أزمة متصاعدة في إسرائيل عقب قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم

25 يونيو 2024
شبان من الحريديم يغلقون طريقاً احتجاجاً على تجنيدهم في الجيش، 1 إبريل 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإلزام تجنيد اليهود المتزمتين دينياً (الحريديم) ووقف الدعم المالي لمعاهدهم الدينية يثير غضباً شديداً ويعتبرونه تهديداً لتعلم التوراة.
- ردود فعل الحريديم تشير إلى تقسيم إسرائيل وتضع الحكومة ورئيس الوزراء نتنياهو تحت ضغط كبير، خصوصاً بعد فشل محاولات تمرير قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية.
- الأزمة تطرح تساؤلات حول مستقبل ائتلاف نتنياهو وإمكانية التوصل إلى حل وسط يحافظ على استقرار الحكومة ويحل الأزمة، مع إمكانية تجنيد الحريديم تدريجياً.

تشهد دولة الاحتلال الإسرائيلي بوادر أزمة آخذة في التصاعد بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، فرض التجنيد الإلزامي على اليهود المتزمتين دينياً (الحريديم) في معاهد تعليم التوراة، رغم محاولات الحكومة الحالية إعفاءهم من ذلك، ما أثار ردود فعل غاضبة في أوساطهم، انعكست من خلال وزراء ومسؤولين حريديم، اعتبروا أن القرار يقسم إسرائيل إلى "دولتين"، فيما اعتبره آخرون مؤسفاً ويشكل تهديداً لتعلّم "التوراة المقدّسة التي ستنتصر"، على حد تعبير مسؤول آخر.

وقبلت المحكمة العليا الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، بالإجماع وبقرار من تسعة قضاة الالتماسات المقدمة من عدة جهات إسرائيلية من أجل فرض التجنيد الإلزامي على الحريديم ووقف الدعم المالي المقدم للمعاهد الدينية اليهودية التي لا يؤدي طلابها الخدمة العسكرية والذين لم يحصلوا على إعفاء من الخدمة.

ووجه قضاة المحكمة التسعة انتقادات لسلوك الحكومة بشأن عدم تجنيد الحريديم، وكتبوا في قرارهم: "في خضم حرب صعبة، أصبح عبء عدم المساواة (أي إعفاء الحريديم مقابل تجنيد باقي شرائح المجتمع الإسرائيلي)، أكثر حدة من أي وقت مضى ويتطلب حلاً".

وأشار القضاة إلى أنه "في الوقت الحالي، لا يوجد إطار قانوني يسمح بالتمييز بين طلاب المدارس الدينية وأولئك الذين يتعين عليهم الالتحاق بالخدمة العسكرية. وبناءً على ذلك، لا تملك الحكومة السلطة لتوعز بتجنيب شامل لتجنيدهم، ويجب عليها التصرف وفقاً لأحكام قانون خدمة الأمن". وتقرر أيضاً أنه في غياب إطار قانوني، لا يمكن الاستمرار في تحويل أموال الدعم إلى المدارس الدينية والطلاب الذين لم يحصلوا على إعفاء أو الذين لم يتم تأجيل خدمتهم العسكرية.

وانتهى في أواخر يونيو/ حزيران 2023 سريان قانون منح الحريديم لسنوات طويلة إمكانية إرجاء الخدمة العسكرية وصولاً إلى إعفائهم منها بالكامل، وهو القانون الذي اعتبرته المحكمة العليا في قرار لها قبل سبع سنوات غير قانوني، نظراً للضرر الجسيم الذي يلحقه بالحق في المساواة في ما يتعلق بواجب الخدمة في الجيش، بمعنى أنه من غير العدل فرض الخدمة العسكرية على جزء من الإسرائيليين وإعفاء شرائح أخرى، في هذه الحالة "الحريديم".

وتلكأت الحكومة في سن قانون جديد بشأن التجنيد، وكانت تطلب في كل مرة من المحكمة مهلة إضافية حتى يتمكن الكنيست من تشريع قانون بديل. وحاولت الحكومة الحالية تمرير قانون يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية، لكنه واجه معارضة كبيرة في الشارع الإسرائيلي وكذلك من قبل أحزاب المعارضة الإسرائيلية، وحتى من أوساط داخل الحكومة نفسها، وهو ما خلق حالة من التوتر بين أحزاب الحريديم ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في ظل ضغطهم عليه لتمرير القانون. كما خالفت الحكومة القانون بإيعازها إلى الجيش بعدم إنفاذ قانون التجنيد على طلاب المعاهد الدينية.

وقبل نحو أسبوعين، صوّت الكنيست الإسرائيلي بأغلبية لصالح مقترح قانون تم طرحه سابقاً وقدّمه من جديد نتنياهو، يرمي إلى منع تجنيد الحريديم في الجيش، رغم المعارضة الواسعة للمقترح. وحصل القانون على تأييد 63 عضواً من أصل 120، وعارضه من داخل الحكومة وزير الأمن يوآف غالانت.

والتصويت على القانون لا يعتبر نهائياً، ولكنه مرحلة قبل عرضه على لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست لمناقشته، تمهيداً للمصادقة عليه في القراءتين الثانية والثالثة. وأصرّ نتنياهو، منذ الشهر الماضي، على طرح القانون، على الرغم من رأي المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا بوجود موانع قانونية للمضي فيه. واعتبرت بهراف ميارا أن المقترح ليس مناسباً للواقع الحالي، ولا يلبي طلبات واحتياجات المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب الحالية على غزة.

ولم يكتمل مشروع القانون الأصلي، بعدما طرحه الوزير المستقيل من حكومة الطوارئ بني غانتس عام 2022، في فترة حكومة نفتالي بينت – يئير لبيد السابقة، على أساس مؤقت، وبات غانتس نفسه وأعضاء حتى من داخل الائتلاف الحاكم يعارضونه بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تاريخ عملية "طوفان الأقصى". واستغل نتنياهو إجراءً في الكنيست يسمح بتقديم مشروع قانون جرت المصادقة عليه في القراءة الأولى وتوقف استكمال تشريعه بسبب حل الكنيست، وهو ما حدث في عهد الحكومة السابقة. وكان غانتس قد طرح مشروع القانون في حينه باعتباره إجراء مؤقتاً لتوفير حلول جزئية وتدريجية لتجنيد الحريديم وفرض عقوبات عليهم في حال عدم التزامهم، إلى حين تشريع خطة التجنيد الموسّعة التي كان يسعى إليها.

ردود غاضبة في أوساط الحريديم

وفي اعقاب قرار المحكمة اليوم الثلاثاء، توالت ردود الفعل الغاضبة من أوساط الحريديم. كان من بينها ما قاله وزير القدس والتقاليد الإسرائيلي مئير باروش إن قرار المحكمة العليا يقود بالضرورة إلى دولتين هنا، الأولى هي الدولة التي تدار الآن، والدولة الثانية هي التي يستمر فيها طلاب المدارس الدينية بتعلّم التوارة مثلما اعتادوا في الدولة التي أعلن عنها (دافيد) بن غوريون. لا توجد قوة في العالم يمكنها أن تفرض على شخص تاقت نفسه لتعلم التوراة الامتناع عن ذلك".

من جانبه، قال رئيس حزب "يهدوت هتوراة" الوزير يتسحاق غولدكنوبف إن "القرار مؤسف والتوراة المقدّسة ستنتصر". وأضاف من خلال حسابه على منصة إكس: "دولة إسرائيل أقيمت لتكون بيتاً للشعب اليهودي، والذي تُعتبر التوراة صخرة قيامه. التوراة المقدّسة ستنتصر".

هل يهدد قرار المحكمة ائتلاف نتنياهو أم يرص صفوفه أكثر؟

يشكّل الحريديم مجتمعين 18 نائباً في الائتلاف الحاكم الحالي من أصل 64 نائباً، ممثلين من خلال حركة شاس التي لديها 11 مقعداً، وحزب "يهدوت هتوراة" الذي لديه سبعة أعضاء في الكنيست (من أصل 120). وفي المجتمع الإسرائيلي العام، يبلغ عدد الحريديم أكثر من 1.3 مليون نسمة، ما نسبته 13.6% من عدد السكان، ولهم حياتهم الخاصة التي تتميز بانعزال كبير عن سائر المجتمع. ورغم عددهم القليل نسبياً، إلا أن تأثيرهم كبير في حياة المجتمع الإسرائيلي والساحة السياسية.

ويعيش الحريديم في إسرائيل نمط حياة مختلفاً يلتزم بالتوراة كما يفسّرونها، ويسكنون بلدات أو أحياء خاصة، وعادة ما تكون عائلاتهم كثيرة الأولاد، وأسلوب حياتهم محافظاً مقارنة ببقية المجتمع، وكذلك تعليمهم وعملهم، وكثيراً ما يعتمد الرجال على عمل النساء في إعالة العائلة كي يتمكّنوا من مواصلة تعلّم التوراة، وهم يرون الجيش مفسدة للدين والأخلاق والمجتمع، ويفضّل بعضهم الهجرة حال إجبارهم على التجنيد.

لكن على الرغم من تهديد بعض المسؤولين في أحزاب الحريديم بتفكيك الحكومة الحالية في حال عدم التوصّل إلى حلول بشأن أزمة تجنيد الحريديم، في محاولة للضغط على شركائهم في الائتلاف بالأساس، إلا أنهم لن يسارعوا للقيام بذلك على الأرجح، خاصة أن القرار الذي يلزم الحكومة بتجنيدهم يأتي من المحكمة العليا، وهو قرار كان متوقعاً، كما أنه فعلياً يضع جميع أقطاب الحكومة في بوتقة واحدة، وينتقد سلوكها، ما يعني أنه قد يساهم في توحيد صفوفها وتعزيز المساعي المشتركة بين مركباتها للوصول إلى حلّ لقانون التجنيد ولو كان مؤقتاً. كما تدرك معظم مكوّنات الائتلاف الحاكم في حكومة اليمين الكاملة، أنها لن تكون جزءاً من الحكومة المقبلة، على الأقل في ظلّ المعطيات الراهنة التي تشير إليها استطلاعات الرأي والتي تمنح أحزاب المعارضة أغلبية.

ويدرك الحريديم أيضاً، الذين عادة ما كانوا من أبرز حلفاء نتنياهو في مختلف حكوماته، أنه من الأفضل لهم محاولة التوصّل إلى حلول في ظل الحكومة الراهنة وعدم المسارعة لمغادرتها وإسقاطها، والقبول تدريجياً بتجنيد جزء منهم، خاصة في ظل الانقسام الكبير الحاصل في المجتمع الإسرائيلي، والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تطالب بتجنيدهم.

ولم يحدد قرار المحكمة العليا عدد من يجب تجنيدهم، ما قد يعني قبولها بتجنيدهم تدريجياً بموجب قانون يسوي هذا الأمر، وعليه قد يفضل الحريديم في ظل الأمر الواقع تمرير قانون بهذا الشأن وتحديد عدد طلاب المدارس الدينية الذين سيتم تجنيدهم، وبهذا أيضاً يمنعون قرار عدم تحويل الأموال للمعاهد الدينية بسبب عدم قيام طلابها بالخدمة العسكرية. لكن الأمر قد يكون منوطاً أيضاً بقرارات المراجع الدينية للأحزاب الحريدية والتي لها تأثير كبير في قراراتها. وحددت المحكمة العليا التاسع من أغسطس/ آب المقبل لحرمان المعاهد الدينية من الميزانيات، وعليه سيتوجب على الائتلاف الحاكم الانتهاء من تشريع القانون الجديد في الدورة الصيفية الحالية.

وفي حال لم يتم تشريع القانون الذي تطالب أوساط إسرائيلية بأن يكون بالتوافق، يمكن لأحزاب الحريديم التعايش مع تجنيد ثلاثة آلاف حريدي في العام القريب، وهو العدد الذي أعلن الجيش سابقاً أن بإمكانه استيعابه من بينهم، وتقبل به المحكمة مرحلياً، حتى تشريع قانون، لكن مشكلة جديدة قد تطرأ إن أعلن الجيش إمكانية استيعابه عدداً أكبر، ما يعني أن الحريديم قد يحرمون من الميزانيات حينها، بموجب قرار المحكمة، إن لم يجنّدوا أكثر من هذا العدد.

عملياً، تقول المحكمة إنها لا تعارض تجنيد ثلاثة آلاف حريدي فقط في العام القريب، على أن يكون القرار سليماً وقانونياً، وبالتالي قد تتجه أحزاب الحريديم لتمرير قانون يشمل هذا العدد مع زيادة معيّنة تدريجية في السنوات القريبة، والحفاظ على الميزانيات وعدم المسارعة لتفكيك الحكومة وتأجيل الأزمة.