- الأمين العام نزار بركة يواجه تحديات في تحقيق التوافق داخل الحزب وسط استقطاب حاد، مما أدى إلى فقدان الدعم المالي من الدولة بسبب مخالفة قانون الأحزاب السياسية.
- الأزمة التنظيمية تعكس أزمة بنيوية أعمق تؤثر على استقرار الحزب وعطائه السياسي، مع تحديات كبيرة تواجه الحزب في تجاوز هذه الأزمة والتأثير على قوته واستقراره مستقبلاً، خاصة مع اقتراب الانتخابات في 2026.
دخلت أزمة تشكيل اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال المغربي المشارك في الائتلاف الحكومي، أسبوعها الثاني، من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراجة في ظل أزمة تنظيمية يعيشها الحزب منذ أكثر من سنتين.
وبدأت معالم أزمة اللجنة التنفيذية في حزب الاستقلال، بعد فشله في انتخاب أعضاء اللجنة في أول دورة للمجلس الوطني في 27 إبريل/ نيسان الماضي والتي انعقدت مباشرة بعد انتهاء المؤتمر الوطني الـ18، جراء الصراع بين تياري الأمين العام نزار بركة ورجل الصحراء القوي حمدي ولد الرشيد، حول الأسماء التي يرغب كل طرف في حضورها ضمن اللائحة النهائية لأعضاء اللجنة التي تضم 34 اسماً.
ولمدة تجاوزت ست ساعات دارت مفاوضات شاقة بين الطرفين، زاد من صعوبتها استقبال اللجنة التحضيرية للمؤتمر، لطلبات أزيد من 107 عضو رشحوا أنفسهم للجنة. قبل أن يضطر الأمين العام أمام انسداد باب المفاوضات، إلى إعلان إبقاء دورة المجلس الوطني مفتوحة حتى يتمكن من القيام بمشاورات حزبية وتوسيع الاستماع للفعاليات المعنية من أجل إعداد اللائحة التي سيقترحها لعضوية اللجنة.
وبدا حجم المأزق في الحزب من خلال تأكيد بركة، في كلمة ألقاها، خلال مشاركته في مهرجان خطابي نظمته نقابة الحزب (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب)، تخليداً لليوم العالمي للعمال بمدينة فاس، أن قرار الإبقاء على دورة المجلس الوطني مفتوحة وتأجيل البت في لائحة اللجنة التنفيذية، "كان ضرورياً للحفاظ على وحدة الحزب"، بعدما تبين أن التدافعات التي شهدها المؤتمر كان من الممكن أن تؤدي إلى انعكاسات على تشكيلة اللجنة، بحسب تعبيره.
اليوم وبعد مرور أسبوع على إبقاء دورة المجلس الوطني مفتوحة، تبدو مهمة الأمين العام للحزب صعبة في حسم تركيبة اللجنة التنفيذية في ظل استمرار حالة الاستقطاب الحادة بين تيار بركة وتيار ولد الرشيد. وهي حالة مستمرة منذ العامين الماضيين وكانت عنواناً للأزمة التنظيمية التي عاشها الحزب والتي كان أحد تجلياتها مخالفة الحزب لقانون الأحزاب السياسية في المغرب، بعد فشله في عقد مؤتمره الوطني لانتخاب قيادة جديدة، ما أدى إلى فقدانه الدعم المالي الذي تمنحه الدولة للأحزاب.
وبينما يواصل بركة المفاوضات وفق معايير صارمة من أجل انتقاء أعضاء اللجنة التنفيذية الذين سيقودون معه المرحلة المقبلة واستحقاقاتها المتعددة، يرى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، أنه بالرغم من أن انعقاد المؤتمر والتوافق على تجديد ولاية بركة أميناً عامّاً للحزب كانت أولوية للقيادة الإستقلالية، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار الخلاف بين تيار بركة وولد الرشيد الذي يطمح إلى الحضور بقوة داخل اللجنة التنفيذية.
وأوضح شقير في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعايير الجديدة التي حددها النظام الأساسي للحزب ستبعد بلا شك، بعض القيادات من عضوية اللجنة التنفيذية، لافتاً إلى أن غياب التوافق حول لائحة المرشحين والمرشحات قد دفعت بالأمين العام المعاد انتخابه إلى الإبقاء على دورة المجلس الوطني مفتوحة تفادياً للضغط، ولأجل التشاور بشأن لائحة مرشحين تتوافق مع المعايير والتحديات مستغلّاً في ذلك ما تمنحه له المادة 60 من القانون الأساسي للحزب.
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات (وسط المغرب) عبد الحفيظ اليونسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة التنظيمية التي يعيشها حزب الاستقلال تحولت الى أزمة بنيوية تؤثر على عمل الحزب واستقراره التنظيمي وعطائه السياسي.
وأوضح أن "الأزمة لها أسباب كثيرة، كانت القطيعة مع مرحلة الأمين العام السابق حميد شباط هي بدايتها بعد أن تمت بموازين قوى استندت إلى ما هو مناطقي وجغرافي".
واعتبر اليونسي أن تجديد الثقة في بركة هو عنوان استمرار أزمة بنيوية سيكون لها تأثير على قوة الحزب واستقراره بعد نهاية هذه الولاية، مضيفاً: "قد يكون حزب الاستقلال محظوظاً لأنه سيخوض انتخابات 2026 بأمين عام محل توافق، لكن هذا التوافق سيمتحن عند أي تعديل حكومي أو في الترشيح للانتخابات المقبلة".
وأوضح أن "حزب الاستقلال ليس فيه تيارات بمفهوم علم السياسة، حيث إن التيار تعبير عن وجهات نظر حول قضايا مجتمعية وسياسية واقتصادية وثقافية متباينة داخل التنظيم نفسه، وإنما يتميز بتيارات مرتبطة بالولاء للأشخاص أو جغرافيا الانتماء"، مشيراً إلى أن هذا التقاطب هو الذي يفسر العجز عن تشكيل اللجنة التنفيذية لأن تشكيلها يتطلب توافقات وتفاوضاً بين مراكز قوة داخل الحزب.
وأمّا الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، فعندها أنه كان متوقعاً أن تستمر أزمة "الاستقلال"، معتبرة أن فشل القيادة في انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية أدخل الحزب في مرحلة جديدة من شد وجذب خاصة مع تيار ولد الرشيد الذي رغم قوة حضوره إلا أن قيادة الحزب في شخص الأمين العام تحاول فرض سيطرتها على أعضاء هذه اللجنة في مقابل تمسك تيار ولد الرشيد بالظفر بها.
وأوضحت لموير في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قيادة الحزب فشلت في التوصل إلى اتفاق يرضي كل التيارات خاصة في ظل الترشيحات الكثيرة، لافتة إلى أن أزمة انتخاب الهياكل الداخلية للأحزاب أصبحت عرفاً تشهده كل المؤتمرات الحزبية عوضاً عن بدء مرحلة انتقالية بنفس جديد، ما يجعل تلك المؤتمرات تشكل استمرارية لأزمات الأحزاب الداخلية.