أزمة رئاسة مجلس الدولة الليبي عقبة جديدة في طريق التسويات السياسية

18 سبتمبر 2024
ستيفاني تلتقي رؤساء اللجان المنتخبة في المجلس الأعلى للدولة (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تفاقم الأزمة السياسية في ليبيا**: أزمة المصرف المركزي تعقد المشهد السياسي وتعرقل استئناف العملية السياسية، مع انقسام مجلس الدولة حول رئاسته بين محمد تكالة وخالد المشري.
- **تأثير الانقسام على المفاوضات**: المفاوضات بين مجلسي النواب والدولة تسير في اتجاه غامض بسبب الانقسام، مما أدى إلى توقف اللقاءات مع السفراء والبعثات الأجنبية.
- **تداعيات الأزمة على التحالفات السياسية**: الأزمة تعمق الانقسامات داخل مجلس الدولة ومعسكر الشرق، مما يعقد إمكانية إجراء انتخابات تقصي الأطراف المتصارعة.

لا تزال تداعيات أزمة المصرف المركزي القائمة بين مختلف الأطراف في ليبيا منذ أكثر من شهر تلقي بثقلها على المشهد السياسي وتزيد من حجم التعقيدات في طريق إحداث فجوات في جدار الانسداد بهدف استئناف العملية السياسية، وآخر تلك التداعيات تزايد حدة الانقسام داخل مجلس الدولة الليبي حول رئاسته. وبرزت الحاجة إلى المجلس بشكل ملح مؤخرا، كونه الطرف الأساسي الآخر إلى جانب مجلس النواب لاختيار محافظ المصرف المركزي، كما تقضي بذلك نصوص الاتفاق السياسي، إلا أن عدم حسم الخلاف القائم حول صحة انتخابات رئيس المجلس ومن يمثله، محمد تكالة أم خالد المشري، قد يعرقل التوافق المطلوب مع مجلس النواب.

ولا يزال الجدل قائما حول نتائج انتخابات رئيس مجلس الدولة الليبي التي جرت مطلع أغسطس/آب الماضي، بسبب ورقة أحد المصوتين أحدث اعتمادها ضمن عمليات العد خلافا كبيرا، ففي حين أكد تكالة صحتها، وتعادل نتيجة التصويت، ما يحتم الذهاب إلى جولة تصويت جديدة لحسم النتيجة، تمسك المشري ببطلانها، مستندا في ذلك إلى لوائح المجلس، وبالتالي فوزه بمنصب الرئيس، وذهب كلاهما إلى عقد جلسات للمجلس برئاسته، وبمشاركة أنصاره من أعضاء المجلس.

وعلى الرغم من أن المفاوضات بين مجلسي النواب والدولة في شأن أزمة المصرف المركزي جرت خلال الأسابيع الماضية بين ممثلين عن المجلسين، إلا أن إعلانهما الأسبوع الماضي عن توسيع المشاورات حول أزمة المصرف ونقلها إلى المجلسين، جعل المفاوضات تسير في اتجاه غامض، خاصة في جانب مجلس الدولة الليبي الذي لن يتمكن من عقد جلسة موحدة في ظل وجود رئيسين.

وفي ظل هذا الانقسام في مجلس الدولة الليبي توقف السفراء والبعثات الأجنبية عن إجراء لقاءات مع تكالة والمشري، فيما عقدت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية ستيفاني خوري، مساء أمس الثلاثاء، لقاء "برؤساء اللجان المنتخبة في المجلس الأعلى للدولة" لبحث "الجهود الجارية لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي، وسبل إنهاء الانقسام داخل المجلس الأعلى للدولة، والحاجة الملحة لإحياء العملية السياسية"، بحسب منشور للبعثة على صفحتها الرسمية. ورغم ما يحمله لقاء خوري مع رؤساء اللجان بالمجلس دون لقاء تكالة أو المشري من عدم اعتراف الأمم المتحدة بأي منهما رئيسا شرعيا للمجلس، فإن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح صرح بأن مجلس النواب لا يعترف إلا بالمشري رئيسا لمجلس الدولة.

وأعلن صالح، في تصريحات تلفزيونية ليل أمس الثلاثاء، أنه سيلتقي المشري "قريبا" لمناقشة أزمة المصرف المركزي، والبدء في حسم ملف المناصب السيادية، بما فيها محافظ المصرف المركزي، التي تتطلب توافقا بين مجلسي النواب والدولة، بل ومناقشة تشكيل حكومة جديدة موحدة. وأكد صالح أن مجلسه يعترف بالمشري وصحة انتخابه "فهو من نتعامل معه ونعترف به رئيسا لمجلس الدولة".

ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي عبد الله الكبير على وصف الوضع في المجلس الأعلى للدولة بــ"الأزمة الحادة"، موضحا أنها لن تقف عند حد عرقلة التوافق حول أزمة المصرف المركزي "بل ستمتد لتطاول ملفات أخرى مهمة أيضا". ولا تبدو مسألة حسم الخلاف حول رئاسة مجلس الدولة الليبي ممكنة في الأفق القريب، بحسب رأي الكبير، الذي يرى في أن اجتماع خوري برؤساء اللجان الدائمة لبحث أزمة المصرف وإنهاء الانقسام داخل المجلس بدون تكالة والمشري، يعني أنها تقف على الحياد، لكنها في الوقت ذاته ترغب في إنهاء الانقسام لأهمية وحدة قرار المجلس للتوصل إلى حل لأزمة المصرف، وكذلك في الملفات الأخرى.

ويلفت الكبير إلى أن الأزمة داخل المجلس لها تجليات عديدة وصلت إلى حد الاصطفاف إلى جانب أطراف الصراع في أزمة المصرف، فتكالة يصطف إلى جانب المجلس الرئاسي والحكومة مع طيف من أعضاء مجلس الدولة، فيما يصطف المشري وحلفاؤه من أعضاء مجلس الدولة الليبي إلى جانب عقيلة صالح وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ويرى الكبير أن أزمة المصرف المركزي سيكون لها تداعياتها على وحدة مجلس الدولة الليبي من خلال اتصال أزمة المجلس بقضية الخلاف حول المصرف المركزي، لافتا إلى انقسام آخر أكثر حدة داخل معسكر حفتر، مضيفا أن "صدام ابن حفتر هو قريب من توجه الرئاسي والحكومة في طرابلس في أزمة المصرف، بينما يصطف بلقاسم نجل حفتر الآخر إلى جانب عقيلة صالح".

وحسب الكبير، فإن الانقسام العميق في طرف معسكر الشرق، سيكون له تبعاته على مجلس الدولة، و"بطريقة أو بأخرى المشري وتكالة هما ضمن الاصطفافات الثنائية في أزمة المصرف التي باتت ممتدة ويزداد عمقها، وهذا بالقطع سيؤثر بإمكانية إحداث أي تقارب داخل مجلس الدولة الليبي لحسم أزمة رئاسته.

ويتفق الباحث في الشأن السياسي فاضل الطويل في أن الأزمة التي يمر بها مجلس الدولة "حادة"، لكنه لا يرى أن معالمها ارتسمت بسبب الاصطفافات الأخيرة التي أنتجتها أزمة المصرف المركزي فقط. ويلفت الطويل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن أزمة مجلس الدولة تمثل طورا جديدا في أطوار الأزمة السياسية برمتها، إذ في كل مرحلة تفرز اختلافات المتصارعين طورا جديدا من أطوار الخلافات، وقال: "التحالفات على الدوام تحدث بسبب تطور الأزمة حيث يريد كل طرف إقصاء الآخر أو إخضاعه على الأقل، لكن، في الوقت نفسه، تلك الخلافات تخدم الجميع، فكلما احتدت الأزمة وزادت عمقا يتبخر أمل إجراء أي انتخابات تقصيهم جميعا، فكل الأطراف ترتبط بتحالفات لفرض أنفسهم أمراً واقعاً ولا يبحثون عن شرعيات لوجودهم على رأس سلطة أي جسم".

ويضيف الطويل قائلا "لا يهتم عقيلة صالح بشرعية انتخاب رئيس مجلس الدولة، فلو كان تكالة يخدم مصالحه لاصطف إلى جانبه، لكن تقاربه مع المشري كبير وسبق وأن أنجزا خطوات مهمة في طريق تشكيل حكومة جديدة لإنهاء وجود الحكومة في طرابلس، رغم قناعتهما بأن هذا التحالف مؤقت، وسيعود الخلاف ضمن تحالفات جديدة".

ويرى الطويل أن ما وصلت إليه العملية السياسية "هو انسداد كامل ونهائي، وذروته الخلاف حول المصرف المركزي الذي يعد الصندوق الذي تنتهي فيه أموال النفط، ومسألتا المال والنفط تتجاوز الأطراف المحلية ومصالحها الضيقة لتؤثر بحسابات الدول في الملف الليبي، الإقليمية منها والدولية، وهذه سوف ستتجه إلى تفاهمات في الخارج بينهما لنصب طاولة حوار سياسي وشيكة بأي صورة للقفز على مسائل شرعية الرئاسات في الأجسام السياسية، مثلا عن طريق ممثلين عن جميع الأطراف ودون أي مشاركة للقادة الأساسيين".