قطع مستشار مكتب الرئيس الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش (47 عاما)، الذي استقال من منصبه أمس الثلاثاء، مسيرة مهنية حافلة تراوحت بين الخدمة العسكرية والعمل السياسي والإعلامي، وحتى أداء أدوار بإعلانات ومسلسلات.
وعرف أريستوفيتش بمعارضته الثورة البرتقالية في عام 2004 ودعمه لتوطيد العلاقات مع روسيا في تلك الفترة، وصولا إلى تحوله إلى واحد من أشهر المتحدثين باسم كييف الرسمية بعد بدء الحرب الروسية المباشرة على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، مدليا بتعليقات متعددة لوسائل الإعلام حول الوضع في منطقة القتال، ومعتمدا على اللغة الروسية في أغلب أحاديثه.
إلا أن فضيحة إعلان أريستوفيتش أن الصاروخ الذي أصاب مبنى سكنيا في مدينة دنيبرو أسقط بواسطة قوات الدفاع الجوي الأوكراني، مما جاء مطابقا لرواية الكرملين للحادثة، ومتعارضا بشكل كامل مع الرواية الرسمية الأوكرانية، لم تبق أمامه حيلة سوى الاستقالة.
وحتى عام 2005، خدم أريستوفيتش في الجيش الأوكراني والاستخبارات العسكرية، قبل أن يتوجه إلى العمل السياسي. ومن بين مواقفه المسجلة في تلك الفترة، معارضته للثورة البرتقالية، كما كان يزور روسيا بانتظام وحتى يشارك في "الحركة الأوراسية الدولية" التي أسسها الفيلسوف القومي الروسي ألكسندر دوغين. وبالتوازي مع ذلك، كان أريستوفيتش يمثل في إعلانات ترويجية ويؤدي أدوارا في مسلسلات من إنتاج روسي وأوكراني.
وبعد بداية النزاع في منطقة دونباس الموالية لروسيا في عام 2014، أصبح أريستوفيتش يدلي بتعليقات لوسائل إعلام بصفته خبيرا عسكريا، وكان ينشر على مدونته بانتظام.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، جرى تعيين أريستوفيتش متحدثا باسم الوفد الأوكراني في مجموعة الاتصال الثلاثية، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته عين مستشارا متعاونا لمدير مكتب للرئيس الأوكراني لشؤون الاتصال الاستراتيجي في مجال الدفاع والأمن الوطني.
ويصنف المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، أريستوفيتش كسياسي معتدل يتطلع لأن تكون بلاده "روسيا بديلة" تجمع بين اعتماد اللغة الروسية والمفهوم الغربي للديمقراطية.
ويقول تشالينكو، في حديث لـ"العربي الجديد": "يرجع ثقل أريستوفيتش في الحياة السياسية الأوكرانية إلى رؤيته لبلاده كروسيا بديلة مختلفة، أي اعتماد اللغة والثقافة الروسيتين من دون التضييق عليهما، مجتمعا على المستوى السياسي مع الديمقراطية والتوجه غربا. في حال هيمن خط أريستوفيتش على الحياة السياسية الأوكرانية، لبقيت شبه جزيرة القرم ودونباس مع أوكرانيا، ولكن التوجه القومي المعادي للثقافة الروسية انتصر في عام 2014".
ونظرا لشخصيته البراقة وشعبيته الكبيرة، أثيرت في أوكرانيا تساؤلات حول إمكانية ترشح أريستوفيتش في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2024. وأعرب أريستوفيتش عن استعداده لذلك في حال لم يترشح الرئيس الحالي، فولوديمير زيلينسكي، لولاية جديدة، وهو التزام لن يعد قائما، على ما يبدو، بعد استقالته.
ومع ذلك، يقلل تشالينكو من احتمال فوز أريستوفيتش في حال ترشحه أمام زيلينسكي، مضيفا: "في عام 2019، حقق زيلينسكي اكتساحا في الجولة الثانية برفعه شعارات السلام، ولكنه سرعان ما عدل عنها تحت ضغوط القوميين. ولكن أريستوفيتش لن يتمكن حتى من رفع مثل هذه الشعارات في زمن الحرب، ما يعني أن زيلينسكي سينتصر أمامه بسهولة عبر تسويقه لنجاحات الجيش الأوكراني على جبهة القتال، خاصة وأن المجتمع الأوكراني لم يبلغ بعد تلك المرحلة من الإنهاك حتى يطالب السلطة بتقديم تنازلات من أجل إنهاء الحرب".
وكان أريستوفيتش قد أعلن أمس عن استقالته، مفسرا قراره برغبته في إظهار مثل لـ"السلوك المتحضر"، وذلك بعد تقديمه اعتذارات عدة عن إدلائه بمعلومات لم يتحقق من صحتها حول واقعة دنيبرو.
وفي وقت سابق، كتب أريستوفيتش على قناته على "تيليغرام": "أتقدم بخالص اعتذاري للمصابين وذويهم وسكان دنيبرو، وجميع من جرحتهم روايتي الخاطئة العاجلة". وشدد على أنه ارتكب "خطأ جسيما" على الهواء مباشرة، معتبرا في الوقت نفسه أن خطأه "لم يأت بتداعيات قانونية أو أخرى تؤثر على سمعة أوكرانيا".
وعلى الرغم من اعتذاره، فإن مستشار مكتب الرئيس تعرض لانتقادات حادة من العسكريين والسلطات المحلية في دنيبرو، إذ أعلن قائد القوات الجوية للجيش الأوكراني نيكولاي أوليشوك أن "القوات المسلحة الأوكرانية لا تملك وسائل نارية قادرة على إسقاط الصواريخ من هذه الفئة"، أي الصواريخ الروسية المتطورة.
يذكر أن قسما من بناية سكنية متعددة الطوابق انهار في دنيبرو جراء انفجار وقع في مساء 14 يناير/كانون الثاني الجاري، بعد سماع إنذار جوي في كافة أنحاء البلاد، وإعلان السلطات عن تشغيل نظم الدفاع الجوي. وبحسب البيانات الأخيرة، لقي 44 شخصا مصرعهم جراء الحادثة، وفق عمدة دنيبرو بوريس فيلاتوف.