استمع إلى الملخص
- **انسحاب الولايات المتحدة وروسيا من اتفاقيات الرقابة على الأسلحة**: انسحبت الولايات المتحدة وروسيا من العديد من الاتفاقيات النووية، مما أعاد العالم إلى حالة من "الحرب الباردة" بنسختها الثانية، مع سباق تسلح ومواجهات بالوكالة.
- **توسع "النادي النووي" وتغير ديناميكيات التسلح العالمي**: توسع "النادي النووي" ليشمل دولاً مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وأصبح سباق التسلح مواجهة عالمية تشمل حلف الناتو وروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، مع بقاء الهند محايدة.
صادف اليوم الخميس ذكرى مرور 75 عاماً على أول اختبار لقنبلة نووية في الاتحاد السوفييتي في 29 أغسطس/ آب 1949، وسط دخول العالم مرحلة "الحرب الباردة" وانقسام العالم ثنائي القطب حينها، إلى مناطق نفوذ سوفييتية وأخرى أميركية. ورغم أن حيازة القوى العالمية الكبرى الأسلحة النووية، حالت دون وقوع صدام مباشر بينها طوال العقود الثمانية الماضية، فإن العالم اليوم لا يزال يبدو بعيداً عن الهدوء، مع استمرار سباق التسلح بين أعداد متزايدة من الدول، بما فيها قوى إقليمية.
وما يزيد من خطورة الوضع الراهن، انسحاب القوتين النوويتين العظميين، الولايات المتحدة وروسيا المستحوذتين مجتمعتين على نحو 90 % من الترسانة النووية العالمية، أو تعليقهما العمل بالعديد من الاتفاقات في مجال الرقابة على الأسلحة، بما فيها معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ومعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ومعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ("ستارت-3")، وغيرها. وبذلك، يبدو العالم وكأنه يعيش منذ قرابة عقد حالة من "الحرب الباردة" بنسختها الثانية ذات ملامح تشبه سابقتها من جهة العامل النووي، وسباق التسلح، والمواجهة بالوكالة على أراضي الدول الأخرى، كما هو الحال في أوكرانيا وسورية، وأخيراً في قطاع غزة.
ومع ذلك، يرى الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن امتلاك الاتحاد السوفييتي الأسلحة النووية ساهم في تحقيق توازن القوى العالمية، جازماً بأنه يبقى العامل الردعي الرئيسي لمنع توسع الحرب في أوكرانيا إلى نزاع دولي شامل. ويقول بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "يمكن الجزم بأن حصول الاتحاد السوفييتي على القنبلة النووية شكل محطة مفصلية في تاريخه، كونه جنب عشرات من مدنه مصير مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين اللتين تعرضتا لهجومين نوويين أميركيين في عام 1945. ساهم إنماء الترسانتين النوويتين في احتدام سباق التسلح وقيام توازن جديد للقوى، وفي عهد الزعيم السوفييتي الراحل، ليونيد بريجنيف، تفوقت موسكو السوفييتية على واشنطن في بعض المجالات من الأسلحة".
ويعتبر الخبير أن امتلاك السلاح النووي ساهم في استقرار روسيا حتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ثم أضاف: "أدى الدرع النووي دوراً مهماً في تاريخ روسيا المعاصر، مجنباً إياها سيناريو تدخل الناتو في عهد الرئيس الراحل، بوريس يلتسين، في تسعينيات القرن الماضي، حين كانت البلاد على حافة التفكك. واليوم يحول امتلاك موسكو سلاحاً نووياً دون تحول العملية العسكرية في أوكرانيا من نزاع إقليمي إلى صدام مباشر مع الغرب".
في المقابل، لم يعد سباق التسلح يقتصر على التنافس بين موسكو وواشنطن، بل اكتسب طابعاً عالمياً أقرب إلى المواجهة بين حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة من جانب، وروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران من جانب آخر، وفق ما أوضحه الأستاذ بقسم التاريخ بالجامعة الأميركية في واشنطن بيتير كوزنيك. ونقلت صحيفة "إزفيستيا" الروسية في عددها الصادر اليوم عن كوزنيك قوله: "هذه لم تعد مواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تؤدي دول أخرى فيها أدوار الأعوان والداعمين. اليوم تقف الولايات المتحدة والناتو بوجه روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران. تبقى الهند محايدة، وتحصل على أكثر من 40% من نفطها ونحو 60% من أسلحتها من روسيا".
وخلال السنوات الـ75 الماضية، شهد "النادي النووي" توسعاً كبيراً، ولم يعد يقتصر على الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، وهي روسيا (بصفتها الوريثة المعترف بها للاتحاد السوفييتي) والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا، التي تعتبر ترساناتها النووية "مشروعة" كونها أجرت أولى تفجيراتها قبل تبني معاهدة منع انتشار السلاح النووي في عام 1968. ومع ذلك، أجرت الهند وباكستان وكوريا الشمالية اختباراتها بعد عام 1968، لتنضم أيضاً إلى "النادي النووي" بحكم الأمر الواقع، مع بقاء وضع إسرائيل غامضاً في ظل عدم اعترافها رسمياً أو نفيها امتلاكها أسلحة نووية.