بعد أسبوع تقريباً من سيطرة حركة "طالبان" على ولاية بانشير، وعلى مركزها مدينة بازارك، أفادت تقارير أوردتها بعض وسائل الإعلام الأفغانية بأن مقاتلي الحركة أعدموا عناصر من جبهة "المقاومة الوطنية" المعروفة بـ"مقاومة بانشير"، إلى جانب انتشار أعمال قتل وخطف في مناطق عدة في أفغانستان، ما أدى إلى حالة من الخوف في صفوف المواطنين، رغم أن الحركة نفت ضلوعها في أي من هذه العمليات، ووعدت بإجراء تحقيق.
وحيال قضية الإعدامات في بانشير، قال أحمد الله وثيق، عضو اللجنة الثقافية، وهو قيادي في الحركة، إن "كل تلك الأنباء لا أساس لها من الصحة"، نافياً إقدام الحركة على إعدام أي شخص في حالة غير الحرب.
واعتبر أن "هذه الأنباء جزء من الحملة الإعلامية من قبل بعض الجهات ضد "طالبان"".
وذهب وثيق إلى أبعد من قضية الإعدام، نافياً أنباء تحدثت عن قيام الحركة بطرد سكان بعض مناطق بانشير من منازلهم، مشيراً إلى أنه "لا يوجد أي نوع من الحرب في بانشير".
وأوضح أنه بعد كسر الخطوط الأمامية لمقاومة بانشير "لم يحدث داخل المدن أي نوع من الحرب، بالتالي كل ما قيل بشأن قتل وإعدام أبناء بانشير ادعاءات لا أساس لها من الصحة".
ونُشِر في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل مصور يظهر أحد المسلحين من "جبهة المقاومة" في بانشير، وهو بالزي العسكري، ويُدفع من قبل مسلحي "طالبان" نحو جانب من الطريق، ثم يطلق عليه النيران فيُردى قتيلاً.
ولم تعرف هوية القتيل، ولكن يبدو من زيه أنه مقاوم واستسلم وهو غير مسلح.
كما يظهر في التسجيل ذاته شخص آخر معتقل لدى "طالبان"، وهو يصرخ ويخرج بطاقة هويته ويقول "أنا لست عسكرياً"، غير أن مسلحين يقتادوه وهو مكبل اليدين إلى مكان مجهول.
في مقابل نفي الحركة هذه الأنباء، أكد موقع "أماج نيوز" الأفغاني أن الحادث وقع في مديرية عنابه المجاورة لمدينة بازرك عاصمة ولاية بانشير.
كذلك، أكدت "جبهة المقاومة" أن مسلحي "طالبان" أعدموا شقيق نائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، ويدعى روح الله عزيزي صالح، بعدما استسلم.
وقال عبد الله صالح، ابن أخ أمر الله صالح، إن عمه أعدم بيد "طالبان" قبل يومين في بانشير، والآن لا تسمح لهم الحركة بتشييع جثمانه. وكان شقيق صالح يقود إحدى جبهات القتال في بانشير ضد الحركة.
غير أن حركة "طالبان" نفت كذلك خبر إعدام صالح، وأكدت أنه قتل خلال المعارك.
اعتقالات وخطف في كابول
أحداث مشابهة وقعت في كابول، إذ قام مسلحون باعتقال حاكم ولاية بكتيا الجنوبية حكم خان حبيبي، وبعد ساعة من اختطافه وجد أمام منزله وقد أطلق عليه النار، وضرب بشكل عنيف بالسكاكين، وفي حالة حرجة.
وقالت أسرة الرجل إن "طالبان" اعتقلته، لكن الأخيرة أعلنت أن لا علاقة لها بالقضية وأنها تحقق فيها.
وسبق كل تلك الأحداث حادثُ قتل أحد رموز السلفية، وهو عالم الدين المولوي عبيد الله متوكل، في كابول، وذلك بعد اعتقاله من قبل "طالبان"، كما يقول أنصاره وأفراد عائلته.
وكانت "طالبان" قد التزمت الصمت بعد اعتقاله في الـ17 من الشهر الماضي، لكن بعدما قتل الرجل وبشكل مخيف، وتحت التعذيب، قالت الحركة إن الحادث لا علاقة لها به، وإنها تجري التحقيق فيه.
مداهمات وقتل في قندهار
في شأن ذي صلة، أعلنت الحكومة المحلية في قندهار أن مسلحين مجهولين قاموا خلال يومين ماضيين بقتل خمسة من عناصر الشرطة السابقة بعد إخراجهم من منازلهم، الأمر الذي نفت صلتها به حركة "طالبان"، مؤكدة أن لا علاقة لها بمثل هذه الأحداث وأنها تحقق فيها.
وفي قندهار كذلك، تعرض منزل ناشطة بارزة، وهي رئيسة المؤسسة الخيرية "هيله"، فهمية رحمتي، لمداهمة من قبل مسلحين.
وقالت الناشطة إن "طالبان" داهمت منزلها مرتين ليلة السبت، واعتقلت عدداً من أقاربها وأفراد عائلتها من دون توجيه أي تهمة.
ولفتت إلى أن الحادث وقع على مرحلتين، إذ جرت مداهمة منزلها في مدينة قندهار مرتين، وجرى الاعتداء عليها بالضرب. وأوضحت، في تسجيل مصور، أن قوات "طالبان" دخلت المرة الأولى إلى منزلها وأخرجت جميع النساء والأطفال، ثم اعتدت عليها بالضرب.
وأضافت أنه في المرة الثانية دخل مسلحو "طالبان" منزلها واعتقلوا اثنين من إخوانها وزوج أختها، وعدداً من أقاربها الآخرين.
وأردفت أن "طالبان" فتشت منزلها بشكل كامل، واستولت على جوالات جميع أفراد العائلة، لافتة إلى أنه في حال كانت على أفراد عائلتها أي قضية فكان من المفترض أن تسجل الدعوى ضدهم.
كما ذكرت الناشطة أنها لاحقاً علمت أن أخاها الصغير، ويدعى ميلاد، أُطلقت عليه النيران وقتل. وأكدت أن باقي من تم إلقاء القبض عليهم متواجدون في مركز لقوات "طالبان".
وتساءلت الناشطة رحمتي، في التسجيل المصور، وقد ظهرت وهي منهارة من البكاء: "لمَ تقوم حركة "طالبان"، وهي الحكومة الآن، بإثارة الخوف والرعب في صفوف المواطنين؟"، مستدركة: "ألم تعلن العفو العام حتى عن العاملين في الحكومة، وإخواني وأنا لسنا من العاملين والموظفين في الحكومة".
وتقدم الناشطة فهمية رحمتي مساعدات إنسانية للفقراء في قندهار، إلى جانب تكفلها بمعالجة المرضى في مخيمات مختلفة، أقامتها مؤسسة هيله، جنوبي أفغانستان.
ورداً على إعلان الناشطة، أكد المكتب الإعلامي في حكومة قندهار أن مسلحين دخلوا إلى منزل الناشطة واعتدوا على أفراد العائلة، لافتاً إلى أن الحكومة المحلية بصدد التحقيق في القضية.
لكن الناشطة فهيمة تقول إن المسلحين الذين داهموا منزلها هم من حركة "طالبان"، إذ إن لديهم سيارات لا يمكن لأي جماعة مسلحة غير مسؤولة أن تتجول في المدينة على هذه الشاكلة، وبالإضافة إلى أن "طالبان" هي المسيطرة في المدينة بشكل كبير.
تحقيقات دولية
وأعربت رئيسة لجنة حقوق الإنسان الأفغانية شهر زاد أكبر عن استيائها الشديد حيال هذه التقارير، وطلبت من "طالبان" أن تتيح الفرصة لإجراء تحقيقات دولية.
من جهته، يقول الضابط السابق في الجيش الأفغاني، ويدعى عابد شاهين، لـ"العربي الجديد"، إن هذه القضايا مؤرقة ومقلقة، ونفي "طالبان" يشوبه الكثير من الغموض والشكوك.
ويوضح أن "البلاد الآن تحت حكم "طالبان"، ولا يمكن لأحد أن يحمل السكين، فكيف باعتقال ضباط وعسكريين وقتلهم كما حدث في قندهار، وكذا اعتقال عالم الدين المولوي متوكل، الذي يقول أنصاره إن "طالبان" اعترفت بعد اعتقاله بأن الرجل معها، وهي تحقق معه حول بعض القضايا، لكن بعدما قتل نفت ذلك".
ويضيف أن "النفي يشير إلى أمرين: إما أن هناك خلايا داخل "طالبان" تقوم بهذه الأمور وعلى الحركة أن تتصدى لها، وإما هي تفعل ذلك بنفسها، ولكن من أجل التصدي لغضب الشعب تنفي ذلك. وفي كلتا الحالتين المواطن هو الضحية".
ويشير الضابط إلى أن "الخوف والرعب انتشرا بين صفوف المواطنين، لا سيما الموظفين في الحكومة والجيش السابقين".