يستعد ممثلو الأطراف الليبية العسكرية للقاء خلال الأسبوع الجاري، في جنيف السويسرية، لبحث الملفات العسكرية والأمنية العالقة، في إطار اللقاءات التي تنسقها البعثة الأممية في ليبيا تمهيداً لإطلاق منتدى سياسي جامع في تونس، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتحمل حقائب ممثلي اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 عدة ملفات عالقة لم تنته من حلحلتها، بسبب مستجدات الأوضاع الميدانية في البلاد بعد انكسار مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر عسكريا، وتطابقت معلومات مصادر ليبية مسؤولة عن أهم تلك الملفات.
ملفات حساسة
وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أن لقاء العسكريين في جنيف سيناقش ملف أوضاع منطقتي سرت والجفرة والمواقع الجديدة التي ستنحب إليها قوات الطرفين بمسافة 150 كيلومتراً شرقاً وغرباً، بالإضافة لتشكيل مجلس عسكري يتكون من ضباط من مختلف الرتب العسكرية للإشراف على تفكيك وإدماج المجموعات المسلحة في مختلف أنحاء البلاد.
وبعد الاتفاق على تثبيت وقف إطلاق النار بشكل نهائي، يتفق الطرفان على وضع خطط وبرامج بشأن المجموعات المسلحة، لكن أكثر الملفات حساسية يتعلق بالمقاتلين الأجانب في كلا الطرفين.
وأكدت المصادر أن البعثة الأممية منخرطة بشكل كبير في اتجاه حلحلة مسألة الوجود العسكري التركي والروسي، ما اعتبره الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق خطوة أممية جديدة تهدف لتحييد تأثير المتدخلين الخارجيين في الملف الليبي، من خلال إلزامهم بتنفيذ تعهداتهم في قمة برلين التي انعقدت في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويرى البرق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن البعثة بدعم أميركي واضح نجحت في نقل الملف الليبي من دائرة الخلافات الدولية إلى دائرة أضيق في مجالها الإقليمي، مشيراً إلى أن ماراثون اللقاءات التمهيدية الأخيرة احتضنته عواصم إقليمية، فيما بدت تصريحات قادة الدول الأخرى على هامش ما يدور في تلك العواصم.
توجس روسي
وعبرت موسكو عن توجسها من الدور الأميركي في ليبيا، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال تصريحات صحافية الأربعاء الماضي، أن واشنطن تسعى لإضعاف الدورين الروسي والتركي في ليبيا.
وعلى الصعيد الأوروبي، أعلنت فرنسا عن مبادرة جديدة سعت للتنسيق فيها مع مصر لبحث حلول سياسية واقعية في ليبيا، في محاول للاقتراب من التفاعل الحاصل في دول الجوار الليبي مع الجهود الأممية، بحسب البرق، معتبراً أن من بينها الترحيب الفرنسي باستضافة تونس للقاء الليبي الجامع الذي تمهد له البعثة الأممية مطلع الشهر المقبل.
ويرى البرق أن زيارة رئيسة البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز لموسكو، أمس الجمعة، ولقاءها بوزير الخارجية سيرغي لافروف، دليل واضح على هدف البعثة خفض تأثير الدول المنخرطة في الصراع الليبي ومنها روسيا، خصوصاً مع الضغط الأوروبي على شركة فاغنر التي تتدخل روسيا عبرها في ليبيا.
ووصفت البعثة اللقاء مع لافروف بـ"المثمر"، موضحة أن اللقاء ناقش "مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالأزمة الليبية، بما في ذلك الشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية"، وأنهما اتفقا على "ضرورة تنسيق الجهود" دعماً لمسارات الحوار الليبي التي تيسرها الأمم المتحدة وفقاً لخلاصات مؤتمر برلين وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
وتأتي الزيارة عقب إعلان الاتحاد الأوروبي، الخميس، فرضه عقوبات على شخصيات مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينهم يفغيني بريغوجين المعروف بإدارته لمجموعة فاغنر.
ويلفت البرق إلى أن بيان الخارجية الروسية، عقب زيارة ويليامز، نقل عن لافروف ارتياحه لـ"مشاركة جميع القوى السياسية التي لها نفوذ على الأرض" في عملية الحوار السياسي. ويرى البرق أن البيان تضمن إشارة واضحة إلى مكاسب سياسية جديدة لصالح روسيا، تتعلق بحصولها على ضمانات لمشاركة قوى ليبية مقربة منها في عملية الحوار السياسي.
ويرجح البرق أن تلك القوى التي يعنيها البيان الروسي هي ممثلي أنصار النظام السابق، فموسكو وإن كانت لا تزال عسكرياً قريبة من حفتر إلا أن سياساتها لا تبدو أنها تعول عليه من الأساس.
وبينما يعتقد البرق أن زيارة ويليامز لموسكو جاءت للتمهيد لمناخ مناسب للقاء اللجان العسكرية المشتركة الليبية وإرسال تطمينات للجانب الروسي بشأن مصالحه في ليبيا، يعبر الناشط السياسي الليبي حسين مفتاح عن مخاوفه من استمرار وجود قوات طرفي الصراع في نقاط تماس مباشرة، وتحديداً على تخوم مدينة سرت.
نواب طبرق يعرقل
ويشدد مفتاح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أهمية انتهاء المشاورات العسكرية إلى نتائج ملموسة في وقت قريب، لافتاً إلى أن حلفاء حفتر المحليين لا يزالون على مواقفهم التي لم تستطع استيعاب صدمة هزيمة حفتر التي انتجت واقعاً سياسياً جديداً.
ويشير مفتاح إلى محاولة ممثلي مجلس نواب طبرق عرقلة مشاورات المسار الدستوري في القاهرة، الأسبوع الماضي، معتبراً أن استمرار خرق مليشيات حفتر للهدنة على تخوم سرت عامل يبعث على القلق المستمر من إمكانية نسفه لكل الجهود الحالية.
وحول المقاربة التي يمكن أن تجريها الأمم المتحدة بشأن الإسراع بحلحلة الأوضاع الميدانية في سرت والجفرة، يقول مفتاح إن "انخراط البعثة في هذا الجانب جاء بعد فشل التقارب التركي الروسي، فلا يمكن إقناع موسكو بالتخلي عن مواقعها في الجفرة من دون تغيير أنقرة التي تشغل قواتها قاعدة الوطية مواقعها بالمقابل".
ومنذ منتصف الشهر الماضي تتجه حكومتي تركيا وطرابلس لتخفيف بنود الاتفاقات الموقعة بينهما، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، لا سيما الاتفاق الأمني، من خلال الإبقاء على بنود تتعلق بالتدريب والخبرات العسكرية.
وتشير تصريحات قادة طرابلس وأنقرة إلى اتجاه لتفعيل الأنشطة التجارية بين الطرفين، ومنها التأكيد على قرب عودة الشركات التركية لاستكمال مشاريعها في ليبيا، وهو ما يعتبره مفتاح مؤشرا على نجاح البعثة الأممية في نقل الملف الليبي من دوائر الصراع الدولي إلى ساحات التفاهمات الإقليمية، خصوصاً في دول الجوار الليبي التي ستتوجها بلقاء ليبي جامع في تونس.
الأوضاع مهددة
ورغم كل تلك الجهود الأممية المدفوعة بضوء أخضر أميركي، يلفت مفتاح إلى أن الأوضاع لا تزال "مهددة بالرجوع إلى المربع الأول"، مشيراً الى أن مسائل لا تزال على الهامش، منها قرب انتهاء المهلة المعلنة من قبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج الذي حدد موعد استقالته بنهاية الشهر الجاري، من دون أن تناقش هذه المسألة التي قد تؤدي لوجود فراغ سياسي، يتزامن مع فراغ أممي أيضاً، فـ"أيام مهمة ويليامز ستنتهي خلال أيام، وسط خلافات كبيرة بين أعضاء مجلس الأمن بشأن تعيين مبعوث جديد خلفاً لغسان سلامة المستقيل منذ مارس/آذار الماضي".