن يحوله على المستوى الوطني الاتحادي إلى تحدٍّ للطبقة السياسية على مستوى تثبيت حالة تجميده وتهميشه، أو الدفع به بعيداً عن مواقع النفوذ والتأثير في صناعة السياسات الألمانية الحيوية والمؤثرة على المشهد الأوروبي ككل.