أقليات العراق... بحث عن قانون يحميهم في زمن المحاصصة

14 سبتمبر 2024
أيزيدية أمام معبد لالش في نينوى، 2021 (إسماعيل عدنان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تشريع قانون لحماية الأقليات**: يتصدر الحديث في العراق حول ضرورة تشريع قانون يحفظ الحريات الخاصة والمعتقدات للمكونات الدينية الأقلية مثل المسيحيين والصابئة والشبك والأيزيديين، بعد تشريع قوانين لم تأخذ بالاعتبار التنوّع الديني والمذهبي.

- **مشروع قانون الأقليات**: كشف عضو البرلمان العراقي عن مشروع "قانون الأقليات" لتعزيز حقوق الأقليات وضمان حمايتها، ويشمل بنوداً تتعلق بحماية حقوق الأفراد وضمان حصولهم على الوظائف الحكومية.

- **التحديات والمخاوف**: رغم ضمان الدستور لحماية المكونات بالتساوي، إلا أن سياسات الأحزاب والمجموعات المسلحة كرّست المحاصصة والطائفية، مما يشعر الأقليات بالقلق، وزاد من تهميشها.

يتصدر الحديث في العراق على نحو متواصل منذ أسابيع، عن وجود ضرورة لتشريع قانون يحفظ الحريات الخاصة والمعتقدات للمكونات الدينية الأقلية، والذي تأمل بعض أقليات العراق والأطراف السياسية من المسيحيين والصابئة والشبك والأيزيديين تقديمه للبرلمان وإقراره. هذا الحديث السياسي المتصاعد جاء عقب تشريع العراق خلال العامين الماضيين حزمة من القوانين التي لم تأخذ بالاعتبار التنوّع الديني والمذهبي والثقافي في البلاد، كان من أبرزها حظر بيع وصناعة واستيراد الخمور، وسنّ قانون العطل الدينية، وأخيراً السعي إلى تشريع قانون الأحوال الشخصية الذي يحمل في طياته الكثير من المشكلات بالنسبة إلى أقليات العراق المتعلقة بفرض اللون الديني على القانون. يضاف إلى ذلك استمرار انتشار الفصائل المسلحة في مناطق الغالبية العربية المسيحية بسهل نينوى وشرق الموصل، والتضييق بسبب هذا الوجود المسلح، وتعثّر الحكومات المتعاقبة في تعويض الضحايا عن منازلهم وأراضيهم التي فقدوها بسبب العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في السنوات الأخيرة.

أقليات العراق تشعر بالإبعاد

هذه الشرائح من المجتمع العراقي باتت تتعامل مع الأمر الواقع، وتسعى إلى إيجاد قانون يحمي أقليات العراق وخصوصيتها الدينية، خصوصاً مع شعورها بأنها مبعدة عن التأثير في القرارات السياسية والفعاليات الاجتماعية وعرضة للانتهاكات من العصابات المسلحة، في ظل التحديات الأمنية والسياسية التوسعية من قِبل أطراف سياسية تسعى إلى تحويل العراق نحو لون واحد، كما يقول نشطاء عن الأقليات.

أسامة البدري: مشروع القانون يضمن حصول أبناء الأقليات على الوظائف في المؤسسات الحكومية

وفي السادس من شهر سبتمبر/أيلول الحالي، كشف عضو البرلمان العراقي عن أقلية الصابئة المندائية، أسامة البدري، عن مشروع لـ"قانون الأقليات" لمناقشته داخل البرلمان، من دون أن يكشف عن محتوى هذا القانون أو تفاصيله، مشيراً إلى أن البلاد تضم تنوعاً دينياً ومذهبياً واسعاً، وأقليات العراق تنتظر مثل هذا القانون الذي يضمن دعم وحماية حقوقها ضمن المجتمع العراقي. وقال البدري، في تصريحات للصحافيين في بغداد، إن "قانون أقليات العراق يهدف إلى تعزيز حقوق الأقليات وضمان حمايتها"، مؤكداً أن "هذا القانون سوف يشمل بنوداً متعددة تتعلق بحماية حقوق الأفراد والمجتمعات المحلية، مع إجراء مناقشات موسعة حوله من قبل أعضاء في البرلمان". كما يضمن القانون، وفق شرحه، "حصول أبناء الأقليات على الوظائف في المؤسسات الحكومية كالجيش والشرطة والأمن والوزارات السيادية المختلفة".

وفي حديث آخر لـ"العربي الجديد"، أوضح البدري أن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد اجتماع ممثلي المكونات مع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، من أجل مناقشة مسودة قانون حماية الأقليات، وهي تُعتبر القراءة الأولى، ومن ثم يتم عرض مشروع القانون للقراءة الثانية". وبيّن أن "ممثلي كل المكونات العراقية الذين يندرجون ضمن ما يعرف بالأقليات يعتبرون هذا القانون مهماً بالنسبة إليهم، لأنه يسهم في دعم المكونات وحمايتها". وأضاف البدري، أن "أقليات العراق تشكّل نحو 10% من سكّان البلاد، والدستور العراقي يضمن حمايتهم من خلال مبدأ العدالة لجميع العراقيين"، مؤكداً أن "القانون سيمضي في اتجاه التشريع، ولا أعتقد أنه سيشهد عراقيل لأنه لا يتضمن أي جوانب مالية".

ويُقدّر عدد العراقيين وفق التقديرات الرسمية، بحوالي 44 مليون نسمة، وكانت نسبة الأقليات الدينية تُقدّر بنحو 10% من سكان العراق، غير أنه بعد الغزو الأميركي للعراق، انخفضت إلى نحو 5% بعد هجرات أخذت طابعاً جماعياً إلى خارج العراق نتيجة العنف والإرهاب والإخفاق الحكومي في حمايتهم خلال العقدين الماضيين. وعلى الرغم من تكفّل الدستور بحماية كل المكونات وإعطاء حقوقهم بالتساوي، إلا أن سياسات الأحزاب العراقية مصحوبة بالمجموعات المسلحة التي تنتمي بشكلٍ مباشر أو غير مباشر إلى هذه الأحزاب، كرّست مفاهيم المحاصصة والطائفية بدل الاعتبارات القانونية والحقوقية، ما يُشعر أفراد أقليات العراق بالقلق الدائم.

محاصصة وهجرة وخوف

عضو البرلمان العراقي عن مكون الشبك، وعد القدو، قال لـ"العربي الجديد"، إن "المحاصصة أدّت إلى مزيدٍ من إضعاف الأقليات، بالتالي فإن وجود قوانين تحمي حقوق أقليات العراق وتمنع عنهم الانتهاكات، هو أمر في غاية الأهمية". وأضاف القدو الذي يتصدر مع آخرين المطالبة بحقوق طائفة الشبك التي تتركز في نينوى شمالي العراق، أن "أقليات العراق تشعر بالتهميش والاضطهاد، مع غياب التمثيل الحقيقي لها على كل المستويات، لا سيما السياسية، مع العلم أن الدستور العراقي أكد أن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات والتمثيل وغيره".

يؤخذ على بعض القوى من الأقليات، أنها اختارت خلال السنوات الماضية التحالف مع الفصائل المسلحة

ولفت القدو إلى أن "الفترات الماضية شهدت تجاوزاً على الأقليات، من خلال محاولات الاستيلاء على أراضيها"، مبيناً أن "أقليات العراق عادة ما تدفع أثمان المشاكل الأمنية والإخفاقات السياسية، وقد تعرّضت لنكبات كثيرة، وتهجير لأكثر من مرة، فضلاً عن هدم منازلها وسرقتها وسبي النساء، لذلك فإنها جميعها تريد أن تحافظ على وجودها من خلال تشريعات حقيقية، ومعمول بها، وألا تكون حبراً على ورق".

غير أن قوى داخل الأقليات العراقية، يؤخذ عليها من قِبل مجتمعاتها، أنها اختارت خلال السنوات الماضية التحالف مع الأحزاب الكبيرة والفصائل المسلحة، وهذا الحال لا ينطبق على أقلية بعينها، بل يشمل أغلبية المكونات، في حين أن المواطنين من الأقليات يشعرون بالتهميش، خصوصاً أن شرائح واسعة منهم اختارت المنافي أو اللجوء في إقليم كردستان، ومنهم من بقي في مخيمات النزوح، على الرغم من مرور نحو سبعة أعوام على تحرير مناطقهم من سيطرة تنظيم داعش.

وفي وقتٍ سابق، قال بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو، لـ"العربي الجديد"، إنه "يتمنى ألا يصل اليوم الذي يكون العراق فيه خالياً من المسيحيين"، مبيناً أن "هذا احتمال وارد في ظل التمييز ضد المسيحيين المستمر من قبل جهات متعددة، من ضمنها مليشيات مسلحة وأحزاب فاسدة، وغياب الخدمات وفرص العمل ورؤية واضحة للمستقبل"، مضيفاً أن "السبب الرئيسي في استمرار نزوح آلاف الأسر المسيحية من سهل نينوى ومناطق أخرى شمالي العراق، يعود إلى هيمنة الجماعات المسلحة وغياب الإعمار في مناطقهم". وحذّر ساكو من أن "هذه المليشيات والعصابات تمثل خطراً على المجتمع العراقي ككل، وعلى المسيحيين بصفتهم أقلية"، معتبراً أن "وجودها يجعل المواطن المسيحي يخشى العودة إلى منزله الذي تهجّر منه، فضلاً عن غياب المدارس والخدمات الصحية".

من جهته، قال الناشط السياسي من محافظة نينوى سنان الشماس، إن "مسيحيي العراق، ومكونات أخرى من أقليات العراق المتعددة، يشعرون بأنهم أقلية ضعيفة، مع وجود استغلال سياسي لمعاناتهم، وفي الحقيقة هذه المكونات تزداد أقلية من جرّاء مصادرة وجودها الاجتماعي ومواقفها وتوجهها السياسي"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأقليات تدعم القوانين التي تحمي حقوقها، لكن في الوقت نفسه، هناك خشية من آلية تطبيق القوانين". وأضاف الشماس أن "القانون الذي تحدث عنه بعض أعضاء مجلس النواب، كنا قد سمعنا عنه في أكثر من مناسبة، لكننا بصراحة لم نطلع عليه كاملاً، لكن ما وصل إلينا عنه أنه يهدف إلى حماية ممتلكاتنا وضمان حصولنا على الوظائف وعدم التجاوز على معتقداتنا، وأمور أخرى". ولفت إلى أن "الأحزاب الكبيرة الموجودة حالياً، وما تملك من أجنحة مسلحة، لا تمنح المساحات الكافية لنا للتعبير عن مواقفنا، كما أن كثيراً منا اختار الهجرة، في حين أن مشكلات مثل النزوح وصناعة بدائل سياسية عن الأقليات، ذلك وأكثر يشعرنا بأن إرادة عراقية وربما غير عراقية تريد تحويل البلاد إلى لون واحد".

وفي فبراير/شباط الماضي، أثار قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء حصة الأقليات الدينية والعرقية في برلمان إقليم كردستان العراق، الكثير من الجدل، إذ اعتبره سياسيون وحقوقيون "إقصاء وتهميشاً" لدور تلك المجتمعات الصغيرة في الحياة العامة، وانتقاصاً لحقوقها، من خلال تقسيم إقليم كردستان إلى أربع دوائر انتخابية، وتقليص عدد مقاعد برلمانه من 111 مقعداً إلى 100 مقعد، بعد أن قضت بعدم دستورية عدد مقاعد "الكوتا" (حصة الأقليات).