"نوردستريم" نقطة توتر أخرى بين روسيا والغرب في البلطيق: تسرب أم استهداف؟

28 سبتمبر 2022
تسرب الغاز في نورد ستريم قرب جزيرة بورنهولم الدنماركية (الأناضول)
+ الخط -

منذ الإعلان الأول، أول أمس الإثنين، عن وجود تسرّب في خط غاز نورد ستريم 1، توالت الأخبار، أمس الثلاثاء، عن أنّ التسريب يشمل منطقتين أخريين في خطي سيل الشمال 1 و2 في بحر البلطيق.

ولم يستدعِ التسريب الأول في المياه الدولية، الإثنين، قرب جزيرة بورنهولم الدنماركية، والواقع ضمن نطاق مصالح كوبنهاغن الاقتصادية، مواقف واضحة، ولا أخباراً وتخمينات عن الأسباب، مثلما أصبح الوضع عليه مع الإعلان الدنماركي، مساء أمس الثلاثاء، أنّ "عملية تخريب جرت" بعد الكشف عن تسريبين آخرين في نطاق المياه الاقتصادية السويدية.

إصابة أنابيب نورد ستريم 1 و2 بتسرّب كانت متزامنة تماماً مع افتتاح الدنماركيين والبولنديين، أمس، لخط غاز آخر؛ "أنابيب البلطيق"، وهو خط نرويجي- دنماركي يزود بولندا بداية بغاز دنماركي مع مطلع أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ويليه تدفق نرويجي.

وعقد اجتماع طارئ في كوبنهاغن لما يسمى "مجلس الطوارئ"، طيلة أمس الثلاثاء، بينما رفعت رئيسة حكومة الدنمارك ميتا فريدركسن المتواجدة في بولندا وعدد من الوزراء الآخرين، مستوى التخمينات بعد الحديث عن أنّ الحدث "ليس مجرد حادث عرضي".

وبرغم غياب تفاصيل كثيرة، وعدم توجيه أصابع الاتهام إلى جهة بعينها، فإنّ ما يجري الحديث عنه أنّ "انفجارات حدثت" في أنابيب خطي سيل الشمال 1 و2.

وبعيداً عن فرضيات الأوكرانيين أنّ المسؤولية تقع على عاتق "الإرهاب الروسي"، كما كتب المستشار الرئاسي الأوكراني ميخائيلو بودولاك على "تويتر": "تسرب الغاز في نورد ستريم ليس أكثر من هجوم إرهابي خططت له روسيا وعمل عدواني ضد الاتحاد الأوروبي"، فقد سارعت سفارة موسكو في كوبنهاغن، مساء أمس الثلاثاء، إلى المطالبة بنشر علني للتحقيق بالتسريب.

وعلى ما يبدو أنّ نظرية التخريب المتعمّد ذهبت برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مساء أمس الثلاثاء، إلى اعتبار الحادث "محاولة متعمدة لتعطيل البنية التحتية الأوروبية للطاقة"، وأنها "ستواجه أقوى رد ممكن".

في وقت لاحق من مساء الثلاثاء، كتبت رئيسة المفوضية الأوروبية على "تويتر" أنّ المفوضية تريد "الوضوح الكامل" بشأن تسرب الغاز. كتبت هذا بعد أن تحدثت إلى فريدريكسن عن "العمل التخريبي"، مؤكدة أنّ أي محاولة متعمدة لتعطيل البنية التحتية للطاقة الأوروبية "غير مقبولة"، محذرة في الوقت عينه من أنه سيواجه "أقوى رد فعل ممكن".

من ناحيته، سارع المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، إلى التعبير عن قلق بلاده، مطالباً بإجراء تحقيق فوري. ولدى سؤال عما إذا كان الحادث يمكن أن يكون تخريباً أجاب بأنه لا يمكن استبعاد أي شيء في الوقت الحالي. وعززت رئيسة وزراء السويد المنتهية ولايتها، ماغدالينا أندرسون، فرضية التخريب حين صرّحت، مساء أمس الثلاثاء، بأنّ الحادث "ربما يكون عملية تخريبية".

وأعلن الجيشان الدنماركي والسويدي تعزيز وجودهما في منطقة البلطيق مشيرين إلى أنّ أماكن التسرّب تحولت إلى "بحيرات تغلي بفقاقيع الغاز"، بينما تتباحث الأجهزة الاستخباراتية العسكرية في البلدين في التوصل إلى حيثيات ما حدث.

إذاً، الطرفان الأوروبيان يتفقان على ضرورة إجراء تحقيق وترك الباب مفتوحاً أمام فرضية "التخريب المتعمد"، دون تلميح جاد إلى الجهة المسؤولة. وأشارت كوبنهاغن إلى أنها بموجب ما تقتضيه البروتوكولات، فقد تم التواصل مع الجانب الروسي، الذي يفترض أن يشارك في التحقيقات إلى جانب الدول المعنية بخط سيل الشمال.

اللافت في تزايد انتقال الحديث الأولي عن "تسرب" غاز إلى تخريب وانفجارات ضربت الأنابيب الضخمة في عمق مياه بحر البلطيق، توالي شهادات من السويد عن تسجيل علماء زلازل في السويد والدنمارك انفجارات تسببت في هزات على مقياس ريختر بمقدار 2.1 و2.3 "وهي تتوافق مع انفجار كبير أو جراء قنبلة حرب قوية إلى حد ما"، كما نقلت، صباح اليوم الأربعاء، صحيفة "بوليتيكن" عن أستاذ الجيوفيزياء في جامعة كوبنهاغن، كلاوس موسغورد.

Image
خريطة نقل الغاز الروسي.. 6 شرايين تضخ الطاقة إلى أوروبا

على كل، بانتظار نتائج التحقيقات الأولية لا يستبعد أن تتحول قضية نورد ستريم إلى نقطة توتر أخرى في علاقة الأوروبيين، ومعهم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وروسيا، المشتعلة أصلاً على خلفية دعم الغربيين للأوكرانيين في مواجهة الجيش الروسي.

ولعل التراشق حول المسؤولية عن فرضية تفجير طرف ما للأنابيب في ثلاثة أماكن يفصل بينها نحو 70 كيلومتراً، سيزداد في الأيام المقبلة، ولا سيما أنّ بعض المعلقين والخبراء العسكريين يذهبون اليوم إلى اعتبار ما جرى "ليس مجرد حادثة تخريب بسيطة"، ويلمح بعضهم إلى وجود فاعل "بإمكانات دولة".

وتملك وتدير خط نورد ستريم 1 شركة نورد ستريم إيه جي، كما تملك شركة غازبروم الروسية الحكومية 51% من أسهمه. ويمتد على طول 1224 كيلومتراً بخطوط أنابيب ضخمة من شمال روسيا إلى الشمال الألماني، وتم افتتاح هذا الخط في أواخر 2011، وهدف إلى زيادة أمن الإمداد نحو أوروبا وجعل الغاز أرخص من نقله عبر سفن نقل.

وبات نورد ستريم 1 معطلاً اليوم بعد أن أغلقه الروس بحجة الإصلاحات، بينما ينظر أوروبياً إلى وقفه باعتباره محاولة من موسكو للضغط على مواقف الأوروبيين المعارضين للغزو الروسي لأوكرانيا.

واكتمل بناء نورد ستريم 2، في يناير/ كانون الثاني العام الحالي، فيما فرضت الولايات المتحدة الأميركية في 2018 عقوبات على الشركة والشركات الأوروبية المتعاونة مع الروس، وراح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، يخوض صدامات مع الأوروبيين، ولا سيما برلين، باعتبار أنّ إمدادات الغاز الروسي ستتحول مستقبلاً إلى وسيلة ضغط على القارة.