"مواطنون ضد الانقلاب" أمام اختبار حشد الشارع التونسي اليوم

14 نوفمبر 2021
أظهرت الحملة تنظيماً وقدرة على الحشد في تظاهرة 10 أكتوبر(Getty)
+ الخط -

يراهن قادة ونشطاء حراك حملة "مواطنون ضد الانقلاب" في تونس، على نجاح الوقفة الاحتجاجية التي دعوا إليها اليوم الأحد، والمقررة أمام مقر البرلمان في شارع باردو في العاصمة التونسية، في امتحان جماهيري جديد لحشد الشارع، بعد تبلور مطالب ما أصبح يعرف أيضاً بـ"المبادرة الديمقراطية" للخروج من الأزمة في البلاد بعد الإجراءات "الاستثنائية" التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي، والمتواصلة منذ أن أقدم على تجميد عمل البرلمان وحلّ حكومة هشام المشيشي. وتحولت المبادرة إلى تنظيم أكثر هيكلية، من خلال قياداته التي تعمل على الحشد لإنجاح خريطة الطريق المتفق حولها، والموجهة إلى كلّ القوى الحزبية والمدنية في البلاد المناهضة لـ"انقلاب" سعيّد. ويؤكد قادتها على سلمية حراكهم، الذي يهدف إلى وضع مقترحات للحل في إطار أكثر تنظيماً، وذلك في مقابل محاولة السلطات لجم تحركاتهم واجتماعاتهم وعرقلتها.

تحولت الحملة إلى تنظيم أكثر هيكلية، حيث تعمل قياداته على الحشد لإنجاح خريطة الطريق المقترحة

وأكدت الحملة أمس السبت، أن الديمقراطيّة هي أسلوبها في مواجهة الانقلاب، منتقدة المضايقات التي تمارس على الاحتجاجات والتضييق على حرية التظاهر. وشددت على أنها صاحبة رؤية للحل، وليس هدفها المعارضة فقط.

وتقوم "المبادرة الديمقراطية" على مجموعة نقاط للحل، وتقضي بإلغاء حالة الاستثناء وكل ما ترتب عليها من إجراءات اعتباطية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، والاستعداد إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، بالإضافة إلى عودة مجلس النواب فوراً لتعديل نظامه الداخلي، على أن يعمل لاستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وإرساء هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، وتجديد عضوية ثلث أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

وكان حراك "مواطنون ضد الانقلاب" قد انطلق بردود فعل أولى مبدئية على انقلاب الرئيس سعيّد، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خوفاً على انكسار المسار الديمقراطي، ثم تمّت الدعوة من نشطاء وجامعيين إلى وقفة احتجاجية رافضة لإجراءات سعيّد في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة في 18 سبتمبر/أيلول الماضي. وأعطى نجاح التظاهرة الأولى دفعاً للحراك للدعوة إلى اجتماع شعبي في مدينة بومهل بمحافظة بن عروس في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غير أن وزارة الداخلية رفضت الترخيص لهم بالتجمهر، وفق بيان صادر عن الحراك حينها. وسرعان ما دعت قيادة الحراك إلى مسيرة أخرى في 10 أكتوبر في شارع الحبيب بورقيبة، حيث أظهرت تنظيماً وتنسيقاً وحشداً أكبر من سابقاتها، على الرغم من كل التضييقات الأمنية لمنع وصول المتظاهرين إلى الشارع. وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، منعت السلطات قيادة الحراك من عقد ندوة صحافية للإعلان عن خريطة الطريق ومبادرتها الديمقراطية، فاضطرت إلى عقدها أمام مقر قاعة الندوات في باب سعدون بالعاصمة، وأعلنت عن احتجاجات مقررة اليوم، بعدما كشفت عن موقفها من الأزمة وبرنامجها للخروج منها. ونفى سعيّد أن يكون قد تدخل لمنع اجتماع 8 نوفمبر، قائلاً إن "خطابهم يتغير وفق المصالح، ولم أنتبه للاجتماع ولا للحاضرين فيه"، متسائلاً: "لماذا أمنعهم؟ وأي وزن لهم حتى أمنعهم؟". وفي كل مرة كانت تتحرك فيها المجموعة، كانت تجابه بردود فعل ساخرة من الرئيس التونسي في خطاباته، وهجوم من أنصاره على شبكات التواصل الإجتماعي.

وحول خريطة الحل، أكد أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، شاكر الحوكي، أن حراك "مواطنون ضد الانقلاب انطلق عفوياً، وبدأ يكتسح الشارع في كل مناسبة، مكذّباً ادعاءات الرئيس قيس سعيّد حول برنامجه وحول التفويض الشعبي". وأوضح الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك عرف تطوراً وتحولاً وعمقاً، من خلال تبلور الأفكار والمطالب والهيكلة، وأصبحت المبادرة الديمقراطية التي تم الإعلان عنها، بأفق ورؤية أكثر وضوحاً"، لافتاً إلى أن "الوجوه التي كانت تعبر عن الحملة أصبحت معروفة ومعلومة وبوجوه مكشوفة وواضحة".

وحول مضامين "المبادرة الديمقراطية"، شرح الحوكي أنها تتضمن "خطة طريق تحمل جملة من المطالب، وسوف نعمل من خلال الوقفة الاحتجاجية (اليوم الأحد) بكل الوسائل السلمية المتاحة لفرض هذه الخطة على جميع الأطراف، وفي الأساس على رئيس الجمهورية المنقلب"، لافتاً إلى أن "المبادرة تسير نحو مزيد من الهيكلة والتنظيم، حيث إن هناك من يقوم بالتنسيق، وهناك انسجام كلّي حولها وحول قضيتها". وفي هذا الإطار، بيّن الحوكي أن المطالب تقوم على ''إلغاء حالة الاستثناء وكلّ ما ترتب عنها من إجراءات لاشرعية، وفرض العودة إلى المسار الدستوري استعداداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة خلال النصف الثاني من عام 2022، مع استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وإرساء بقية الهيئات الدستورية".

تقضي المبادرة بإلغاء حالة الاستثناء وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، والاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة

من جهته، اعتبر أحد قادة "مواطنون ضد الانقلاب"، الناشط السياسي الحبيب بوعجيلة، أنه "على عكس ما يتمناه المنقلبون على الدستور ودولة المؤسسات الشرعية المنتخبة والهيئات الدستورية، تقوم تحركات المناهضين لسلطة الاستثناء، على السلمية أولاً، وهي تذهب ثانياً للتحول إلى قوة اقتراح للحل السياسي، للانتهاء سريعاً من الأوضاع الخارجة على الدستور والقانون". وكتب بوعجيلة، على صفحته في موقع "فيسبوك"، أن "مناهضة الانقلاب ممارسة سياسية سلمية عقلانية تعني الإسراع في العودة إلى سقف الدستور والقانون، من أجل حلول وطنية مؤسساتية لكل ما ينتظر البلاد من تحديات اقتصادية واجتماعية"، مشدداً على أن "لا أحد ممن يحبون البلاد سيفرح للاحتقان الاجتماعي، خصوصاً حين تكون البلاد في وضع استثنائي والدولة من دون مرجعية شرعية وقانونية تعمل على ضوئها المؤسسات من أجل إيجاد حلول لانتظارات الناس".

وشدّد الناشط السياسي على أنّ "تحرك 14 نوفمبر (اليوم) هو بنفس روح وسياقات التحركات السابقة: وقفة احتجاجية سلمية وخطاب سياسي مسؤول ومغادرة حضارية لموقع الاحتجاج والتعبير وتواعد على استمرار الثبات على العهد، عهد الدفاع على الدستور والمسار الديمقراطي".

بدوره، قال القيادي في الحراك، جوهر بن مبارك، إن "هذا هو خطّنا وهذا هو العقل الذي ندير به الصراع، النضالية والسلمية والعقلانية والطرح السياسي واستنزاف الانقلاب"، مضيفاً عبر "فيسبوك"، أن "يوم 14 نوفمبر، نلتقي جميعاً على قاعدة المبادرة السياسية والخطة النضالية المرسومة لتحقيق أهدافها. لن نتراخى، ولكن لن ندفع إلى أي نوع من أنواع الصدام أو الاحتقان، ستكون محطة قوية وأساسية نعمل على تحويلها إلى حراك مستمر ومسترسل في العاصمة والجهات والخارج، بتوسيعها وتنويع فعالياتها". وأضاف بن مبارك: "ولنكن على وعي تام بأننا صرنا أصحاب مشروع وطرح سياسي يخرج البلاد من مأزق الانقلاب، وسندافع عن ذلك دون انقطاع بما يكفل النجاح ويجنّب الفشل. لن نحارب الشعبوية بالشعبوية، بل بالأدوات الديمقراطية الفعّالة. بعشرات الآلاف سنرفع الجمهورية ومؤسساتها والشرعية الدستورية عالياً في سماء باردو، وسيرى العالم أن في تونس شعبا هادرا يعشق الحرّية ويرفض الاستبداد والاستعباد".

وأكد المدير التنفيذي لحزب "أمل"، رضا بلحاج، وهو أحد الداعمين للمبادرة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "شرعية مطالب مواطنون ضد الانقلاب واضحة، باعتبار أن هناك انقلاباً وخرقاً واضحاً من الرئيس للدستور ولمؤسسات الدولة وتعدٍياً على البرلمان بتجميده، وعلى الحكومة بإعفائها من مهامها، وقد جمع الرئيس كل السلطات بين يديه بما يجعل كل عاقل لا ينكر أن ما حدث انقلاب". وبالنسبة إلى مطالب "مواطنون ضد الانقلاب"، لفت بلحاج إلى أنها "تسير بشكل تصاعدي في تحركات سلمية متطابقة مع القانون من خلال ندوات صحافية واحتجاجات في الشارع بشكل سلمي في إطار فضح الممارسات الانقلابية وجمع السلطات في يد شخص واحد"، محذراً من أنه "بين كل الديمقراطيات الفتية، تونس هي الوحيدة التي يجمع رئيسها السلطة التنفيذية والتشريعية، ويحاول توظيف القضاء في تعد على جميع المكاسب الديمقراطية السابقة". وأعاد بلحاج التذكير بأنّ "تحرك 14 نوفمبر واضح ويقوم على استرجاع الشرعية بشكل سلمي، بالعودة إلى الدستور وإلى المؤسسات وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بطريقة نزيهة وشفافة".

المساهمون