"براود بويز": مليشيا الفاشيين الأميركيين المناصرة لترامب

06 أكتوبر 2020
تأسست "براود بويز" في عام 2016 (الأناضول)
+ الخط -

في صيف العام 2019، إثر تنامي عنف اليمين المتطرّف الأميركي، وتزايد عمليات القتل والتهديد بالقتل لغير البيض، أظهر النائب الديمقراطي عن ولاية ميريلاند، جايمي راسكين، أن "78 في المائة من عمليات العنف المتطرف مسؤولة عنها جماعات التفوق العرقي الأبيض". وجاء ذلك في جلسة استماع في الكونغرس الأميركي، عن تعرض عضو الكونغرس الأميركي، الديمقراطية رشيدة طليب لتهديدات بالقتل، بعد انتقادها للتطرف والإرهاب الأبيض، في أعقاب مذبحة كرايستشيرش في نيوزيلندا (15 مارس/آذار 2019). وجاء أخيراً طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جماعات التطرف "الاستعداد" ورفضه إدانتها، ليشير إلى عمق التوجه العنفي لهذا المعسكر، على ضفتي الأطلسي، تحديداً منذ حملة ترامب الانتخابية صيف 2016. وتبرز في السياق مجموعة "براود بويز" (الأولاد الفخورون) اليمينية المتطرفة، التي تأسست قبل انتخاب ترامب، لكنها تصطف اليوم إلى جانبه بشعارَيها "دافعوا عن الشرطة"، و"الله والسلاح وترامب".

تنتشر هذه المجموعة اليمينية على امتداد الأراضي الأميركية

تنامي الجماعات الفاشية الأميركية

على السطح يبدو ازدهار الجماعات الفاشية الأميركية أمراً حديثاً، وهي من ناحية كثافة وجرأة الحضور الجماعي كمثيلاتها في القارة الأوروبية وفي روسيا، وتنمو منذ 5 سنوات. وكشفت قراءات ودراسات عدة عن علاقة وثيقة بين الجماعات الفاشية على ضفتي الأطلسي، وبين أنصار التفوق العرقي في نيوزيلندا، فبات التعبير عن سيادة العرق الأبيض مقلقاً لساسة معسكري يمين ويسار الوسط، بما فيهم أحزاب قومية متعصبة، تحديداً في "مجموعة دول الشمال"، التي تضم الدول الاسكندنافية، النرويج، السويد، فنلندا والدنمارك، إضافة إلى آيسلندا. بيد أن ما يظهر في الولايات المتحدة، المتحوّل إلى حقائق بالنسبة لترامب عن "اليسار المتطرف" و"أنتيفا" (منظمة مناهضة الفاشية المنتشرة على ضفتي الأطلسي)، يعيد الناس إلى حقيقة أن نظريات التفوق العرقي الأبيض المزدهرة، مستندة إلى جذور تمتد إلى 150 عاماً بين مستوطني أميركا الشمالية، خصوصاً الأنغلوساكسونيين من جماعات التعصب الإنجيلي البروتستانتي.

براود بويز... والمليشيات

في بورتلاند الأميركية، وقبيل مناظرة ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن التلفزيونية الأولى في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، كان العنصريون البيض يتجمعون في "دلتا بارك" وسط المدينة، بشعارَي: "دافعوا عن الشرطة"، و"الله والسلاح وترامب". ويتحرك هؤلاء الذين تبين أنهم ينتمون إلى جماعة "براود بويز" في بورتلاند وغيرها، ضمن مليشيا، ومدججين ببنادق آلية وخوذ فولاذية، وكأنهم يتحضرون لخوض حرب مع من يطلقون عليهم "إرهابيين من اليسار المتطرف وأنتيفا". وسبق لترامب أن وصف الجماعة المعادية للفاشية بأنها "إرهابية"، لكنه لم يصف قاتلين متطرفين بذات الوصف طيلة سنوات حكمه. وتنتشر هذه المجموعة اليمينية على امتداد الأراضي الأميركية، فضلاً عن كندا المجاورة وبريطانيا وأستراليا، بحسب تقارير متخصصة تابعت تطور انتشارها منذ 2018.


قسَم الجماعة: أرفض الاعتذار عن تأسيس العالم الحديث

ووصفت تقارير مجموعات مناهضة التمييز، بما في ذلك "مركز قانون الفقر الجنوبي"، "براود بويز" بأنها من جماعات الكراهية، كما اتهمتها "رابطة مكافحة التشهير" بنشر الإسلاموفوبيا والكراهية للنساء والمثليين والمهاجرين. وما يميز "براود بويز" الأميركية عن مجموعات التطرف الأبيض في أوروبا، هو تمتعها بحق الوصول إلى السلاح، وتحولت إلى مجموعة "شبه عسكرية"، وأكثر عدوانية وجرأة في التدخل العنيف لمواجهة التظاهرات المناهضة للرئيس الأميركي ترامب. وهو ما بدا واضحاً بعد حادثة مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في 25 مايو/أيار الماضي، وتحرّك المجموعة ضد المنددين بالعنصرية وعنف الشرطة. وللانضمام إلى جماعة "براود بويز" قسم مفاده: "أنا فخور بأني شوفيني غربي، وأرفض الاعتذار عن تأسيس العالم الحديث". وتلزم العضوية، التي تشمل كل الأعمار، على الرغم من أن اسمها يوحي وكأنها حركة مخصصة للصبية فقط، تدريبات عسكرية ولياقة قتالية. وعلى الرغم من الاتهامات بأنها حركة عنصرية فإنها لا تأبه لذلك، بل تدّعي "براود بويز" بأنها تقاتل من أجل "استعادة القيم الغربية"، وتعتبر في الوقت ذاته، كبقية المجموعات البيضاء المتعصبة، أن ثمة مؤامرة لإبادة جماعية بحق البيض. وفي الوقت نفسه لا يخفي هؤلاء معارضتهم لليبرالية الغربية، ونظام دولة الرفاهية (الرعاية)، ويعارضون النسوية ومساواة الجنسين. وينشط أعضاء الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات اليمين المتطرف على "تليغرام" ومنصة "بارلر"، ويتفاخرون بأن ترامب ذكرهم وطلب منهم أن يكونوا "مستعدين"، وهو ما يعتمدونه كشعار "كونوا جاهزين"، حسب ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" في 30 سبتمبر الماضي، بعد مناظرة ترامب - بايدن الأولى. وينسق هؤلاء مع معسكر التطرف الأوروبي من خلال المنصة الشهيرة "فورشان".

جذور تاريخية للتطرف الأبيض

مهما كان اسم المجموعات المتطرفة في عصرنا الحالي، فإنها ليست مجموعات طارئة من حيث الاستعلاء العرقي في خطابها الأيديولوجي الملازم للعنف الممارس. ففي عام 2017 شاركت جماعة "براود بويز" في مسيرة نظمها عضو جماعة "كو كلاكس كلان"، جايسون كيسلر، بعنوان "اتحاد اليمين" مع مجموعات النازية الجديدة، في شارلوتسفيل ــ فرجينيا. في تلك التظاهرة دهس جايمس أليكس فيلدز جونيور ناشطين بسيارته، فقُتلت الناشطة في صفوف "حركة الحقوق المدنية"، هيذر هاير. وساوى ترامب بين الطرفين بقوله إن هناك "أناساً جيدين في كلا الطرفين"، أي النازيين الجدد وحركة الحقوق المدنية. يتزعم اليوم مجموعة "براود بويز"، التي تضم خليطاً من النازيين وأعضاء حركة "كو كلاكس كلان"، إنريكي تاريو.

ولم تكن الأحداث التي وقعت في بورتلاند ــ أوريغون، بعد مقتل فلويد في مينيابوليس ــ مينيسوتا، عفوية، بل عُدت استمرارية لتاريخ قديم من التطرف، الذي يعكس اليوم انقسامات الولايات الأميركية. ويراها أستاذ علم الاجتماع، خبير شؤون الجماعات المتطرفة، راندال بلازاك، "تعبيراً عن وصول التوترات بين الأجنحة الأميركية إلى قمتها". فحين تأسست ولاية أوريغون في 1859 منعت قوانينها ودستورها "الزنوج والخلاسيين" من العيش فيها. وفي نهاية عشرينيات القرن الماضي كانت جماعة "كو كلاكس كلان" قوة سياسية كبيرة، مارست العنف بحق السود والملونين بشكل فظيع فيها، مثل غيرها في تلك الحقبة. ومنذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، باتت أوريغون ملاذاً لجماعات حليقي الرؤوس المتطرفة، تزامناً مع موجات انتشارها الأوروبي أيضاً. كما ووجهت تلك الموجات العنصرية العنفيّة بجماعات أقصى اليسار، تحديداً بعد مقتل شاب مهاجر من أصل إثيوبي، على مرأى من المارة، فردّت جماعات أقصى اليسار على الحادثة بقتل أحد أعضاء حليقي الرؤوس من النازيين الجدد. وعلى الرغم من خروج الشارع في بورتلاند في تظاهرات مناهضة للتطرف مع نهاية التسعينيات، فقد بثت حملة انتخاب دونالد ترامب في صيف 2016 الروح مجدداً في حركات التعصب العرقي "وهو ما أدى إلى انفلات العنصرية مجدداً"، بحسب بلازاك، في تصريحات صحافية خلال أعمال العنف الأخيرة.

عام 2018 شهد مقتل 50 شخصاً على خلفية تنامي الإرهاب الأبيض

ولم يقتصر الأمر على متطرفي أميركا، بل امتد أيضاً نحو القارة الأوروبية وصولاً إلى أستراليا ونيوزيلندا، إذ باتت الحركات المتطرفة أكثر جرأة واستعراضاً بخطابها العنصري القومي، وتبرير انتشار الفكر النازي الجديد والفاشي بين البيض. هذا إلى جانب استغلال منصات رقمية خاصة بتلك المجموعات لنشر دعايتها التحريضية. مع العلم أن ترامب لم يشعر يوماً بمسؤولية عن تفشي هذا التطرف، بعد أن أحاط نفسه بمجموعة مستشارين يعتبرون من عتاة التعصب والكراهية، وعلى رأسهم ستيف بانون الذي سبق أن عمل كمستشار لترامب، وسط بروز "براود بويز" ومجموعات أخرى كمليشيات مسلحة، مدعومة من تيار يميني متشدد، وساسة متنفذين في عمق السياسة الأميركية. مخاطر هذه الجماعات اليمينية المتطرفة لا تنحصر في بورتلاند فقط، فمنفّذ مذبحة كرايستشيرش في نيوزيلندا، برينتون تارانت، وجد في ازدهار نظرية التفوق العرقي دفعة قوية للخروج بمانيفستو عنصري، مليء بكراهية غير البيض والمسلمين. وساهم تلكؤ ترامب المقصود في إدانة فكرها وعنفها، في تحول بورتلاند موئلاً لاستلهام العنف. ففي 2017، على سبيل المثال، وجدت امرأتان من أصل أفريقي نفسيهما على متن أحد قطارات المدينة أمام اعتداءات لفظية وتحرش عنصري من أحد أفراد جماعة "الوطنيين البيض"، وحين تدخل ركاب آخرون لثنيه استل الرجل سكينه وطعن راكبين حتى الموت. وتبين لاحقاً أن القاتل كان قد خرج للتو من اجتماع لجماعته ذات الصلة الوثيقة بـ"براود بويز". هذا عدا سلسلة من عمليات القتل التي تعرض لها مسلمون وعرب على يد بيض متعصبون. استدعى تصاعد العنف الأبيض، بعد مذبحة مسجدي كرايستشيرش في نيوزيلندا، وتلقي النائبة رشيدة طليب، وغيرها، ممن خاضوا في نقاش حول "الإرهاب الأبيض"، تهديدات بالقتل، عقد "لجنة الرقابة الداخلية في الكونغرس" الأميركي جلسة استماع، صيف العام الماضي 2019، بعنوان "مواجهة التعصب الأبيض، كفاءة الاستجابة الفيدرالية". استمع الأعضاء لشهادة طليب، ومطالب بإجراء تغييرات قانونية للضغط على مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) مايكل ماكغاريتي الذي حضر الجلسة، ليصنف التهديدات والعنف المرتكب بحق غير البيض كأعمال إرهابية. رفض ماكغاريتي تصنيف تلك الجرائم بـ"الإرهاب المحلي"، متذرعاً بالقوانين الأميركية. في جلسة الاستماع قدم النائب الديمقراطي عن ولاية ميريلاند، جايمي راسكين، أرقاماً رسمية عن عنف التطرف الأبيض. ونقلت صحيفة "دايلي بيست" عن الرجل، قوله إن المتطرفين البيض "مسؤولون عن 73 في المائة من حالات القتل العنصري بين عامي 2009 و2018". وأشارت "رابطة مكافحة التشهير" في السياق، إلى أن عام 2018 شهد مقتل 50 شخصاً على خلفية تنامي الإرهاب الأبيض، وعدته أكبر رقم منذ تفجير أوكلاهوما في عام 1995. وما يلفت في شهادة راسكين أن 80 في المائة من موارد "أف بي آي" ترتكز على مكافحة "التطرف الإسلامي و20 في المائة مخصصة فقط لمواجهة الإرهاب المحلي، بما فيه تيارات اليمين المتطرف وجماعات التفوق العرقي الأبيض".


تفشّت جماعات اليمين المتطرف مع انتخاب ترامب في 2016
 

وكان مثيراً للانتباه أن مرتكب مذبحة كنيسة للسود في تشارلستون ــ كارولاينا الجنوبية، في عام 2015، ديلان روف، المنتمي إلى جماعات سيادة العرق الأبيض كان يهدف إلى قيام حرب أهلية أميركية، غير أنه لم توجه له تهمة "الإرهاب". مع العلم أن فكرة استدعاء حرب أهلية، تهيمن على تفكير أفراد عصابات التفوق العرقي في عموم الغرب، ومن بينهم مرتكب مذبحة النرويج في عام 2011، أنديرس بيرينغ بريفيك. في المجمل، ظل ترامب منذ نحو 4 سنوات يستخفّ بتنامي جماعات التطرف، رافضاً تخصيص موازنات أكبر لمواجهتها، باعتبارها "أعمال فئة صغيرة من الناس". ويبدو أن طلبه من "الفئة الصغيرة"، ومن بينهم "براود بويز" وبقية التكتلات المسلحة والعنصرية، أن تكون على أهبة الاستعداد لنتائج الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بمثابة رخصة جديدة لشرعنة عنف يخشى الأميركيون والأوروبيون، وبينهم كتاب ومعلقون وخبراء في الشأن الأميركي، انعكاسات ذلك على أمن المجتمع الأميركي والمجتمعات الأوروبية.