أصدرت أحزاب تونسية، اليوم الاثنين، بياناً مشتركاً، نبّهت من خلاله بخطورة الأوضاع في تونس بعد استفراد الرئيس قيس سعيّد بالحكم، مؤكدة أنها بصدد التباحث بشأن صيغ عمل جديدة في إطار موحد.
واعتبرت أحزاب "العمال" و"التيار الديمقراطي" و"القطب" و"الجمهوري" في بيانها أن "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خطيرة، وستزداد خطورة في الأشهر القادمة، وتمثل نتيجة حتمية للسياسات المتبعة منذ عقود"، محملة "منظومة الحكم بكل فرقها المتوالية قبل الثورة وبعدها وصولاً إلى قيس سعيّد اليوم مسؤوليتها وما سينجر عنها في المستقبل".
وأكدت أن "حكومة قيس سعيّد أثبتت منذ توليها السلطة في ظل الحكم الفردي المطلق عجزها وعدم أهليتها لمواجهة هذه التحديات"، محذرة إياها من "توخي سياسة الهروب إلى الأمام، والمضي نحو إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي في كنف السرية".
ويعبّر كثير من التونسيين منذ أشهر عن غضبهم من ارتفاع الأسعار وفقدان مواد من الأسواق، كالسكر والزيت والقهوة وحتى الماء أحياناً، ومواد كثيرة أخرى صارت اليوم تباع بكميات محدودة، وهو مشهد لم يعتد عليه التونسيون في السابق، حتى في الفترة التي يسميها مناصرو انفراد سعيّد بالحكم "العشرية السوداء".
وقالت الأحزاب الموقعة على البيان إن "قيس سعيّد الذي اختار تركيز كل اهتماماته على سبل الاستيلاء على الحكم والتفرد بالنفوذ يتحمّل وحده تبعات ما ستؤول إليه أوضاع البلاد من عجز وانهيار وفوضى، في ظل عدم امتلاكه الكفاءة والقدرة على قيادة عملية إنقاذ البلاد من المخاطر التي تتهددها".
ونبّهت الأحزاب إلى أن" تونس تمضي تدريجياً نحو ارتهان سيادتها الوطنية لصالح صندوق النقد الدولي وقواه الدولية، وأيضاً لصالح بعض القوى الإقليمية نتيجة سياسة اقتصادية عرجاء، وسياسة خارجية باتت تقوم على الانخراط في صراعات إقليمية تهدد جدياً استقلال قرارنا السيادي وأمننا الوطني".
وأواخر الشهر الماضي اندلعت أزمة غير مسبوقة بين تونس والمغرب، بعدما استقبل الرئيس التونسي زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي على هامش قمة "تيكاد 8" (قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا)، بعدما تحاشت تونس منذ اندلاع النزاع المتعلق بقضية الصحراء، الانخراط في هذا الملف، الذي تتهم فيه الرباط الجزائرَ بدعم الطموحات الانفصالية لجبهة "البوليساريو".
إلى ذلك، جددت الأحزاب في بيانها الدعوة "للقوى السياسية والمدنية المنحازة إلى مطالب الشعب التونسي ومطامحه للعمل بصفة مشتركة من أجل صياغة آلية لإنقاذ البلاد من الكارثة المحدقة بها".
يذكر أن هذه الأحزاب كانت قد شكّلت تنسيقية مشتركة لإسقاط الاستفتاء، كأرضية سياسية للعمل المشترك، ريثما تبحث عن قاعدة يمكن البناء عليها في اتجاه تشكيل ائتلاف ما.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد" قال الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، إن "أحزاب المعارضة لها دور وطني لا يمكن أن تتخلى عنه تحت أي ظرف من الظروف، واليوم تواجه تونس مخاطر حقيقية سبق أن نبهت المعارضة إليها، وأكدت أن الأزمة السياسية ستكون لها تداعيات على حياة الناس". وشدد على أن "دستور سعيّد لم يحل أي مشكل من المشاكل الموجودة كما أن الأزمة المالية عمّقت الأزمة الاقتصادية، وأثرت على قوت المواطن".
وأوضح الشابي أن "تنسيقية الحملة الوطنية لمقاطعة الاستفتاء بصدد عقد سلسلة من الاجتماعات لتقييم العمل الذي قامت به، والنظر في الوسائل الجديدة للدفاع عن السلم الاجتماعي، وإنقاذ تونس من المخاطر التي تتهددها نتيجة إخفاق سعيّد ونهجه لسياسة الحكم الفردي"، مؤكداً أن "هناك وعياً بوجود خطر حقيقي يهدد السلم الأهلي في تونس والنقاش اليوم حول الخطوات القادمة".
ولفت إلى أن الرئيس التونسي "بصدد مواصلة سياسة الهروب للأمام، وإصدار مرسوم انتخابي ليلة الانتخابات، وفي ذلك خرق واضح لكل الأعراف والقوانين والتقاليد الديمقراطية"، مضيفاً أن "سعيّد يعمل على استكمال القضاء على الديمقراطية، وبناء نظام استبدادي جديد، ولكن المعارضة بصدد بلورة الخطة الجديدة القادمة، وربما تتقدم المعارضة بمبادرة وطنية لحل الأزمة".
وفي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ سعيّد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة ،الحكومة وتعيين أخرى، وحل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتمرير دستور جديد، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وتعتبر قوى تونسية أن إجراءات سعيّد الاستثنائية تمثل "انقلاباً على دستور 2014 وترسيخاً لحكم فردي مطلق".
وأكد الشابي أن "المطلوب ليس الرد على الخروقات والانتهاكات التي يقوم بها الرئيس، بل المطلوب الذهاب إلى تحقيق المبادرة، وتجميع الرأي العام الوطني حول خطة لإنقاذ تونس، وهذه مسؤولية أحزاب المعارضة"، مشيراً إلى أنه "بعد مضي نحو شهر على الاستفتاء فإن الوضع يستدعى مثل هذا النقاش العميق، والبحث عن أدوات عمل جديدة لمواجهة الاستحقاقات، وفي الحقيقة المعارضة تعي جيداً هذا، وهي تعتزم القيام بواجبها".
بدوره، أكد الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد "أنهم بصدد عقد اجتماعات"، مشيراً إلى أن "شهر أغسطس/ آب كان شهر راحة وعطلة وفترة سفر للبعض".
وفيما أوضح أن السنة السياسية تنطلق عادة في سبتمبر/ أيلول، أكد أنه "لا يوجد قبول للأمر الواقع، وقد أوضحنا بعد 25 يوليو/ تموز رفضنا للأمر الواقع وللدستور الجديد، وللمسار ككل". وشدد على أن "هناك مرحلة جديدة بعد نشر الدستور، ولكن يجري النظر في كيفية التعامل مع ذلك، وسيتم الإعلان قريباً عن الخطوات القادمة".