استبق المجتمع الدولي الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري، أمس الأول الأربعاء، بالتأكيد أن نتائجها لن تكسب بشار الأسد الشرعية، ولن تسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لأنها جاءت خارج سياق القرار الدولي 2254، ما يعني أن العقوبات المفروضة على النظام منذ عشر سنوات، والضغط السياسي لن يُرفع قبل أن يلتزم بعملية سياسية ذات جدوى.
وفي أول رد من الأمم المتحدة على هذه الانتخابات، قال المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، خلال إحاطة في مجلس الأمن عقدت الأربعاء حول تطورات الوضع في سورية، إن الانتخابات التي أجراها النظام "ليست جزءاً من العملية السياسية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2254، والأمم المتحدة غير منخرطة فيها، وليس لديها تفويض للقيام بذلك". وأضاف أن الأمم المتحدة تواصل التأكيد على أهمية التوصل لحل سياسي في سورية لتنفيذ القرار 2254، الذي يظل "هو السبيل الوحيد المستدام لإنهاء الصراع ومعاناة الشعب السوري".
بوريل: الانتخابات لن تكون موثوقة إلا إذا شارك فيها جميع السوريين
وكان النظام قد عرقل جهود الأمم المتحدة للتوصل لحل سياسي، ورفض تطبيق القرارات الدولية، بدءا من بيان جنيف 1 الذي صدر منتصف العام 2012، وانتهاء بالقرار 2254 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي نهاية 2015. ويبدو أن أعمال اللجنة الدستورية، التي يبذل بيدرسون كما قال الأربعاء "جهوداً لعقد الدورة السادسة للهيئة المصغرة"، باتت غير ذات جدوى، مع تمديد الأسد لنفسه لسبع سنوات جديدة تنتهي في 2028. وليس من المتوقع أن ينهي الأسد ولايته الحالية من أجل إجراء انتخابات بناء على دستور جديد، خصوصاً أن المجتمع الدولي ليس في وارد استخدام القوة لإجبار الأسد على ترك السلطة.
وكانت الولايات المتحدة، قد أكدت الثلاثاء الماضي في بيانٍ مشترك مع أربع دول أوروبية، وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، أن الانتخابات السورية "لن تكون حرة ولا نزيهة"، مستنكرة قرار نظام الأسد بإجراء انتخابات "خارج الإطار الموصوف في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254". وتفرض هذه الدول عقوبات مشددة على النظام منذ العام 2011 أدت إلى شلل اقتصاده، خصوصاً بعد دخول عقوبات "قانون قيصر" حيّز التنفيذ منتصف العام الماضي.
كما قال الاتحاد الأوروبي إن الانتخابات لم تتضمن أياً من قواعد الديمقراطية، ولن تساهم في حل الأزمة، بل ستقوضها. وأفاد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، في بيان أمس الخميس، بأنه يجب إجراء الانتخابات في سورية في إطار عملية سياسية حقيقية وفق القرار الأممي 2254. وأكد أن الانتخابات لن تكون موثوقة، إلا إذا شارك فيها جميع السوريين، بما فيهم النازحون، واللاجئون في دول الشتات، في منافسة حرة ونزيهة وسط بيئة آمنة ومحايدة. وشدد على أن هذه الانتخابات تقوض مساعي الحل في سورية.
وفي أول رد إقليمي على الانتخابات الرئاسية التي جرت وفق دستور عام 2012، قالت وزارة الخارجية التركية، في بيان الأربعاء الماضي، إنها "غير شرعية ولا تعكس الإرادة الحرة للشعب"، مشيرة الى "أن هذه الانتخابات أجريت في ظل ظروف غير حرة وغير عادلة، وتتعارض مع نص وروح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بشأن التسوية السياسية للصراع السوري". ولفتت إلى "أن الانتخابات تكشف في الوقت نفسه عن النهج غير الصادق للنظام تجاه العملية السياسية"، مشددة على أهمية عدم السماح لمحاولات النظام الرامية إلى تأمين شرعية مصطنعة عبر الانتخابات التي تعرف نتائجها أصلاً، مؤكدة أن تركيا ستواصل بحزم جهودها في هذا الاتجاه وسط تضامن مع الشعب السوري.
وفي سياق ردود الفعل الرافضة للانتخابات، قالت المتحدثة باسم حزب "الخضر" النمساوي عن السياسة الخارجية وحقوق الإنسان، إيفا إرنست دزيدزيتش، في فيينا، أمس الأول، إن "الأسد سيفوز، لكن شعبه سيخسر مع هذه الانتخابات الوهمية". وأضافت أن إعادة انتخاب الأسد "لن تؤدي إلا إلى زيادة تقسيم البلاد، وتفاقم الوضع الأمني على الأرض، وجعل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم أكثر صعوبة، إن لم تكن مستحيلة". وكانت ألمانيا، التي تستضيف نحو مليون مهاجر سوري، منعت تصويت السوريين في سفارة بلادهم في برلين، لأنها لا ترى "أي علامات تفيد بأن الانتخابات ستكون حرة وعادلة".
عبد المجيد بركات: التصريحات والمواقف الإقليمية والدولية غير كافية
من جهته، رأى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، عبد المجيد بركات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التصريحات والمواقف الإقليمية والدولية التي رفضت العملية الانتخابية لبشار الأسد غير كافية، إن لم تتبعها إجراءات حقيقية تغيّر القواعد، ويكون لها تأثير مباشر على شرعية النظام، داخل وخارج سورية". وأشار بركات إلى أن الأسد "يحاول ترميم شرعيته إقليمياً ودولياً"، مضيفاً: ما قام به النظام خرق جسيم للعملية السياسية التي تعاني أصلاً من ترهل. ولفت إلى أن النظام، من خلال الانتخابات، "يعزز التقسيم الموجود في سورية على المستوى الجغرافي والسكاني، وهذا منافٍ للتفاهمات الدولية التي تؤكد على وحدة سورية أرضاً وشعباً"، مضيفاً: "يفترض أن يكون للمجتمع الدولي موقف حيال العملية السياسية".
من جهته، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الانتخابات "لن تحدث أي فرق في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع بشار الأسد"، مضيفاً: "هذا أكبر دليل على فشله، ودليل على عدم رغبة الأسد في أي حل سياسي ونسف مسار جنيف".
ومن المتوقع أن يحاول النظام في المرحلة المقبلة تعزيز الاتجاه نحو الدول العربية التي لم يصدر عنها حتى ظهر أمس الخميس ردود أفعال حول الانتخابات الرئاسية. وكانت جرت محاولات قبيل الانتخابات لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية التي كانت جمدت عضويته أواخر العام 2011، بسبب رفضه حلولاً تقدمت بها الجامعة لإنهاء الأزمة السورية. لكن هذه المحاولات اصطدمت برفض دول عربية فاعلة في الجامعة التطبيع مع النظام، ما لم يلتزم بخطة الأمم المتحدة للحل، والتي رُسمت في القرار الدولي 2254. ومن الواضح أن النظام يطلب ود السعودية منذ أشهر، في محاولة لإعادة تأهيله عربياً في خطوة واسعة لتعويمه مرة أخرى إقليمياً ودولياً.
وفي هذا الصدد، قالت المستشارة السياسية لبشار الأسد، بثينة شعبان، في حديث لإذاعة سورية محلية، الأربعاء الماضي، إن "هناك جهوداً تبذل لعلاقات أفضل بين دمشق والرياض، وقد نشهد في الأيام المقبلة نتائج بهذا الموضوع"، مضيفةً أن "زيارة وزير السياحة للرياض خطوة إيجابية، ولم تكن ممكنة قبل سنوات". وكان وزير السياحة في حكومة النظام محمد رامي رضوان مارتيني شارك في الاجتماع الـ 47 للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض الأربعاء. وسرب النظام أخيراً أنباء عن زيارة قام بها رئيس الاستخبارات السعودية إلى دمشق، إلا أن مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية، السفير رائد قرملي، لم يؤكد هذه الأنباء.