تتحفظ غالبية الأحزاب السياسية في الجزائر حتى الآن عن إصدار مواقف بشأن "مبادرة" سياسية يمهد الرئيس عبد المجيد تبون لطرحها، تتعلق بـ"لم الشمل" وإجراء مصالحة سياسية ومجتمعية، وذلك بسبب الغموض الذي يلف المشروع، كونه لم يطرح بشكل رسمي بعد، كما أن ما نشر بشأنه في وكالة الأنباء الحكومية ليس كافياً لتشكيل فكرة واضحة عنه.
وبخلاف محطات سياسية سابقة، لم تلقف الأحزاب السياسية في الجزائر هذه المرة بسرعة فكرة طرح الرئيس تبون مشروع "لم الشمل" للأشخاص والأطراف المعارضين، بما فيها أحزاب الموالاة، إذ رفضت غالبية الأحزاب السياسية الفاعلة في الجزائر طرح أي مواقف في الوقت الراهن.
وفضلت الأحزاب التريث لحين كشف الرئاسة الجزائرية عن كامل مضمون هذا المسعى والخيارات التي تطرحها والآليات المتوقعة لذلك، وما إذا كان الأمر يتعلق بمسعى لحوار سياسي ومراجعة لبعض القضايا والممارسات السياسية خاصة في ما يتعلق بملف الحريات.
وقال رئيس حزب "جيل جديد" (تقدمي) جيلالي سفيان لـ"العربي الجديد" إن حزبه لا يمكنه التعليق على هذه الخطوة في الوقت الحالي لحين الاطلاع عليها.
بدوره، قال المتحدث باسم حركة "مجتمع السلم" نصر الدين حمدادوش لـ"العربي الجديد": "ليس لدينا اطلاع على مضمون هذه المبادرة (...) المبادرة تكون مكتوبة، وذات مضمون، وبآليات واضحة، أما ما هو متداول فهي أفكار عامة فقط، ولذلك لا نملك تعليقاً على ذلك".
والثلاثاء الماضي نشرت وكالة الأنباء الجزائرية تقريراً قصيراً في صورة بيان غير منسوب للرئاسة، (نشر من دون مناسبة)، كشفت فيه عن مشروع رئاسي لـ"لم الشمل"، وأكدت أن "يد الرئيس عبد المجيد تبون ممدودة للجميع، بشكل دائم، ما عدا للذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم".
وأضاف التقرير: "يجب أن يعرف أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة. وكلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية الذي يسخر كل حكمته للم شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي".
وتجاهلت أحزاب المعارضة التقدمية التي قاطعت الانتخابية الماضية مثل "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"جبهة القوى الاشتراكية"، و"حزب العمال"، و"الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، ما عبرت عنه الوكالة الرسمية، فيما أبدى ناشطون بارزون في الحراك الشعبي مواقف استباقية تخص مسعى "لم الشمل".
وطالب النشطاء السلطات باتخاذ خطوات تؤكد حسن النوايا على غرار إطلاق سراح الناشطين المعتقلين في السجون بسبب مواقف وأنشطة سياسية، ووقف الاعتقالات والملاحقات القضائية في حقهم، وتحرير المجال السياسي والإعلامي، والحد من التضييق على الحريات.
من جهته، قال عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي سمير بلعربي في تدوينة: "في ظل غياب مصالحة وطنية شاملة ومصارحة واضحة واقتناع أن الجزائر لكل الجزائريين دون إقصاء أو تمييز، لن تتحقق للجزائر تنمية اقتصادية أو تطور وازدهار (...) المصالحة الوطنية لا تتحقق في ظل غياب إرادة سياسية وغلق تام لكل وسائل الإعلام العام والخاص في وجه الرأي المخالف وتضييق على العمل السياسي النقابي والجمعوي. خطوات سهلة وعملية تعطي إشارات أن هناك آمال في التغيير المنشود المنتظر من طرف النظام عشية الخامس جويلية 2022".
وأكد الناشط سليم بن خدة في تدوينه نشرها تعليقاً على الخطوة المرتقبة أن "طريق التهدئة يتمثل بإفراغ السجون من معتقلي الرأي، إذ إن السجون السياسية عار وانحطاط، إضافة إلى رفع القبضة الأمنية ووقف الاعتقال التعسفي (...) لا يُخمد البركان الاجتماعي المتفاعل في أحشاء المجتمع قبل أن ينفجر، إلا بعد التحرك الوقائي في اتجاه رفع القبضة الأمنية وإقرار الحريات".
ولوحظ أن أحزاب الموالاة والحزام الحكومي نفسها، والتي كانت تسارع في السابق إلى مباركة مسبقة لكل ما تطرحه السلطة من خيارات، قد رفضت هذه المرة التعليق على الأفكار التمهيدية للمشروع، مثل حزب "جبهة التحرير الوطني"، وحركة "البناء الوطني"، و"صوت الشعب"، و"جبهة المستقبل"، وكلها مشاركة في الحكومة.