عبّر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة خالد خياري، الخميس، عن قلق الأمم المتحدة "إزاء أحداث الأسبوع الماضي في القدس، والتوترات المستمرة والعنف في الضفة الغربية المحتلة".
وقال خياري إنّ "وزير الأمن القومي الإسرائيلي الجديد إيتمار بن غفير كان قد زار في الثالث من الشهر الجاري بعض الأماكن المقدسة في القدس، وكانت هذه الزيارة القصيرة هي الأولى لوزير إسرائيلي للموقع منذ عام 2017"، وتابع: "على الرغم من أنّ الزيارة لم تؤد إلى مزيد من العنف، إلا أنه يُنظر إليها على أنها تحريضية، بشكل خاص في ظل دعوة سابقة للوزير بن غفير لتغيير الوضع الراهن".
وأشار مساعد الأمين العام للأمم المتحدة إلى إدانة السلطة الفلسطينية بشدة الزيارة، وأيضاً دول أخرى في المنطقة والمجتمع الدولي، باعتبارها استفزازاً يهدد بإراقة المزيد من الدماء، وقال إنه وعقب الزيارة "أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ومسؤولون إسرائيليون كبار آخرون أنّ الحكومة ملتزمة بالوضع الراهن، وقالوا إنّ الزيارة لا تمثل خروجاً عن شروطها ولا سابقة في ظل الوضع الراهن".
وأضاف أنه "كما رأينا مرات عديدة في الماضي، فإنّ الوضع في الأماكن المقدسة في القدس هش للغاية، وأي حادث أو توتر يمكن أن يتوسع ويسبب العنف في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة وداخل إسرائيل وفي أماكن أخرى في المنطقة". وكرر دعوة الأمين العام جميع الأطراف للامتناع عن الخطوات التي من شأنها تصعيد التوترات في الأماكن المقدسة وحولها، وأن يحافظ الجميع على الوضع الراهن، تماشياً مع الدور الخاص للأردن".
وأكد خياري أنّ الأمم المتحدة على اتصال وثيق بالأطراف المعنية لتهدئة الوضع، وستستمر بذلك خلال الأيام والأسابيع المقبلة، مشدداً على ضرورة "تشجيع جميع الجهود المبذولة لخفض التوتر، في وقت يجب رفض الاستفزازات والخطوات التحريضية والإجراءات أحادية الجانب والتهديدات بالعنف رفضاً قاطعاً".
بدوره، عبر المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة تشانغ جون، عن قلق بلاده من التطورات وزيارة بن غفير للأماكن المقدسة، وشدد على أنّ "إسرائيل يجب أن تتوقف عن الخطوات أحادية الجانب وخاصة في القدس"، كما شدد على ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن للأماكن المقدسة، مؤكداً أن بلاده تؤيد قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
ومن جهته، تحدث نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة روبرت وود عن استمرار التزام بلاده بحل الدولتين، مشيراً في الوقت ذاته إلى قلق بلاده تجاه أي تدابير أحادية الجانب من شأنها أن تفاقم التوتر وتقوض حل الدولتين، وأضاف أنه "من المهم أن يمتنع أي من الطرفين عن القيام بأي إجراءات استفزازية في الأماكن المقدسة في القدس، من خلال الخطابات أو الأفعال، وأي تصرفات أحادية تخل بالوضع الراهن غير مقبولة".
وعبّر عن قلق بلاده إزاء التوترات خلال الأشهر الماضية في الضفة والقدس، وشدد على ضرورة أن يعمل كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على استعادة الهدوء".
وفي مقابل مداخلة الدبلوماسي الأميركي المقتضبة، والتي حاولت أن تمسك العصا من وسطها، فإنّ مداخلة مندوب روسيا فاسيلي نيبينزيا كانت أوضح في انتقاد خطوة بن غفير، كما وجه من خلالها انتقادات إلى الجانب الأميركي، وقال إنه "لا يمكن أن نرى هذه الحادثة بمعزل عما يحدث في المجمل، ففي عام 2000، زار (أرئيل) شارون (الحرم الشريف) محاطاً بالمئات من رجال الشرطة، وهذه الزيارة كانت شرارة الانتفاضة الثانية، وأودت بأرواح الآلاف من الجانبين".
وشدد نيبينزيا على ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن للقدس كحاضنة للأديان السماوية الثلاثة، مضيفاً أنّ "التوتر في القدس يمكن أن يصبح مصدراً لزعزعة الاستقرار في المنطقة ككل (...) نؤكد على ضرورة امتناع الطرفين عن اتخاذ أي خطوات أحادية أو استفزازية وضبط النفس، ونأمل ألا يتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثاً أي خطوات من شأنها أن تعوق عملية السلام، كمصادرة أملاك الفلسطينيين وتدميرها".
وشدد على ضرورة العمل من أجل تجنب المواجهات لحل الوضع الراهن وتهيئة الظروف اللازمة لإعادة تدشين المفاوضات في إطار حل الدولتين، مضيفاً: "نشعر بإحباط وخيبة أمل لأنّ الزملاء الأميركيين في اللجنة الرباعية رفضوا التعاون لاستئناف عملية السلام، وحاولوا المراوغة واستغلالها لخدمة أهدافهم الخاصة وفرض نظرتهم على الفلسطينيين".
وأوضح مندوب روسيا أنّ "الحوار المباشر بين الطرفين يمكن أن يتم من خلال وساطة اللجنة الرباعية وهي الآلية الوحيدة المعترف بها دولياً (...) وهذا بالضبط هو فحوى مبادرة روسيا لعقد اجتماع بين الرباعية وممثلين لدول عربية".
ومن جهتها، أشارت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة باربرا وودورد، إلى أنّ "الزيارة التي قام بها الوزير الإسرائيلي يمكن أن تزيد من التوتر"، وشددت على ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم اتخاذ أي خطوات أحادية يمكن أن تغيره. ولفتت إلى أنّ موقف بلادها "واضح تجاه القدس، ويجب أن يحدد عن طريق المفاوضات بين الطرفين، وأن القدس عاصمة مشتركة للطرفين"، مؤكدةً بذلك التزام بلادها بحل الدولتين.
أما مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولاس دي ريفيير، فعبّر عن قلق بلاده العميق إزاء الزيارة الأخيرة لبن غفير إلى المسجد الأقصى، قائلاً: "يجب أن نفعل كل ما بوسعنا للحيلولة دون زيادة التصعيد الذي يمكن أن تكون له تبعات خطيرة على الأرض". كما عبر عن قلق بلاده من استمرار الاستيطان وتوسيعه، الذي يعيق تطبيق حل الدولتين.
أما اليابان، التي ترأس مجلس الأمن للشهر الحالي، فعبّر سفيرها إيشيكاني كيميهيرو كذلك عن قلق بلاده من زيارة بن غفير للمسجد الأقصى، وشدد على ضرورة ضبط النفس من جميع الأطراف، والعزوف عن أي موقف يمكن أن يغير الوضع الراهن. كما عبّر عن قلق بلاده من إعلان الحكومة الإسرائيلية نيتها توسيع الاستيطان، مشدداً على أن ذلك غير قانوني ويتعارض مع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، وحثّ إسرائيل على وقف كل تدابيرها الأحادية التي من شأنها أن تقوض حل الدولتين.
من جانبه، وفي مداخلته أمام مجلس الأمن، تساءل السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور، "متى سيحاسب مجلس الأمن إسرائيل ويتخذ خطوات ضد تجاهلها الكامل لحرمة حياة الفلسطينيين والأماكن المقدسة والقانون الدولي؟ إسرائيل تزدرينا وتزدري المجتمع الدولي برمته، ومع ذلك تقولون أشياء جميلة دون أن تتخذوا خطوات فعلية، يجب ألا يُفهم اعتدالنا على أنه من موقع ضعف (...) صبر شعبنا ينفد (...) إصرار إسرائيل على مسارها لن يؤدي إلى الاستسلام، بل إلى الانتفاضة، يجب التحرك الآن".
وأوضح السفير الفلسطيني أن ّ"بن غفير، هذا المتطرف الذي يشغل الآن منصب وزير، أُدين بسبب أفعاله العنصرية، ومعروف بآرائه المتطرفة والعنصرية، لم يقتحم الحرم الشريف بهدف الزيارة، بل يمضي قدماً بأجندة هدفها إنهاء الوضع التاريخي القائم، وعلى أساس هذه الأجندة تم انتخابه وانضم إلى الحكومة الإسرائيلية (...) هل قامت الحكومة الإسرائيلية بإدانة زيارته؟ على العكس تماماً".
وأضاف: "الحرم لن يسقط ولن يتمكنوا من السيطرة عليه (...) هم لا يدركون حساسية هذا الموقع المقدس للملايين حول العالم، بمن فيهم العرب والمسلمون وليس فقط الفلسطينيين"، مؤكداً أنه "لا سلام بدون القدس". وقال موجهاً حديثه إلى السفير الإسرائيلي، إنّ مجلس الأمن يجب أن يوقف إسرائيل، وفي حال لم يفعل ذلك، فإنّ "الفلسطينيين سيفعلون ذلك".
واعتبر منصور أنّ إسرائيل تريد أن تخلق سياسة الأمر الواقع في القدس، لكي تحول دون التفاوض عليها، مشيراً إلى الهجوم الإسرائيلي كذلك على المواقع المسيحية الفلسطينية المقدسة في القدس، بما فيها المقابر وتشويهها، مشدداً على أنّ جميع الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، يعانون من نفس سياسات الاستعمار الاستيطاني.
وختم السفير مداخلته متسائلاً عن الخطوات التي يريد المجلس اتخاذها إزاء إعلان الحكومة الإسرائيلية نيتها توسيع الاستيطان، مضيفاً أن تلك الخطوات العملية "أهم من الشجب، وأن الأفعال مهمة لا الأقوال فقط"، مؤكداً على أن الحكومة الإسرائيلية لن تغير مسارها إن لم تجبر على ذلك.
أما السفير الإسرائيلي جلعاد أردان، فعبر عن غضبه الشديد من انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن حول زيارة بن غفير، واصفاً الزيارة بأنها "مسالمة وعادية".