لا تزال رائحة الموت والدمار تفوح من شارع الوحدة وسط مدينة غزة، والذي شهد مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في اليوم السابع من حربها على القطاع التي بدأت في 10 مايو/أيار من العام الماضي، والتي سمّتها "حارس الأسوار"، فيما لم تُعبّد الشوارع المؤدية إلى الشارع حتى اللحظة.
وعلى الرغم من انقضاء عام كامل على العدوان الإسرائيلي الأخير، إلا أن أحداثه وصوره لا تزال ماثلة، بفعل بقاء آثار هذا العدوان، نتيجة عدم البدء بإعادة إعمار ما دمرته الطائرات الحربية التي انهالت على البنية التحتية والمنازل المدنية بشكل مُرعب.
وتظهر ملامح الدمار وقسوة المشهد، في شارع الوحدة، الذي كان أيقونة الحرب الأخيرة، إذ شهد مجزرة أدت إلى مقتل 42 فلسطينياً، وإصابة ما لا يقل عن 50 آخرين بإصابات مختلفة، بعد استهداف عدد من العمارات السكنية في الشارع، وقصفها على رؤوس ساكنيها المدنيين، من دون سابق إنذار أو تحذير.
خلّفت الهجمات الصاروخية الإسرائيلية دماراً هائلاً في مختلف محافظات غزة الخمس
دمار هائل جراء عملية "حارس الأسوار"
وخلّفت الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على قطاع غزة، براً وجواً وبحراً، دماراً هائلاً في مختلف محافظات القطاع الخمس (شمال غزة، غزة، الوسطى، خان يونس، رفح)، ولا سيما في المباني السكنية والأبراج التي تمت إزالة رُكامها بهدف فتح الشوارع وتسهيل الحركة المرورية، بينما تحوّلت أماكنها إلى حُفر مُحاطة بالشوادر (الغطاء البلاستيكي) أو الأسلاك المعدنية. هذا علاوة على الدمار الذي طاول المحال التجارية، والتي لم يحصل أصحابها على تعويضات حتى اللحظة.
وفي السياق، يقول المهندس الفلسطيني علاء الغليظ، وهو من سكان "عمارة الداعور" في شارع الوحدة، والتي تعرضت للقصف خلال استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية للمنطقة، إنه "تم استهداف المنطقة بشوارعها ومفترقاتها بشكل مفاجئ منتصف ليل 16 مايو من العام الماضي، بأكثر من 30 صاروخاً في غضون خمس دقائق".
ويصف الغليظ في حديث مع "العربي الجديد"، اللحظات التي مرت على المنطقة وقتها بأنها "عصيبة ومُرعبة، فقد اعتقد الجميع أنهم سيصبحون في عداد الشهداء، فقد تم استهداف المنطقة المكتظة بالسكان بشكل مكثف، ومن دون أي سابق إنذار".
ويوضح الغليظ أن العمارة السكنية التي كان يقطنها، تمت إزالتها بعد انتهاء الحرب بسبب خلل في الأساسات بفعل القصف الجانبي، وقد انتقل مع أسرته المكونة من سبعة أفراد، إلى السكن في منزل بالإيجار.
ويقول "انتظرنا طويلاً أن تتم إعادة إعمار البناية، ولكن من دون جدوى"، داعياً إلى الإسراع في عملية الإعمار، كي يتمكن من العيش بأمان برفقة أسرته، التي فقدت البيت بكافة محتوياته ومقومات الحياة فيه، وفق تعبيره.
إلى الغرب من مدينة غزة، تحوّل برج هنادي، بما يضم من مكاتب صحافية وتجارية ومكاتب محاماة، إلى مجرد حُفرة. كما لا تزال ملامح الدمار مرتسمة على المباني المُجاورة.
كذلك، لا تزال العديد من الشوارع الرئيسية ممتلئة بالأتربة المتطايرة من المفترقات والطرق التي قُصفت خلال الحرب بهدف شل حركة السيارات والإسعافات، ما خلق أزمات مرورية حادة، فيما لم يتم تعبيد تلك الطرق إلى الآن على الرغم من مرور عام على انقضاء الحرب.
وتستغرق السيارات وقتاً أطول عند المرور في الشوارع والمفترقات التي تم قصفها بفعل الخراب الذي طاولها، بينما لا تزال أكوام الحديد المُستخدم في البناء داخل وعلى جنبات المباني التي تم تدميرها، وقد بقيت أجزاء داخل الأساسات من دون إزالتها، في لوحة تُبقي صورة الحرب والدمار حاضرة في أذهان المارة.
محمد بكرون: الأوضاع في قطاع غزة حالياً باتت أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب
خيبة بشأن إعادة إعمار غزة
من جهته، يعبّر الفلسطيني محمد بكرون، عن خيبة أمله بشأن إعادة سريعة للإعمار، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يزال برج الشروق (وسط غزة) مدمراً، وقد تحوّل إلى كومة من الركام والحديد، وكذلك عمارة حسنية المجاورة، ولم يتم حتى تعويض السكان الذي كانوا يقطنون هناك".
ويشير بكرون إلى أن "الأوضاع في قطاع غزة في الوقت الحالي باتت أسوأ من الأوضاع قبل الحرب، إذ لم تتم حتى اللحظة إعادة إعمار منطقة الرمال (غرب قطاع غزة)، والتي تعتبر منطقة تجارية ومن أكثر مناطق مدينة غزة حيوية".
ويضيف "الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة زاد قسوةً، فيما ازدادت أوضاع المواطنين سوءاً، إذ لم تتغيّر الأحوال بعد عام من انتهاء الحرب سوى للأسوأ"، داعياً الدول التي وعدت بإعادة إعمار القطاع "إلى الإسراع في تنفيذ وعودها، كي تعود الحياة إلى طبيعتها".
وتنفض بعض البيوت والشقق السكنية ملامح الدمار عنها، بعدما تعرضت شقق بعينها داخل الأبراج للقصف، فيما لا تخلو منطقة من أعمال الصيانة البسيطة للمداخل وواجهات البنايات المحيطة بأماكن القصف، والتي طاولها تأثير الانفجارات القوية والمتتالية.
ويلاحظ بوضوح مدى الدمار في المناطق التي تعرضت للقصف المُركز، إذ لا يزال شارع الصناعة بمدينة غزة وأبراج السوسي السكنية، شاهدة على تفاصيل القصف العنيف الذي هز المنطقة، وأدى إلى تدمير واسع في تلك الأبراج والبنية التحتية والمفترقات المحيطة، علاوة على الدمار الواسع الذي خلفه القصف شمال قطاع غزة، والذي نفذته الطائرات الحربية الإسرائيلية في الرابع عشر من مايو الماضي، وغيّر ملامح المنطقة بشكل كامل.