على الرغم من الجهود التي بذلتها دولة قطر مع تركيا من أجل إعادة تشغيل مطار كابول، والذي بدأت تعود له الحياة بالفعل تدريجياً في الأيام الأخيرة، إلا أنّ ذلك لم يحل دون بقاء هذا المنفذ الأساسي لأفغانستان مع العالم الخارجي، محور جدل لا سيما بشأن من سيديره؛ تقنياً وأمنياً. ومما يزيد الأوضاع تعقيداً، رفض المجتمع الدولي إلى الآن الاعتراف بحكم حركة طالبان، والتواصل معها من أجل ترتيب الأوضاع على الأرض، والتي تشمل إعادة تشغيل المطار وتأمينه. وهو ما يبدو أنه دفع بنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للتأكيد أمس الثلاثاء، بأن بلاده لا يمكنها أن تتولى مسؤولية مطار كابول بلا اتفاق واضح وشامل، ولا سيما بشأن الجهة التي "ستتولى الجانب التقني وتلك التي ستتولى الجوانب الأمنية". وتزيد سياسة "الإنكار" التي تنتهجها بعض الدول اتجاه الوضع الجديد في أفغانستان والتي لا تقابلها أي سياسات بديلة، من جمود الوضع، على وقع تعاظم معاناة الأفغان الذين بات الملايين منهم بحاجة لمساعدات عاجلة اليوم. يأتي ذلك في الوقت نفسه الذي تواصل فيه إدارة الرئيس جو بايدن الدفاع عن انسحابها من أفغانستان، فيما كانت حركة طالبان تجدد التأكيد على أنها تريد "علاقات طيبة مع دول العالم"، في محاولة لحث المجتمع الدولي للانفتاح عليها ومساعدتها في تمكين سلطتها.
بن عبد الرحمن: عزل أفغانستان ومقاطعتها ليسا حلاً
وقال وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، في الدوحة أمس الثلاثاء، إن عزل الحكومة الحالية في أفغانستان ليس حلاً، وإن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الدوحة، التي تلعب دوراً أساسياً في الحل الأفغاني، لن تتولى مسؤولية مطار كابول من دون اتفاق واضح تشارك فيه جميع الأطراف المعنية. وأشار إلى أن قطر عملت مع تركيا "لإعادة تأهيل مطار كابول، وما زالت هناك صعوبات فنية، ونحتاج أيضاً إلى اتفاق بهذا الشأن". وتابع "نحتاج إلى التأكد من أن كل الأمور جرت معالجتها بشكل واضح، وإلا لن نتمكن من تحمل أي مسؤولية في مطار كابول". وأوضح أن الأمور الآن لا تزال رهن المفاوضات "لأننا نحتاج إلى اتفاق واضح للجميع... ولكل الأطراف؛ من يتولى مسؤولية الجانب التقني فيه، ومن يتولى مسؤولية الجوانب الأمنية". وأشار إلى احتمال التعاون مع الدول الأخرى في ذلك عند الحاجة و"لكن حتى اللحظة، فإن المحادثات جارية فقط بيننا وبين تركيا وطالبان". ودعا بن عبد الرحمن، إلى "التحاور مع الأفغان وحكومة طالبان"، مؤكداً أن "الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع ولا يمكن أن نترك بلداً عاش هذه الصعوبات وحيداً". وعن محادثاته مع نظيره الإسباني، قال بن عبد الرحمن "ناقشنا ضرورة تضافر الجهود الدولية للتعامل مع التطورات في أفغانستان وأهمية الموقف الدولي الموحد بشأن المساعدات". وأضاف "أكدنا أهمية فصل المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان عن أي موقف سياسي".
بدوره، قال ألباريس إن بلاده قلقة إزاء الوضع الراهن في أفغانستان، لافتاً إلى أن إسبانيا ستواصل التعاون مع دول الجوار في الشأن ذاته. وأوضح أن هناك إجماعاً أوروبياً على "حرية السفر لمن عملوا معنا... نريد ضمان وصول المساعدات إلى أفغانستان وضمان حقوق الإنسان"، مشيداً بالدور القطري في استقرار أفغانستان وإعادة تشغيل مطار كابول. وتعرّض مطار كابول لأضرار جسيمة خلال عملية إجلاء أكثر من 120 ألف شخص والتي انتهت بانسحاب القوات الأميركية في 30 أغسطس/آب الماضي. وتسعى طالبان لإعادة تشغيله بمساعدة فنية من عدة دول. وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في جلسة حول الانسحاب من أفغانستان أمام الكونغرس، كانت بدأت أول من أمس الإثنين واستؤنفت أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة تنسق "مع قطر وتركيا من أجل ضمان إعادة تشغيل مطار كابول أمام الرحلات الجوية العادية".
وعلى الرغم من الوضع الذي خلفه الانسحاب الأميركي الذي وصفه كثيرون بالمتسرع والفوضوي، إلا أن بلينكن دافع في الجلسة عن الانسحاب من هذا البلد. ورد بلينكن على الاتهامات حول عدم الاستعداد بشكل كاف للانسحاب التي أتى بعضها من صفوف المعسكر الديمقراطي أيضاً وليس الجمهوري فقط، بشن هجوم مضاد عبر تحميله الرئيس السابق دونالد ترامب المسؤولية الكبرى عن الوضع. وقال "لقد ورثنا مهلة لكننا لم نرث خطة". ورأى أن بايدن لم يكن لديه خيار آخر عند دخوله البيت الأبيض "إلا وضع حد للحرب أو الانخراط في تصعيد. وحركة طالبان كانت أقوى عسكرياً من أي وقت مضى". وأوضح أن "حتى أكثر التحليلات تشاؤماً لم تتوقع انهيار القوات الحكومية في كابول قبل انسحاب القوات الأميركية. وما من شيء يظهر أن بقاءنا لفترة أطول كان ليجعل القوات الأفغانية أكثر مقاومة واستقلالية". وأضاف "حضّرنا لعدد كبير من السيناريوهات" ما سمح برأيه في إجلاء 124 ألف شخص. وتابع "ملتزمون بإجلاء كل الأميركيين الراغبين في مغادرة أفغانستان"، مشيراً إلى أنه "سنواصل مساعداتنا إلى الشعب الأفغاني عبر وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية لا عبر الحكومة".
ودعا نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال الجلسة، إدارة بايدن إلى مزيد من الحزم في التعامل مع إسلام أباد التي غالباً ما اتُهمت على مدار السنوات العشرين الماضية بدعم حركة طالبان. ورداً على دعوة النواب، قال بلينكن إن أميركا "ستنظر في علاقتها مع باكستان في الأسابيع المقبلة لتقييم الدور الذي لعبته باكستان على مدى العقدين الماضيين، وأيضاً الدور الذي نريد أن نراها تلعبه في السنوات المقبلة وما الذي يتطلبه الأمر لعمل ذلك"، مشدداً على أنه "يجب أن نصر على أن تلتزم جميع الدول، بما في ذلك باكستان، بما يتوقعه المجتمع الدولي من حكومة تقودها طالبان قبل منحها أي شرعية أو أي دعم".
الاتحاد الأوروبي: ليس أمامنا خيار سوى التحاور مع طالبان
ولكن في المقابل، كانت أوروبا تعترف بأنه ليس أمامها من خيار سوى التحاور مع طالبان. إذ قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ: "الأزمة الأفغانية لم تنته بعد، ولكي تكون لدينا أي فرصة للتأثير على الأحداث، فلا خيار أمامنا سوى التحاور مع طالبان".
وكانت حركة طالبان تواصل أمس محاولة إبداء نوايا حسنة تجاه المجتمع الدولي، مجددة التأكيد على أنها تريد "علاقات طيبة مع دول العالم من دون الضغط علينا"، بحسب ما قال وزير الخارجية الأفغاني في حكومة تصريف الأعمال التابعة لطالبان، المولوي أمير خان متقي، في مؤتمر صحافي في كابول أمس. وأكد متقي أنه "منذ أربعة عقود، وللمرة الأولى، باتت أفغانستان كلها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، في يد واحدة". وأضاف متقي أن "هناك تحسنا أمنيا كبيرا في البلاد، لذا ندعو أصحاب الاستثمارات الخارجية لأن يأتوا إلى أفغانستان ويستفيدوا من هذه الفرصة". كما رحب متقي بالمساعدات الإنسانية التي يقدمها المجتمع الدولي في الفترة الراهنة، ودعا العالم إلى تقديم مزيد من الدعم، مشيراً إلى أنه "يجب ألا تعلق المساعدات الإنسانية بالقضايا السياسية".
وكانت طالبان قد أعلنت أمس أن متقي التقى السفير الصيني لدى كابول وانغ يو، وتحدث الطرفان حول الوضع في أفغانستان والعلاقات المستقبلية بين الدولتين. وقال القيادي في "طالبان"، المولوي أحمد الله وثيق عبر تويتر، إن السفير الصيني أعلن خلال اللقاء عن مساعدة إنسانية من قبل الصين بقيمة 15 مليون دولار.
في هذه الأثناء، وبينما تواصل طالبان ترتيب حكمها، كشفت مصادر عدة لـ"العربي الجديد" وموقع "بي بي سي" باللغة البشتوية، عن ملامح خلافات تصاعدت أخيراً بين قيادات في "طالبان" وحليفتها "شبكة حقاني"، بلغت حد العراك في القصر الرئاسي، وهو ما أدى إلى "حزن" نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، الملا عبد الغني برادر، وسفره إلى قندهار لإجراء مشاورات مع زعيم الحركة الملا هبة الله أخوند زاده.