استعرضت "بوليتيكن" الدنماركية في تقريرين، أمس الإثنين واليوم الثلاثاء، الواقع اللبناني بعد عامين على انفجار مرفأ بيروت. فتحت عنوان: "كشف الانفجار الخلل في البلاد. ومنذ ذلك الحين الأمر يسير نحو الانحدار فقط"؛ غاصت الصحيفة عميقاً في مشهد بيروت، مستطلعة الشارع وهمومه، وناقلة رأي أحد الباحثين الجامعيين، معتبرة انهيار صوامع القمح أخيراً يُذكر بانهيارات متواصلة.
رأت الصحيفة أن المؤشرات تتكاثر حول أن لبنان يعيش أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم على الإطلاق، ومن خلال اختيار قصص أشخاص يبدون في بيروت بصحة جيدة؛ فصّلت "بوليتيكن" وقائع ويوميات "صراع البقاء". فبعض المراجعين لفحوص روتينية يكتشفون اليوم أنهم يعانون سوء تغذية ونقص فيتامينات ضرورية.
كذلك عرّجت "بوليتيكن" على انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، معتبرة أن الأمور باتت أكثر سوءاً منذ تاريخه، مشددة على أن ذلك كله "كشف حتى اليوم عجز السياسيين عن حماية سكانهم، الذين كانوا يشعرون بالضغط الاقتصادي". وأضافت: "بينما تحولت أنظار العالم منذ ذلك الحين إلى مكان آخر، استمرت حال السقوط التي باتت تحيّر حتى الخبراء".
Amira Al Tabbaa må leve på et minimum. For det er ekstremt svært at få pengene til at række i Libanon, som lider under en af verdens værste økonomiske kriser nogensinde. https://t.co/HOdZfEFe9O
— Politiken (@politiken) August 1, 2022
الاحتفاظ بالسلطة بإشغال الناس بفقرهم
بعد استعراضها الفقر المنتشر مع الفساد وغياب الخدمات الأساسية ووجود اللاجئين السوريين، بحثت "بوليتيكن" في أسباب استمرار السلطة في مكانها، مستعينة بأستاذ العلوم الاجتماعية الزائر في جامعة "القديس يوسف" في بيروت مارتن بيك، الذي اعتبر أن بقاء ساسة السلطة "لغز كبير، فهذا وضع شاذ جداً".
بيك، وبدعم مؤسسة كارلسبرغ الدنماركية، متخصص في البحث عن "كيف يمكن للسياسيين اللبنانيين الاحتفاظ بالسلطة دون توفير الظروف المعيشية الأساسية للسكان"، يذهب، مع توالي الأزمات إلى حد تشابك المواطنين على طوابير الخبز، بعد أزمة ودائعهم وأموالهم في البنوك؛ إلى استحضار النموذج الديمقراطي في أوروبا لمقارنته بالديمقراطية اللبنانية. منوهاً بأن "أحد الأسباب التي تجعل الحكومة في بلد أوروبي تتمتع بشرعية الاحتفاظ بالسلطة هو أنها توفر الكهرباء ونظام الرعاية الصحية وتغطية الاحتياجات الأساسية للسكان". مضيفاً أن الحكومة اللبنانية لا تفعل شيئاً من هذا.
وتذكر "بوليتيكن" أنه "رغم أن القليلين يدافعون عن الحكومة، ويتفق الجميع على أنها فاسدة وليست فعالة؛ ولكن لا توجد احتجاجات كبيرة". كما لم يفت الصحيفة العودة إلى هبة الشارع اللبناني في "ثورة تشرين" 2019، مذكرة بخروج "احتجاجات حاشدة، ولكن بعد جائحة كورونا بدت الأمور ملائمة تماماً للسلطة، ورغم أن الوباء انحسر؛ لا يزال الناس في بيوتهم".
من استطلعتهم الصحيفة في بيروت، يرون الأمور تدور في حلقة مفرغة، موجهين غضبهم إلى النخبة السياسية والحزبية. وللإجابة عن سؤال الصحيفة "لماذا لا يحتج الشارع؟"، يجيب مارتن بيك بالقول: "ببساطة ينشغل الفقراء بإطعام أنفسهم وأسرهم، ليس لديهم حتى المال للخروج إلى الشوارع، إنها إستراتيجية من جانب النظام لإبقاء الناس مشغولين".
تشاؤم الشارع.. استسلام؟
إلى ذلك، اعتبرت "بوليتيكن" في تقريريها أن الأمور لم تكن كذلك في الماضي، "فقبل بضع سنوات فقط بدت الأمور مختلفة تماماً. كانت الطبقة الوسطى تتمتع بمستوى معيشة مرتفع. لكن الآن اختفت الطبقة الوسطى، وأصبحت الأزمة صعبة، حتى بالنسبة للطبقة العليا".
ويضيف بيك إلى ذلك أن "لبنان منقسم اجتماعياً وسياسياً ودينياً، وأصبح الناس متشائمين ومستسلمين. فالقلائل الذين يؤمنون بالإصلاح لا يمكنهم الاتفاق على ما يجب أن يحدث".
وليست صحيفة "بوليتيكن" وحدها من بين صحف إسكندنافيا التي تنقل الواقع اللبناني بصفة "الكارثي والمأساوي"، وبكثير من التفصيل عن تمسك السياسيين بمناصبهم وسياساتهم ذاتها.
ولإعطاء القارئ صورة عن كفاح الناس اليومي للبقاء، لم تتوانَ الصحيفة عن ربط أزمة الكهرباء وصناعتها، من خلال مولدات، باعتبارها "مصدر قوة للبعض"، من خلال إيرادات بيع الكهرباء للناس.
كما لم تغفل "بوليتيكن" الانهيار في قيمة عملة البلد، حتى قبل الأزمة العالمية بسبب حرب أوكرانيا، ناقلة تهكّم اللبنانيين على انخفاض قدرتهم الشرائية بالجمع بين الليرة والدولار، تحت مسمى "لولولار"، بعد أن وصلت الليرة إلى 30 ألفاً مقابل الدولار.
ختاماً، رأت "بوليتيكن" أن "الأزمة محلية الصنع" ومرتبطة بالفساد. وعليه، فعدم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لإرسال أموال جديدة إلى البلاد "مرده أن الصندوق يطالب بإصلاحات، وأن يخضع البنك المركزي اللبناني للمراقبة. وذلك سوف يسلط الضوء على الفساد، لذا فهم لا يريدون ذلك الاتفاق".
باختصار شديد "يبدو أنه لا أمل"، فساسة لبنان عززوا مواقعهم في انتخابات مايو/أيار الماضي، بحسب "بوليتيكن"، وباتوا يهرعون إلى الحرب الأوكرانية "لتفسير الأزمة الاقتصادية"، وبلغة مباشرة لم يتردد الأستاذ الجامعي مارتن بيك بالقول: "إنهم يكذبون كما فعلوا".