تكبد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" الذي ينشط في الجزائر ومنطقة الساحل وخاصة شمال مالي، في الفترة الأخيرة، مزيداً من الخسائر الفادحة في صفوفه، بعد الضربات الموجعة التي وجهها له الجيش الجزائري، فضلاً عن ضربات عسكرية فرنسية تلقاها التنظيم في مالي، ووسط نزيف مستمر في صفوف عناصره.
خسارة قيادات بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"
وأكدت مصادر موثوقة في شمال مالي لـ"العربي الجديد"، مقتل القيادي في التنظيم، بلال الجزائري، أخيراً، خلال عملية عسكرية نفذتها طائرة فرنسية في منطقة تقع غرب بئر آنوشجرين، وذلك في الظروف نفسها التي قتل فيها القيادي البارز يحيى جوادي المعروف بـ"أبو عمار الجزائري"، والذي أعلن الجيش الفرنسي في 7 مارس/آذار الحالي عن تصفيته في عملية ليل 25 و26 فبراير/شباط الماضي شمال مالي.
وهذان القياديان يعدان من بين أبرز القيادات في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وينشطان في منطقة الساحل وشمال مالي منذ سنوات، تحت إمارة مختار بلمختار المعروف باسم بلعور.
وكان يحيى جوادي يشغل منصب قائد منطقة الساحل والصحراء الكبرى التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، كما قاد "كتيبة طارق بن زياد" التي كانت إحدى مكونات تنظيم "القاعدة" في منطقة الساحل والصحراء الكبرى.
وفي الثالث من يوليو/تموز الماضي، أعلنت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة، إدراج اسم يحيى جوادي في قائمة العقوبات ولائحة الإرهاب الدولي، بسبب نشاطه في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتمويل أعمال وأنشطة هذا التنظيم.
مقتل القيادي في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بلال الجزائري خلال عملية عسكرية نفذتها طائرة فرنسية
والخميس الماضي، أعلن الجيش الجزائري "إلقاء القبض على مفتي القاعدة والجماعات الإرهابية، لسلوس مداني، المكنى باسم الشيخ عاصم أبو حيان، والذي التحق بالجماعات الإرهابية سنة 1994، وذلك في عملية عسكرية جرت في منطقة العقل بولاية سكيكدة شرقي الجزائر".
وقد تم خلال هذه العملية كذلك "إلقاء القبض على أمير جماعة إرهابية تتبع التنظيم الإرهابي وهو بطيب يوسف، المكنى بأسامة أبو سفيان النيغاسي، والذي التحق بالجماعات الإرهابية سنة 2007، إضافة إلى خمسة مسلحين"، فيما كان الجيش قد قضى في 19 فبراير/شباط على سبعة مسلحين من المجموعة نفسها.
ملاحقة الجيش الجزائري لقيادات ومجموعات "القاعدة"
وتؤشر هذه المعطيات إلى نجاح القوات الجزائرية في رصد وتتبع حركة ما تبقى من قيادات ومجموعات "القاعدة"، التي ما زالت تنشط على نطاقات محدودة شرقي الجزائر، وفي المنطقة الجنوبية على تخوم الحدود مع شمال مالي، لتحييدها والقضاء عليها، خاصة أن قيادة الجيش كانت أطلقت منذ نهاية عام 2017، ما عرف بخطة "اجتثاث الإرهاب".
وتستهدف هذه الخطة القضاء التام على أي تواجد للمجموعات المتشددة في الجزائر، ودعم الجهود الإقليمية في مكافحة الإرهاب وملاحقة قيادات القاعدة في منطقة الساحل.
وقد أثمر هذا الدعم عن عدد من العمليات النوعية على غرار القضاء في يونيو/حزيران 2020، على زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك درودكال، خلال عملية فرنسية جرت في منطقة تلهندك بمدينة تساليت بشمال مالي، القريبة من الحدود مع الجزائر.
وتجري في الوقت الحالي ملاحقة خليفة درودكال، مبارك يزيد، المعروف باسم أبو عبيدة العنابي، والذي كان قائداً في تنظيم "القاعدة"، إذ كان التحق بالجماعات الإرهابية عام 1992، وهو مدرج منذ سبتمبر/أيلول 2015 على لائحة الإرهاب الأميركية، كما أدرجته لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي على لائحة الإرهاب في فبراير 2016.
استنزاف "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لا يلغي نشاط التنظيم
في السياق، قال المحلل المتابع للشؤون الأمنية في منطقة الساحل، حسين عيسى، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تعرّض في الفترة الأخيرة لحالة استنزاف من قبل الجزائر في الداخل، إذ تمت تصفية العديد من مجموعاته وبنيته التحتية".
وأضاف: "كما أن نجاح الأجهزة الأمنية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة في تفكيك شبكات الدعم والإسناد التي كانت تغذي نشاط التنظيم، ساعد في تحييد الأخير والحد من نشاطه، إضافة إلى تقطع الاتصال بين القيادات في منطقة الساحل وتشتت المجموعات، وهذا ما أضعف التنظيم بشكل لافت".
واعتبر عيسى في الوقت نفسه أنه "على الرغم من هذا الضعف، فإنّ التنظيم ما زال قادراً على إثارة مشكلات أمنية توجب التوقي، والجيش الجزائري يوظّف عملياته النوعية الأخيرة، لمساعدته في الحصول على مزيد من المعلومات من الإرهابيين الذين تم اعتقالهم في الشمال، أو الذين سلموا أنفسهم في الجنوب".
على الرغم من حالة الضعف التي تعتريه، فإنّ التنظيم ما زال قادراً على إثارة مشكلات أمنية توجب التوقي
إلى ذلك، يعتقد مراقبون لتطورات الملف، أن الجزائر وعلى الرغم من تحييدها لخطر هذه المجموعات التي ظهر عجزها بشكل تام عن تنفيذ أي عمليات في السنتين الأخيرتين، منذ آخر محاولة فاشلة لاستهداف ثكنة عسكرية بتفجير انتحاري بسيارة مفخخة في فبراير 2020 في بلدة تيمياوين ببرج باجي مختار جنوبي البلاد، إلا أنها تكثّف في المقابل رصد حركة ونشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، شمالي النيجر ومالي خاصة، حيث تتمركز كبرى قيادات "القاعدة".
ويجري تنسيق جزائري مالي فرنسي بشأن ذلك، من دون الإعلان رسمياً عن هذا التنسيق وكيفياته، إذ كان الجيش الجزائري قد تصدى في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، لمجموعة كانت تحاول اختراق الحزام الحدودي في منطقة حاسي تيريرين بولاية إن قزام، على الشريط الحدودي مع مالي.
فقد اشتبكت وحدة من الجيش الجزائري كانت تقوم بعمليات مراقبة في إطار مكافحة الإرهاب وحماية الحدود في تلك المنطقة، مع مجموعة إرهابية، ما أسفر عن القضاء على إرهابيين واسترجاع أسلحة، وفق بيان للجيش.
من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون الأمنية في جامعة سعيدة غربي الجزائر، مولود ولد الصديق، في دراسة حديثة له، لم تنشر بعد لكن اطلع عليها "العربي الجديد"، أن استمرار رصد الجزائر للمجموعات الإرهابية في الساحل بهدف تحييدها، مرتبط بكون أن "لمنطقة الساحل أهمية إستراتيجية في الإدراك الأمني الجزائري، بسبب تمركز الجماعات الإرهابية على طول الشريط الحدودي للدولة".
كما يعكس ذلك بالنسبة للجزائر، وفق ولد الصديق "مدى التهديدات الأمنية في منطقة الساحل، ولا سيما التهديد الإرهابي، حيث تنشط حركات عدة، وتسعى لزيادة نشاطها المتمثل أساساً في تصعيد الهجمات العنفوية ضمن الحزام الممتد من مالي إلى الصومال".
ولعل أبرز هذه الجماعات وفق دراسة ولد الصديق "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بتفرعاته المختلفة، مثل "حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا"، وحركة "بوكو حرام"، فضلاً عن المجموعات القريبة من هذا التنظيم كجماعة "أنصار الدين" و"أنصار الشريعة"، فضلاً عن حوالي 11 تنظيماً مسلحاً في ليبيا ومالي وتشاد وبوركينا فاسو.