كشفت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أمس الخميس، أن السعودية كانت تحض الإمارات والبحرين على الإسراع في إنجاز اتفاقي التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وجاء في تقرير للصحيفة بقلم مراسلها في المنطقة مارتن شولوف، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان منهمكاً قبل حفل التوقيع في البيت الأبيض بعدة أشهر، بوضع أسس اتفاقي التطبيع.
وبحسب الصحيفة، فإن طاولة المفاوضات حفلت بإغراءات عديدة مقابل التطبيع مع الاحتلال من قبيل طائرات مقاتلة متطورة، وامتيازات سياسية مع واشنطن، ووصول أكبر وأوسع إلى أميركا دونالد ترامب، بالإضافة إلى كل ما أمكن لرجل الصفقات الرئاسية جاريد كوشنر حشده لإغراء أعداء الأمس، ودفعهم إلى الإقدام على التطبيع.
ترى المملكة أن توصّل حلفائها إلى اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، من شأنه جعل خطوتها التطبيعية المتوقعة أكثر سهولة وتقبّلاً
ولفتت الصحيفة إلى دافع آخر خفي قد يبرر الحرص السعودي على الحوارات التي سبقت التطبيع واستعجال التوقيع على الاتفاقين. وفي هذا السياق، تقول "ذا غارديان"، إن المملكة تعتبر أن توصل حلفائها إلى اتفاقات تطبيع، من شأنه جعل مهمتها أكثر سهولة وتقبّلاً، أي أن هذه الاتفاقات من شأنها أن تكون غطاء لاتفاق بين الرياض وتل أبيب، والذي سيمثّل بحسب "ذا غارديان"، تحولاً زلزالياً في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وستكون تداعياته أكبر من اتفاقات إسرائيل مع مصر في عام 1978، ومع الأردن بعد 16 عاماً.
وفي حين نقلت "ذا غارديان" عن ثلاثة مصادر مقربة من الديوان الملكي السعودي، أنه من غير المرجّح أن يمنح بن سلمان ترامب ما سيكون أكبر إنجاز له في السياسة الخارجية، متمثلاً باتفاق تطبيع قبل الانتخابات الأميركية؛ فإن المصادر ذاتها ترى أن المملكة ستواصل دورها في حث المزيد من الحلفاء الإقليميين على التطبيع. ويبدو أن كلا من السودان وسلطنة عمان هما المرشحان الأقرب للانضمام إلى التطبيع قبل نهاية العام. لكن الصحيفة تستدرك لتؤكد أن من سمتهم "الحرس القديم" في كل من السعودية والكويت سينتظرون لـ"للحصول على جوائز أكبر"، على حد وصفها.
فقد تمسّك العاهل السعودي الملك سلمان، في خطابه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي، بالمبادرة العربية للسلام، والتي مازال الملك ينظر إليها بوصفها السبيل الوحيد لتحقيق السلام. وجدد الملك سلمان التأكيد على أن المبادرة "توفّر الأساس لحل شامل وعادل للصراع العربي الإسرائيلي، يضمن للشعب الفلسطيني الشقيق حقوقه المشروعة. وفي مقدمتها إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".
ولكن ولي العهد السعودي ينظر إلى المنطقة من منظور مختلف، بحسب "ذا غارديان"، فالأولوية بالنسبة إليه الآن تتمثل في مواجهة التوسع الإيراني الذي يشكل تهديداً أكبر لاستقرار المنطقة.
ووفقاً لمصدرين مطلعين ومقربين من بن سلمان، ترى الصحيفة أن قناعات الأمير تأثرت بشكل كبير بصهر ترامب، جاريد كوشنر، منذ أن التقيا في عام 2017. وكان هذا التأثر السبب الرئيسي في مواقفه من إيران وإسرائيل. إذ يقول مصدر سعودي للصحيفة، إن "كوشنر يتعامل مع الآخرين مثل حميه" (ترامب)، إذا أردت شيئاً عليك أن تدفع، وإذا دعمت قضية أو شخصاً ما، فعليه أن يساندك وأن يدفع. وقد تلقّف هذه اللغة بن سلمان، وأعجب بها، وسرعان ما طبقها على مواقف المملكة الجديدة بخصوص فلسطين ولبنان، وبات يرى نتيجة عجزهما عن الدفع، أن كليهما أصبح عبئاً يجب التخلّص منه!
تأثرت قناعات ولي العهد بطريقة تفكير كوشنر، وبات مقتنعاً بأن على الحليف أن يدفع، وهكذا تخلى الأمير عن الملف الفلسطيني واللبناني
وبحسب معلومات حصلت عليها "ذا غارديان"، فقد استدعى بن سلمان الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الرياض عام 2017، وأعطاه نسخة عمّا ستبدو عليه "فلسطين الجديدة" التي وافقت عليها السعودية. ولم يتحدث عباس علناً عن ذلك الاجتماع، كما أنه لم يعد إلى السعودية منذ ذلك الحين. لكن مسؤولين فلسطينيين، رفضوا الكشف عن هويتهم، قالوا للصحيفة، إن الخطة التي تم طرحها على الرئيس الفلسطيني كانت تشبه إلى حد كبير خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة باسم "صفقة القرن".
وأضاف المسؤولون الفلسطينيون: "أخبره ولي العهد أن فلسطين يمكن أن تكون غزة وجزءاً من سيناء، مع جسر بري إلى ما تبقى من الضفة الغربية". وكان واضحاً أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، "ضالع في هذا المخطط، إذ لا يمكن للأمير السعودي التخلي عن جزء من مصر دون موافقة رئيسها".
بقيت العلاقة بين كوشنر وبن سلمان قوية طوال السنوات الثلاث المضطربة التي قضاها الأمير حتى الآن بوصفه الزعيم الفعلي للمملكة. وترى الصحيفة أنه بفضل هذه العلاقات، بالكاد وصلت جريمة قتل جمال خاشقجي على يد مساعدي الأمير وحراسه، إلى أبواب البيت الأبيض.
كما ترى الصحيفة أن آفاق هذه العلاقة ما زالت واعدة بالمزيد من الأدوار التي قد يلعبها بن سلمان في المنطقة وفق مخططات جاريد كوشنر، حيث من المنتظر أن يكون له دور في المخطط الذي دعا فيه كوشنر إلى قيام لبنان بترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، وهي نقطة حوار أميركية مركزية، تهدف في الظاهر إلى تأمين حقوق اللبنانيين في حقل غاز مشترك تحت البحر، ولكن الصحيفة ترى أن هدفها الحقيقي سيكون تحييد "حزب الله"، الذي يعد جنوب لبنان معقله الرئيسي.
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني، تتوقع الصحيفة أن تكثف إدارة ترامب من سياستها المتمثلة في "الضغط الأقصى" على إيران، ومن المتوقع أن يكون لبنان ساحة رئيسية لمحاولة إضعاف النفوذ الإيراني، ويبدو أن محمد بن سلمان سيكون جاهزاً لأداء دوره في هذه المهمة، بحسب "ذا غارديان".