نجحت قوات الجيش العراقي بالسيطرة على مناطق عدة في ضواحي مدينة سنجار في محافظة نينوى شمالي العراق، في الأيام الأخيرة، على حساب مليشيات تابعة لحزب العمال الكردستاني، قبل أن تبرز مؤشرات على توقف عملية التقدم في المنطقة.
وتتباين تفسيرات هذا التوقف، بين من يتحدث عن تحقيق الجيش هدفه بطرد المليشيات من مركز مدينة سنجار، وبين حديث مصادر سياسية لـ"العربي الجديد" عن تعرّض حكومة مصطفى الكاظمي لضغوط لوقف تحرك الجيش. إلا أن الأخير ينفي ذلك، مؤكداً استمرار عمليات فرض القانون في المدينة.
وبدأت الاشتباكات في سنجار (115 كيلومتراً غربي الموصل)، في 2 مايو/ أيار الحالي، مع إطلاق الجيش العراقي خطة انتشار جديدة في ناحية سنوني شمالي المدينة، التي تخضع لنفوذ فصائل مسلحة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وترفض وجود قوات الجيش أو الشرطة فيها.
وسبّبت الاشتباكات موجة نزوح جديدة لمئات العوائل إلى مخيمات النزوح في إقليم كردستان، هرباً من الأوضاع غير المستقرة. وأسفرت المواجهات التي جرت بين 2 و4 من الشهر الحالي عن مقتل جندي بالجيش وجرح 11 آخرين مقابل ثلاثة قتلى ونحو 20 مصاباً من أفراد مليشيا "وحدات حماية سنجار"، الذراع المحلية لحزب العمال.
الجيش العراقي يسيطر على مناطق عدة بضواحي سنجار
ونجحت قوات الجيش، فجر أول من أمس الجمعة، في فرض سيطرتها العسكرية على مناطق عدة في ضواحي سنجار، بما فيها بلدة سنوني ومجمع حطين وعدد من الطرق الرابطة بين هذه المناطق وبين مركز مدينة سنجار.
كما استعادت قوات الجيش السيطرة على عدة مبانٍ ومقرات حكومية كانت تخضع لسيطرة المليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني، وذلك عقب اشتباكات متقطعة أوقعت خسائر من كلا الطرفين.
وأصدرت قيادة العمليات العراقية المشتركة يومي الخميس والجمعة الماضيين عدة بيانات عسكرية موجهة لأهالي سنجار، تطالبهم بعدم النزوح والبقاء في منازلهم، وتذكّرهم بأن مهمة الجيش الحفاظ على أمن المدينة وسيادة القانون فيها، مع وعود بإعادة الإعمار والبناء وتأهيل الخدمات ضمن مرحلة ثانية مقبلة تأتي لاحقاً.
مصدر عسكري: العملية العسكرية لم تحقق كل أهدافها لأسباب ترتبط بتوجيهات القيادة العسكرية في بغداد
إلا أن مسؤولين محليين في محافظتي دهوك وأربيل في إقليم كردستان يؤكدون استمرار عمليات النزوح حتى مع انتهاء الاشتباكات. وقد وصل نحو 10 آلاف شخص من أهالي سنجار إلى مخيمات ومعسكرات نزوح جنوبي دهوك وغرب أربيل، بحسب تصريح صحافي لمدير دائرة الهجرة في دهوك، بير جعفر.
وفي السياق، قال مصدر عسكري في قيادة عمليات نينوى لـ"العربي الجديد" إن "قوات الفرقتين العشرين والخامسة عشرة، والفرقة المدرعة التاسعة، نجحت خلال الأيام الثلاثة الأولى من عمليات الانتشار (2 و3 و4 مايو الحالي) في السيطرة على مناطق حيوية ومهمة وطرد المسلحين التابعين لحزب العمال منها، مثل مجمع حطين ومنطقة دوكري ومحلات عبد الله، وعمارة آوات علي، وشرق منطقة خانصور".
وأكد المصدر أن "القوات العراقية تفرض سيطرتها حالياً على مناطق الأحياء السكنية ومراكز سنجار وسنوني بالكامل، إلى جانب قرى مختلفة حققت فيها وجوداً في الأيام الأولى من عملية فرض القانون".
لكنه لفت إلى أن "العملية العسكرية لم تحقق كل أهدافها"، لأسباب قال إنها "ترتبط بتوجيهات القيادة العسكرية في بغداد، وكذلك صعوبات تتعلق بتحصن المليشيات بالمدنيين وعمليات النزوح التي أخذت بالازدياد، لكن الجيش حقق جزءاً كبيراً منها".
وأقر المتحدث نفسه بأن "مناطق خانصور وفيشخابور وجبل سنجار ما زالت معاقل رئيسية لحزب العمال والتشكيلات المرتبطة به، وهناك مقرات كاملة ومخابئ سلاح داخل كهوف وأنفاق حفرها الحزب بمساعدة سوريين متخصصين بعمليات الحفر تم استقدامهم في الأشهر الماضية من الحسكة المجاورة، داخل جبل سنجار غربي المدينة".
ضغوط سياسية وراء وقف تقدم الجيش العراقي في سنجار؟
لكن نائباً مستقلاً في البرلمان العراقي تحدث عن ضغوط سياسية وأخرى لفصائل مسلحة، كانت سبباً في وقف تقدّم الجيش العراقي في سنجار.
وقال النائب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أطرافاً سياسية وفصائل مسلحة اتهمت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأنه أطلق العملية في سنجار في هذا التوقيت، تجاوباً مع المطالب التركية بمكافحة حزب العمال وأذرعه في سنجار".
ولفت إلى أن "مهمة الجيش العراقي الجديدة كانت تنفيذ أوامر قبض بحق متورطين بعمليات استهداف الجيش وإعاقة عودة الدوائر الحكومية والقضائية للمدينة، وكذلك بعمليات تهريب مخدرات وأسلحة بين العراق وسورية، عبر منطقة فيشخابور، إلى جانب فرض سلطة الدولة ووقف ظاهرة ما يعرف بالمواقع الخاصة، وهي مناطق ترفض الفصائل المسلحة دخول الجيش أو الشرطة إليها".
أطراف سياسية وفصائل مسلحة اتهمت الكاظمي بأنه أطلق العملية بهذا التوقيت، تجاوباً مع المطالب التركية بمكافحة حزب العمال
وأشار إلى أن "الضغوط أدت إلى وقف عمليات الجيش، وفي الوقت نفسه تدخّلت فصائل مسلحة لإقناع مسلحي وحدات حماية سنجار وأيزيدي خان (المرتبطة بحزب العمال الكردستاني)، بوقف مهاجمة الجيش والانسحاب إلى خارج المناطق السكنية والبقاء في أطراف سنجار وسنوني وعدد من القرى العربية التي يريد الجيش العراقي إعادة أهلها إليها وتقع جنوب وشرقي سنجار، مقابل ضمان عدم ملاحقتهم، والسماح بدخولهم المدينة والبلدات التابعة لها، لكن بدون سلاح وبصفة مدنية".
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن مسلحي "وحدات حماية سنجار" ومليشيا "أيزيدي خان" "انسحبوا من مراكز الأحياء السكنية والأسواق والمجمعات المأهولة بالسكان ضمن مركز مدينة سنجار، وناحية سنوني ومجمع حطين وقرى عين الغزال والكرسي وعرب شمر وقرى أخرى مجاورة لها، باتجاه معسكرات وثكنات تمتلكها تلك الجماعات في جبل سنجار وخانصور وفيشخابور المحاذية للحدود العراقية السورية ضمن التفاهمات التي جرت أخيراً".
وأكد أن مبنى المستشفى العسكري في سنوني، الذي كان خاضعاً لسيطرة مسلحي وحدات حماية سنجار المعروفة اختصاراً بـ"اليبشة"، جرت السيطرة عليه من قبل القوات العراقية.
وأوضح النائب أن "سنجار وضواحيها تشهد حالياً ما يمكن اعتباره هدوءاً حذراً، ولهذا، فإن القوات التي وصلت أخيراً للمدينة ما زالت تنتشر وكذلك الدروع والدبابات، واحتمالية عودة المواجهات قائمة في حال عاودت تلك الجماعات الانتشار داخل المناطق السكنية".
الجيش العراقي: عملية سنجار مستمرة
إلا أن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، أكد لـ"العربي الجديد" أن "عمليات فرض القانون مستمرة في مدينة سنجار ولن تتوقف إلى حين تحقيق كامل الأهداف، التي انطلقت من أجلها".
وقال الخفاجي إن "عمليات الجيش حققت نجاحاً كبيراً في سنجار، ولا يمكن القبول بقوة أخرى غير القوات النظامية هناك".
وأضاف أنه "تم إخلاء سنجار حالياً من أي مظاهر مسلحة، كما تم إغلاق المقار الحزبية التي تعمل ضد الدولة العراقية والقانون"، في إشارة إلى مقرات حزب العمال الكردستاني.
وتحدث عن أن "التعزيزات العسكرية الموجودة كافية لمواجهة أي تحدٍ أمني، مع وجود طيران الجيش الذي كان له دور مميز في عمليات فرض القانون، وأي مظاهر مسلحة ستظهر لاحقاً، ستواجه بشدة".
الخفاجي: عمليات فرض القانون مستمرة في مدينة سنجار ولن تتوقف إلى حين تحقيق كامل الأهداف
"مناورة" مسلحي حزب العمال الكردستاني في سنجار
من جهته، قال عضو البرلمان العراقي عن مدينة سنجار، محما خليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة مطالبة بعدم وقف عمليات فرض القانون في المدينة، والعمل بعيداً عن أي ضغوط سياسية كما نسمع الآن".
واعتبر أن "الوضع في سنجار يحتاج مزيداً من عمليات ضبط الأمن، ولا يمكن استقراره مع وجود عناصر مسلحة تعمل ضد الدولة، داخل المدينة أو في ضواحيها، مع أسلحة متوسطة وثقيلة".
وأضاف أن "وجود مليشيات تابعة لمسلحي حزب العمال الكردستاني في سنجار، هو الذي منع تطبيق اتفاق بغداد ـ أربيل بخصوص تطبيع الأوضاع في سنجار (تم توقيعه في أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، فعناصر هذه المليشيات تمنع تطبيق الاتفاق من خلال سيطرتها على بعض المناطق بقوة السلاح، وكذلك بدعم أطراف عراقية متنفذة، سياسية ومسلحة لها".
واعتبر خليل أن "ابتعاد مسلحي حزب العمال الكردستاني عن الأنظار أو انسحابهم من بعض المناطق لا يعني أن المشكلة انتهت. هذه مناورة مكشوفة، ووجودهم يعني استمرار الأزمة، ولهذا يجب استمرار عمليات الجيش".
وتعثّرت الحكومة العراقية في تنفيذ اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار والموقع مع حكومة أربيل في أكتوبر 2020، بسبب الانتشار الواسع لمسلحي حزب العمال ورفضهم الانسحاب مع تلقيهم دعماً من قبل فصائل مسلحة حليفة لإيران في بغداد.
انعكاسات للصراع الإقليمي على وضع سنجار
وحول المشهد العام في مدينة سنجار، أمنياً وسياسياً، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" في بغداد، إحسان الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "ملف سنجار وحزب العمال كان يجب أن يبقى بيد الحكومة في بغداد، لكنه تحوّل إلى ملف سياسي وأصبح محور صراع أيضاً".
وأضاف الشمري أن "الأوضاع في سنجار باتت انعكاساً لطبيعة الصراع الإقليمي، خصوصاً بين إيران وتركيا، وبعض الأطراف الأخرى، ولهذا لا يجب النظر إلى ما يحدث في المدينة على أنه شأن داخلي، كون الموضوع مرتبط بعدة فواعل إقليمية وداخلية".
الشمري: تهدئة الأوضاع في سنجار حالياً لا يمكن اعتبارها حلاً، فهذه التهدئة هي ترحيل للأزمة ليس أكثر
واعتبر أن "الذهاب إلى تهدئة الأوضاع في سنجار حالياً لا يمكن اعتباره حلاً، فهذه التهدئة هي ترحيل للأزمة ليس أكثر، ولهذا على الحكومة أن تأخذ مساحتها في التصدي لأي جهة تريد جعل الأراضي العراقية ساحة صراع إقليمي أو ساحة صراع بين أطراف سياسية داخلية".
وتابع الشمري أن "التهدئة حالياً جاءت بدفع من جهات معينة، فهناك أطراف عدة تجد أنه ليس من مصلحتنا القضاء بشكل نهائي على حزب العمال الكردستاني في سنجار، ولهذا دفعت نحو التهدئة كحل مؤقت، لكن هذا الأمر لن ينتج أي استقرار في المدينة". وختم بالقول إن "استقرار سنجار بحاجة إلى تفاهمات داخلية بين بغداد من جهة وإقليم كردستان من جهة أخرى، وبين القوى المتنفذة التقليدية في بغداد أولاً وبشكل رئيس".