"لم الشمل" في الجزائر: استكمال لقانون 2005 وتسوية وضعية المسلحين التائبين

29 اغسطس 2022
قرر الرئيس الجزائري مراجعة النص التمهيدي للقانون (Getty)
+ الخط -

يثير قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مراجعة النص التمهيدي لقانون "لم الشمل"، وحصر الفئة المعنية بالاستفادة من تدابيره في المسلحين الذين سلموا أنفسهم بعد انتهاء آجال قانون المصالحة الوطنية السابق، بعد مارس/آذار 2006، وإلغاء مجمل البنود المتعلقة بضحايا المأساة الوطنية (مساجين التسعينيات) والناشطين المعارضين في الخارج وغيرهم، تساؤلات عدة حول خلفيات هذا التحول في الموقف من الأبعاد الأوسع لقانون لم الشمل، وما إذا كان الأمر يتعلق بتباين في الرؤى داخل السلطة حول الملف، أم بتوجه الرئيس نحو إفراد معالجة خاصة لوضعية باقي الفئات المعنية، بعد أقل من شهر من كشف الرئيس تبون نفسه عن أبعاده والفئات المعنية به، ومصادقة الحكومة على الصيغة الأولية "للم الشمل" في يوليو/تموز الماضي.

وعلى هذا المستوى سيأخذ قانون لم الشمل السياقات نفسها ويصبح صيغة استكمال لثلاث تجارب سابقة قانونية مماثلة شهدتها الجزائر، تخص وضع إطار قانوني يسوي وضعية المسلحين العائدين من الجبال في الجزائر أو من شمال مالي والساحل، وسلموا أنفسهم للسلطات وأقروا بوقف النشاط الإرهابي: الأول في عام 1994 عندما أصدر الرئيس السابق ليامين زروال "قانون الرحمة"، الذي كان هدفه إغراء عناصر الجماعات المسلحة بتدابير رحيمة في حال تسليم أنفسهم للسلطات، وقد أفلح بالفعل في استدراج عدد كبير من المسلحين، والثاني في سبتمبر/أيلول عام 1999، حين أصدر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قانون "الوئام المدني"، بعد إقراره في استفتاء شعبي، ويتضمن عفوا عن عناصر "الجيش الإسلامي للإنقاذ" و"رابطة الدعوة والجهاد" وتنظيمات أخرى، بلغ عددهم أكثر من سبعة آلاف عنصر نزلوا من الجبال وسلموا أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطات. لكن بعض المشكلات والملفات العالقة من الأزمة الأمنية ظلت قائمة، ما استدعى إصدار قانون ثالث باسم "المصالحة الوطنية" في سبتمبر 2005، بعد استفتاء شعبي تضمن عفوا عن المسلحين الذين يسلمون أنفسهم للسلطات في غضون ستة أشهر (قبل مارس/ آذار 2006)، وتسوية الوضعيات الإدارية للمسلحين التائبين سابقا، وتقديم تعويضات لصالح عائلات المفقودين وضحايا الاختفاء القسري، وكذا عائلات المسلّحين المقتولين، والعفو عن المساجين في قضايا الإرهاب.

لكن تدابير العفو حينها لم تقنع كل عناصر الجماعات المتطرفة، خاصة مع التطورات التي حدثت لاحقا، مع بروز تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتصاعد نشاطه عام 2007. غير أن انحصاره لاحقا دفع عددا كبيرا من عناصر التنظيم والجماعات المسلحة ممن كانوا ينشطون في الجزائر أو في مالي والنيجر والساحل، إلى تسليم أنفسهم للسلطات، للاستفادة من تدابير العفو والمصالحة الوطنية. غير أن انقضاء الآجال القانونية، المحددة نصا بمهلة حتى مارس 2006، أبقى هؤلاء تحت طائلة وضعية غير قانونية، ما استدعى من السلطات التفكير في صياغة قانون لم الشمل.

وسبق للرئيس تبون أن عبّر عن ذلك بوضوح، في حوار تلفزيوني بث في الأول من أغسطس/آب الجاري، حيث أعلن أن هؤلاء المسلحين التائبين "وجدوا أنفسهم معلقين، وما زالوا يوقعون حتى الآن دوريا في مراكز الأمن، لذلك فان القانون المقبل سيحررهم من هذه الوضعية غير القانونية، ويمكنهم من العيش مثل الآخرين". ويوجد بين هؤلاء الأمير السابق لجماعة السلفية حسان حطاب، والذي أعلن وقف العمل المسلح منذ 22 سبتمبر 2007، والمسؤول السابق للجنة الإعلامية  للقاعدة عمر عبد البر، والمسؤول السابق للجنة الطبية أبو زكريا، وأمير المنطقة التاسعة للتنظيم المسلح مصعب أبو داود، والأمير السابق لكتيبة الجند أبو حذيفة عمار، وغيرهم.

تذهب بعض التفسيرات إلى أن تراجع الرئيس تبون عن الصيغة الأشمل لقانون لم الشمل مرده إلى وجود تباين في الرؤية داخل الأجهزة المتدخلة في القرار السياسي، ونتاج التغييرات السريعة التي حدثت على مستوى هرم الأجهزة الأمنية.

وقال الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية محمد أيوانوغان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الأمر مرده إلى وجود صراع كبير على مستوى قيادة الجيش؛ هناك مسؤولون يرحلون وآخرون يعودون، وبالتالي كلما حدث تغيير على مستوى أجهزة الأمن أو قيادة الجيش يحدث تغيير في السياسات والموقف من بعض القضايا"، مضيفا أنه "من الواضح أن السلطة تخلت عن فكرة الاتصالات مع المعارضين في الخارج، لعدم وجود أي جدوى منها بحسبها، كما أن ملف التسعينيات طوي عند الشعب ولم يعد استغلاله يجلب أي فوائد سياسية"، مضيفا أن "معالجة هذه القضايا تتوقف على إرادة السلطة في حل المشاكل العالقة، لكن لحد الساعة السلطة أثبتت أن لا نية لها لحل المشاكل بل هي تعمل على خلق مشاكل إضافية".

بخلاف هذا الرأي تطرح قراءات سياسية وقانونية رؤية أخرى، وتعتبر أن فكرة اقتصار قانون لم الشمل على المسلحين الذين سلموا أنفسهم للسلطات بعد عام 2006، تبدو واقعية ونتاج مراجعة تقنية للصياغة التمهيدية التي طرحتها الحكومة للقانون منذ 21 يوليو/تموز الماضي، بحيث يرجح أن تكون السلطات قد قررت معالجة ملف ما يعرف "بمساجين التسعينيات" ضمن آلية منفردة، على شكل قرار عفو رئاسي يشملهم كونهم مساجين محكوما عليهم، وعددهم محدود، ووضعيتهم لا تحتاج إلى أكثر من قرار عفو رئاسي، بينما تكون فئة الناشطين المعارضين في الخارج قيد المعالجة حالة بحالة، وبحسب طبيعة كل حالة منهم، ويمكن من وجهة نظر السلطة معالجتها دون الحاجة إلى قانون خاص يشملهم.

وقال الكاتب والمحلل السياسي رياض هويلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الصيغة من المعالجة أفضل وأكثر نجاعة، لأنه بإمكان رئيس الجمهورية بصلاحياته السياسية والقانونية إصدار عفو عن مساجين التسعينيات، أما من يزعم بأنهم ناشطون في الخارج، فهم حالات فردية تعالج في إطارها كل على حدة، ناهيك عن أن عددا منهم مدرجون على لائحة الإرهاب، ويخضعون لقانون مكافحة الارهاب ويجب أن يمروا على العدالة".

المساهمون