أبرز محطات الأزمة السياسية بين الحكومة ومجلس الأمة في الكويت

23 يونيو 2022
من جلسة البرلمان الكويتي في 16 مارس الماضي (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

أعلن ولي عهد دولة الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في كلمة وجهها إلى المواطنين الكويتيين، يوم الأربعاء، نيابةً عن أمير البلاد، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، عن حلّ مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي حلاً دستورياً، والدعوة إلى انتخابات عامة.

وقال ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد، في كلمة بُثّت عبر تلفزيون الدولة الرسمي: "قررنا مضطرين ونزولاً عند رغبة الشعب واحتراماً لإرادته، الاحتكام إلى الدستور العهد الذي ارتضيناه، واستناداً إلى حقنا الدستوري المنصوص عليه في المادة (107) من الدستور، أن نحلّ مجلس الأمة حلاً دستورياً، والدعوة إلى انتخابات عامة، وفقاً للإجراءات والمواعيد والضوابط الدستورية والقانونية".

وبيّن ولي عهد الكويت أن مرسوم الحل والدعوة إلى الانتخابات "سوف يصدر في الأشهر القادمة بعد إعداد الترتيبات القانونية اللازمة لذلك"، مؤكدا عدم التدخل في خيارات الشعب لممثليه في مجلس الأمة القادم وأن المجلس سيكون سيد قراراته.

وتمنح المادة 107 من الدستور الكويتي لأمير الكويت الحق بأن "يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس للأسباب ذاتها مرة أخرى"، وأن تُجرى الانتخابات للمجلس الجديد في "ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل"، وإلا "يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد".

وحول ذلك، علّق رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، المقرب من الحكومة، في حسابه على "تويتر"، قائلاً: "علينا الالتفاف حول القيادة السياسية في ما تراه، لما فيه مصلحة الوطن العليا، ودعمها ومؤازرتها حتى نعبر بالكويت إلى بر الأمان".

من جانبه، غرّد النائب السابق والمعارض السياسي البارز فيصل المسلم قائلا: "حملت الخطابات مضامين كبيرة واستثنائية، نسأل الله تعالى أن تكون باب خير تعز بها الكويت وأهلها وحكمها، شكراً سمو الأمير، وشكراً سمو ولي العهد، حفظكم الله ورعاكم".

ودخل عدد من أعضاء المعارضة في مجلس الأمة الكويتي يومهم الثامن بعد إعلانهم الاعتصام المفتوح في البرلمان، منذ 14 يونيو/ حزيران الحالي، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تعطل الدستور" ومن أجل الضغط على ولي العهد للإسراع في تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة الحكومة قبل أكثر من شهرين. 

وأصدر النواب المعتصمون بياناً مشتركاً، طالبوا من خلاله بـ"عدم تعطيل العمل بأحكام الدستور، والاحتكام إلى الخيارات التي نصت عليها مواده، وتحديداً المادة (102) من الدستور"، وذلك "احتراماً للإرادة الشعبية التي عبر عنها 26 نائباً، بعد الاستجواب الأخير لرئيس الوزراء، وانتصاراً للشعب الكويتي وحقوقه ومكتسباته المعطلة".

وتمنح المادة (102) من الدستور الكويتي أمير البلاد، في حال أعلن مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، بعد رفع الأمر إليه، إما "أن يعفي رئيس مجلس الوزراء" ويعين وزارة جديدة، أو "أن يحل مجلس الأمة".

ولم يعقد مجلس الأمة جلساته العادية منذ جلسة مناقشة استجواب رئيس مجلس الوزراء، الشيخ صباح الخالد الصباح، في 29 مارس/آذار الماضي، والتي أعقبها إعلان 26 نائباً عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ما يعني الإطاحة بالحكومة، ما أدى إلى استقالة الحكومة في 5 إبريل/نيسان الماضي. وأصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد في 10 مايو/ أيار الماضي، أمراً أميرياً بقبول استقالة الحكومة، وتكليفها تصريف العاجل من الأمور.

اعتصام النواب

وتفاعل عدد كبير من القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني مع اعتصام النواب، بإصدار بيانات تعلن التأييد لهم.

ودعا 19 نائباً سابقاً إلى الانضمام إلى النواب المعتصمين في الـ"دواوين" (ملاحق متصلة بالبيت يتجمع فيها الرجال)، بالتوازي مع اعتصامهم في البرلمان، وخُصصت أماكن للنساء، من الساعة 9 مساءً وحتى 11 مساءً، على أن تطوف في الدوائر الانتخابية الخمس، وذلك في الفترة من يوم السبت الماضي إلى اليوم الأربعاء.

وجرى الاعتصام الأول في ديوانية النائب حسن جوهر، وتحدث خلاله رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، وأُقيم الاعتصام الثاني في ديوانية النائب محمد المطير، وتحدث خلاله النائب السابق فيصل اليحيى بديلاً عن المفكر الكويتي عبد الله النفيسي، الذي أعتذر لعارض صحي.

نُظّم الاعتصام الثالث في ديوانية النائب مهلهل المضف، وتحدث خلاله النائب السابق وليد الجري، أما الرابع فعُقد في ديوانية النائب شعيب المويزري، وتحدث خلاله النائب السابق مرزوق الحبيني، على أن يقام الاعتصام الخامس في ديوانية النائب خالد العتيبي، وأن يكون متحدثاً خلاله النائب السابق فيصل المسلم.

جذور الأزمة

وتعود جذور الأزمة السياسية الحالية بين مجلس الأمة والحكومة، والتي انتهت الأربعاء بالإعلان عن حل البرلمان، إلى انتخابات مجلس الأمة التي جرت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، وتحقيق المعارضة انتصاراً ساحقاً في نتائجها، أسفر عن اجتماع موسع لها تم خلاله الاتفاق على عدم إعادة ترشيح رئيس مجلس الأمة المقرب من الحكومة مرزوق الغانم، وترشيح النائب بدر الحميدي بدلاً عنه، إضافة إلى إدراج "قانون العفو الشامل عن المحكومين بقضايا سياسية" على رأس الأولويات.

وشهدت الجلسة الافتتاحية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020 فوز مرزوق الغانم بمقعد رئيس مجلس الأمة، بخلاف ما خططت له المعارضة، وحصوله على أصوات الحكومة، بالإضافة إلى 9 أعضاء من أصل 37 تعهدوا بعدم التصويت له، ما أدى إلى توجيه ضربة كبيرة للمعارضة في بداية المجلس، وكردة فعل سريعة أعلن ثلاثة نواب من المعارضة في 5 يناير/كانون الثاني 2021، استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح، لاقى تأييد 36 عضوأ، ما دعا رئيس مجلس الوزراء إلى رفع استقالة الحكومة إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، والذي قبلها بدوره وأعاد تكليف الشيخ صباح الخالد ليشكّل الحكومة الثانية له بعد الانتخابات، وأصدر أمير الكويت في منتصف فبراير/شباط 2021 مرسوما أميريا بتأجيل انعقاد جلسات مجلس الأمة لمدة شهر، استناداً إلى المادة (106) من الدستور الكويتي، لتهدئة التأزيم السياسي في البلاد.

وتعرضت المعارضة لضربات متتالية، ففي 14 مارس/آذار 2021، أعلنت المحكمة الدستورية إبطال عضوية زعيم المعارضة آنذاك النائب السابق بدر الداهوم، وفق قانون "منع المسيء للذات الأميرية" من الترشح لانتخابات مجلس الأمة، وأعلنت المعارضة عن مقاطعة جلسة أداء الحكومة اليمين الدستورية في 30 مارس 2021 احتجاجاً على شطب عضوية الداهوم، لكن الحكومة استطاعت تأمين الـ33 عضواً في البرلمان (بمن فيهم الوزراء) اللازمين لعقد الجلسة، واستغلت غياب المعارضة لتقديم طلب تأجيل "الاستجوابات المزمع تقديمها إلى رئيس الحكومة"، وصوّت عليه المجلس بالموافقة، وهو ما شكّل صدمة كبيرة للمعارضة.

وتمكّنت المعارضة بعد ذلك من تعطيل انعقاد الجلسات، عبر جلوسها على مقاعد الوزراء في الصفوف الأمامية، وهو ما اعتبرته الحكومة "مخالفا للأعراف البرلمانية".

حققت المعارضة انتصاراً تاريخياً في الانتخابات التكميلية التي جرت على مقعد بدر الداهوم، بحصول مرشحها أستاذ القانون عبيد الوسمي على أكثر من 43 ألف صوت، والذي وصفه الوسمي بأنه "استفتاء شعبي" على أداء الحكومة. لكنّ الحكومة نجحت في 22 يونيو/حزيران 2021، من تمرير الميزانية العامة رغم استمرار المعارضة بالجلوس على مقاعدها، بالتصويت عند مدخل القاعة وانسحابها بعد ذلك على الفور، وفُضّ دور الانعقاد الأول وسط أزمة خانقة بين مجلس الأمة والحكومة.

ومكّن هدوء العطلة الصيفية الحكومة من تفكيك كتلة المعارضة الصلبة، عبر التفاوض مع أطراف فيها، وكان عبيد الوسمي أبرز طرف تفاوضت معه الحكومة، وانتهت المفاوضات السرية بإعلان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح الدعوة إلى "حوار وطني" بين الحكومة والبرلمان في سبتمبر/ أيلول 2021، أسفر عن إصدار عفو أميري عن المتهمين في قضية دخول مجلس الأمة، والتي صدرت بها أحكام على رموز من المعارضة، على رأسهم النواب السابقون مسلم البراك، وفيصل المسلم، وجمعان الحربش، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وتقديم الحكومة استقالتها وتكليف الشيخ صباح الخالد بتشكيل الحكومة الثالثة له منذ الانتخابات، ودخول ثلاثة نواب من كتلة المعارضة إلى التشكيل الحكومي.

المعارضة: صمود رغم التشظي

رغم تشظي كتلة المعارضة إلى ثلاث مجموعات داخل البرلمان، استمرت الكتلة التي يتزعمها النائب السابق فيصل المسلم بالتصعيد، ورفعت شعار "رحيل الرئيسين"، في إشارة إلى رئيسي مجلس الأمة والحكومة، واعتبرت أن العفو الذي صدر بحق عدد من السياسيين ليس سوى "ابتزاز سياسي لبقائهما".

تمكّن أعضاؤها من استمالة الأعضاء المترددين، وذلك بثلاثة استجوابات متتالية، منذ أدائها اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في مطلع العام الجاري في 4 يناير/ كانون الثاني الماضي، بمعدل استجواب كل شهر تقريباً، استهدفت وزراء في الحكومة، وقد فشلت المعارضة في الإطاحة بهم، فيما نجحت الحكومة بتجاوز سحب الثقة من الوزراء بشق الأنفس.

وتقدم كل من وزير الدفاع السابق الشيخ حمد جابر العلي، ووزير الداخلية السابق الشيخ أحمد المنصور، بالاستقالة من منصبيهما في 16 فبراير/شباط الماضي، احتجاجاً على ما وصفاه بـ"تعسف النواب باستخدام أداة الاستجواب"، حسب ما جاء في بيان الاستقالة.

ولكن استمرار استنزاف الحكومة بالاستجوابات من المعارضة، وتراكم سخط الشارع الكويتي، أديّا إلى عدم تمكنها أخيراً من تحصيل العدد اللازم لحماية رئيس الحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح، بعد ارتفاع عدد أعضاء مجلس الأمة المؤيدين لطلب عدم التعاون معه إلى 26 نائباً، وذلك عقب مناقشة الاستجواب المقدم إليه من المعارضة في 29 مارس/ آذار الماضي، ما أدى إلى تقديمه استقالة الحكومة، في 5 إبريل/نيسان الماضي، وقبل يوم واحد من موعد التصويت على طلب عدم التعاون معه.

المساهمون