أزمة رئاسة مجلس الدولة الليبي: أحكام قضائية غير حاسمة وعراقيل أمام استئناف العملية السياسية
استمع إلى الملخص
- الأزمة في مجلس الدولة ذات طابع سياسي، حيث تُستخدم الأحكام القضائية كأدوات في الصراع، ويشير المحامي بلقاسم القمودي إلى أن الحل يكمن في التفاهمات السياسية.
- تسعى البعثة الأممية لاستئناف العملية السياسية في ليبيا، لكن انقسام مجلس الدولة يشكل عائقاً، مما يستدعي تحديد الأطراف المستهدفة بالحوار.
لا تزال أحكام القضاء في ليبيا تراوح مكانها دون حسم في أزمة شرعية رئاسة المجلس الأعلى للدولة المنقسم على نفسه منذ أشهر بين رئاستين، ما يشكل عائقاً أساسياً في طريق العملية السياسية التي تعتزم البعثة الأممية البدء باستئنافها بين الأطراف الرئيسية، إذ أعاد حكم قضائي حالة الجدل بعدما رفضت محكمة بطرابلس، أمس الثلاثاء، طعناً تقدم به خالد المشري بصفته رئيساً للمجلس ضد منافسه محمد تكالة بشأن وقف تنفيذ إعادة انتخابات رئاسة المجلس لحسم نتائجها.
وسارع تكالة إلى الترحيب بالحكم، ودعا أعضاء المجلس إلى "عقد جلسة مكتملة النصاب قبل منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لمناقشة البنود المطروحة على جدول الأعمال واتخاذ القرارات الضرورية لتفعيل دور المجلس باعتباره إحدى ركائز السلطة التشريعية"، وفقاً لبيان أصدره مكتبه الإعلامي، فيما أعرب المشري عن استغرابه لإصدار المحكمة حكمها قبل موعد الجلسة المحدد وعدم إبلاغه بتغيير موعدها.
واعتبر المشري أن الحكم "لا يعني الفصل في الموضوع"، وقد تقدم بطعن إلى المحكمة العليا ضد الحكم المستعجل الصادر عن محكمة طرابلس، مؤكداً تمسكه بمنصبه رئيساً للمجلس إلى حين الفصل في الموضوع قضائياً. واتهم تكالة بـ"اغتصاب السلطة وانتحال صفة الرئيس"، وأن "كل ما يصدر عنه من إجراءات أو دعوات لعقد جلسات ليس إلا محاولة لزيادة انقسام المجلس".
وجاء حكم المحكمة بالأمس مكملاً لحكم سابق أصدرته المحكمة، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، مقررة فيه وقف تنفيذ نتائج جلسة انتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة، التي انعقدت مطلع أغسطس/ آب الماضي، وانتهت بفوز المشري على تكالة بفارق صوت واحد، وعللت المحكمة حكمها بأن نتائج انتخابات أغسطس/ آب الماضي أحدثت ضرراً أدى إلى انشقاق وانقسام المجلس، ما حال دون قيام رئاسة المجلس بواجبها.
وبدأت أزمة مجلس الدولة عند إعلان نتائج انتخابات رئاسة المجلس التي جرت في السادس من أغسطس الماضي، بفوز خالد المشري بواقع 69 صوتاً مقابل منافسه محمد تكالة الذي تحصّل على 68 صوتاً، بإلغاء ورقة أحد المقترعين لصالح تكالة بسبب ظهور كتابة إضافية عليها، إذ اعتبرها المشري علامة تمييز تبطلها وفقاً لنصوص اللائحة الداخلية للمجلس، فيما اعتبرها تكالة كتابة لا تشير إلى تمييز ويتوجب احتسابها لتعادل نتيجته أمام نتيجة تصويت المشري، وإجراء جولة ثالثة لحسم النتيجة نهائياً.
ولقاء تمسك المشري وتكالة بموقفهما، أعلن تكالة نقل القضية إلى المحكمة العليا التي حكمت بعدم اختصاصها بالفصل في القضية، لكونها ذات طبيعة إدارية يرجع الفصل فيها للوائح مجلس الدولة، لينقسم أعضاء المجلسين إلى فريقين، كل منهما يقف في صف المشري وتكالة، وتسبب هذا الانقسام في تعطيل جلسات المجلس منذ ذلك الوقت، وسط لجوء المشري وتكالة إلى المحاكم الجزئية لطعن أحدهما في شرعية الآخر.
ولم تفلح الإجراءات والخطوات التي قام بها المجلس لرأب الصدع، كإعلان اللجنة القانونية بالمجلس صحة انتخاب المشري، وكذلك اجتماع جميع أعضاء اللجان الدائمة بالمجلس في 22 أغسطس الماضي وتأييدهم صحة انتخاب المشري، وتأييد مجلس النواب، الذي يُعَدّ الشريك الأساسي لمجلس الدولة في العملية السياسية، صحة انتخاب المشري كذلك.
ويوضح المحامي والخبير القانوني بلقاسم القمودي أن أحكام القضاء "توظف من قبل الخصوم السياسيين كأحكام باتة ونهائية، والأمر غير ذلك، حيث إن الحكمين الصادرين عن محكمة جنوب طرابلس يقفان عند الأسباب المنظورة في الدعوى، وعلى أساسها تصدر الأحكام، ولذا لم نرَ في الأحكام دعوة المحكمة إلى إعادة الانتخاب، أو حسماً لصالح رئيس ضد الآخر". ويضيف القمودي، في حديثه لـ"العربي الجديد": "كان على تكالة أن يؤسس على الحكم ويدعو الى جلسة لإعادة الانتخاب لا أن يدعو إلى جلسة لمداولة جدول الأعمال وكأنه فهم أن الأحكام القضائية صدرت لصالحه وشرعنته رئيسا، وكذلك كان على المشري أن يقبل بطلب تقدم به بعض أعضاء مجلس الدولة بشأن إعادة جولة انتخاب الرئيس، وأن يعلي كلاهما من مصلحة المجلس على مصالحهما".
ويلفت القمودي إلى أن مسار الأحكام القضائية يعكس أساس الخلاف بأنه "سياسي وليس قانونياً، ويمكن حسمه بالتفاهمات والحوارات، وكما الأزمات السياسية في البلاد، فإن الحوار والنقاش المباشر يأتي بعد فترة طويل؛ وعليه فأزمة رئاسة مجلس الدولة لا تزال مفتوحة ورهينة لمصالح المتصارعين".
البعثة الأممية تبدأ بطرح تصورات لاستئناف العملية السياسية
وفي الوقت الذي أكدت فيه معلومات مصادر ليبية، مقربة من مجلس النواب والمجلس الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، بدء البعثة الأممية بطرح تصورات لاستئناف العملية السياسية من خلال حوار بين ممثلي جميع الأطراف لرسم اجندة تفاهمات سياسية محددة في خطوة أولى لحوار أوسع، يرى رمضان النفاتي، الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية، من جانبه أن "التوازن السياسي بات غائباً في العملية السياسية بغياب مجلس الدولة بوصفه طرفاً أساسياً".
وحول أهمية مجلس الدولة في العملية السياسية، يقول النفاتي إن "استئناف العملية السياسية يجب أن يبنى على الاتفاقات السياسية السابقة والقوانين الانتخابية، وكلها كان مجلس الدولة شريكاً أساسياً فيها"، مضيفاً: "بغيابه، لن تكون تلك المخرجات السابقة ملزمة، ولذا فانقسام مجلس الدولة سيكون عائقاً أمام استئناف أي حوار سياسي".
ويوافق النفاتي في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن أزمة مجلس الدولة سياسية وليست قانونية، موضحاً أن "اللائحة الداخلية للمجلس كفيلة بحل شرعية الرئاسة، لكن الاختراقات التي حدثت من الخارج لصالح تكالة والمشري حولته إلى صراع سياسي"، ويضيف: "إن أهمية المجلس في العملية السياسية وإدخاله في هذه الحالة الفوضوية يعني أن طرفاً أو جميع الأطراف أفرزت طريقة جديدة لعرقلة أي حوار"، مشيراً إلى أن فوز أيٍّ من الرئيسين بمنصب الرئاسة يعني فوز طرف سياسي.
ويتابع النفاتي، قائلاً: "المشري وتكالة في الحقيقة يعكسان تغيراً كبيراً في قوى وتوازن الوضع في غرب البلاد، فعدم قبول المشري لإعادة الانتخاب يعني أنه غير واثق من فوزه، وهذا يعني أن الطيف السياسي الذي يؤيده لم يعد له ثقل كما في السابق، بخلاف تكالة الواثق من فوزه، لكن السؤال: من هي تلك القوى السياسية التي تقف وراءهما؟ وما رغبات كل طرف وأهدافه؟ والجواب هو: من يجب أن تبني عليه البعثة الأممية أجندة الحوار وتحدد على أساسه الأطراف المستهدفة بالحوار".
ويختم النفاتي بالقول إن "القضاء لن يحسم الخلافات السياسية، فالطرف الآخر، وهو مجلس النواب يسعى بقوة للسيطرة على القضاء وأحكامه من خلال إنشاء محكمة دستورية، فإذا ما نُقلَت قضية أزمة رئاسة مجلس الدولة للمحكمة الدستورية، فهل سيقبل تكالة بحكمها؟ لأنها ستحكم قطعاً لصالح المشري القريب في سياساته من مجلس النواب الذي لم يخفِ دعم فوزه بالرئاسة، وبالتالي لا أعتقد أن الرأي الدولي الذي يقف دوماً وراء تحركات البعثة الأممية جاهز لإطلاق حوار جديد في ليبيا، ولو رغب، فالبعثة لديها القدرة على تجاوز خلاف الرئاسة في مجلس الدولة كما تجاوزته في حوارات أزمة المصرف المركزي، حيث كان مجلس الدولة، رغم انقسامه، طرفاً أساسياً في حلها".