"المؤثرون" المغاربة بخدمة الحكومة: أداة تسويق أم تغطية لعجز؟

04 مايو 2022
بدأ بنموسى مسلسل الاستعانة بالمؤثرين (لوران فيتور/Getty)
+ الخط -

طفا على سطح المشهد السياسي في المغرب أخيراً، جدل واسع بشأن استعانة وزراء حكومة عزيز أخنوش بمجموعة من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تسويق الخطاب الحكومي والبرامج الحكومية، في وقت ينتقد معارضو الحكومة ضعفها في التواصل في ملفات حساسة.

ووجدت الحكومة المغربية نفسها في قلب الانتقادات جراء اللجوء لتسويق السياسة العامة والاستراتيجيات والمشاريع الحكومية في مجال التشغيل والتعليم والصحة والسياحة، عبر الاستعانة بقناة غير رسمية وغير معهودة، مغايرة لقنوات الإعلام الحكومي، والإعلام والصحافة المستقلين والإعلانات.

وأثارت هذه الخطوة التساؤلات حول الدوافع الحقيقية التي جعلت الوزراء يطلبون مساعدة مؤثرين افتراضيين، لا تنظمهم أية قوانين تأطيرية، بدلاً من المختصين، والخبراء والبرلمانيين والصحافيين.

من جهتها، دافعت الحكومة المغربية عن نفسها بالتأكيد أن حضور المؤثرين له علاقة بترويج البرنامج في فضاء يسكنه الشباب، وليست كما عبر المنتقدون من المعارضة وغيرها بأنها محاول للتغطية عن عجزها التواصلي وضعف مبادراتها المعزولة.

لقاء المؤثرين المغاربة مع بنموسى

وبدأ الأمر مع عقد وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، مطلع شهر إبريل/نيسان الماضي، اجتماعاً مع ثمانية مؤثرين من أجل تفعيل المدرسة الرسمية. ونوقشت قضايا التعليم الحكومي خلال اللقاء، مع سعي بنموسى للترويج لخطته من أجل إصلاح التعليم الرسمي، غير أنه تعرّض لانتقادات واسعة من قبل نقابيين وإعلاميين بسبب الخطوة.

وشملت لائحة المؤثرين في اللقاء مع بنموسى الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، الذي يحظى بمتابعة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، والناشط خالد البكاري المعروف بدفاعه عن حرية الصحافة، بالإضافة إلى نسرين الكتاني الفائزة بلقب ملكة "جمال المحجبات" سنة 2018، والتي تعرف نفسها بأنها باحثة في مركز الدكتوراه الهندسة المدنية، وتملأ قناتها بفيديوهات حول مبادرات اجتماعية، للتحفيز على النجاح.

وشاركت إحسان بنعلوش التي تعرّف نفسها بأنها تحب الصحافة والإعلام، والموضة، والسفر، والتصوير، و"تقديم محتوى هادف مفيد"، وتحظى بما يقارب 3.5 ملايين متابع على "إنستغرام".

وبالنسبة للبكاري، فإن استعانة بعض وزراء الحكومة بالمؤثرين في الفضاءات الرقمية لتلميع برامجهم أو لتسويق بعض البرامج، هو تقليد السياسيين الأوروبيين والأميركيين.

واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الوزراء لم يدركوا الفرق بين اللحظة الانتخابية وزمن التدبير الحكومي، الذي يتطلب شفافية الخضوع لقواعد قانونية فيما يخص تمويل ما يدخل في باب الإعلان والدعاية لنشاط أو برنامج رسمي.

الوزراء لم يدركوا الفرق بين اللحظة الانتخابية وزمن التدبير الحكومي

ورأى البكاري، أن الاستعانة بالمؤثرين من قبل وزراء في حكومة أخنوش ليست سابقة، إذ عقد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران لقاء مع من سموا بالمؤثرين بمقر حزب العدالة والتنمية للدفاع عن سياساته، غير أن الأمر اقتصر على لقاء يتيم، وكانت مبادرة حزبية أكثر منها حكومية.

وأوضح أن المجال التداولي المغربي ذو طبيعة مختلفة عن المجالات التداولية الأوروبية والأميركية في تلقّي المحتويات الرقمية. وشرح أن عدد المتابعات لمدون أو" بودكاستر" أو "يوتيوبر" من المحسوبين على المؤثرين غير مرتفعة، قياساً إلى عدد السكان باعتبار أن الأميّة الرقمية ما زالت مرتفعة من جهة، وعدد المتابعات لا يعكس صدقية من تتم متابعتهم أو التأثر بهم.

وأكد أن الأمر خاضع فقط لفضول الاطلاع على محتوى يضم عناصر الإثارة، أو الغرابة أو التشويق أو الترفيه، وبالتالي فالانتقال بهؤلاء المؤثرين من فضاء مطبوع بتلك الميزات إلى فضاء تسويق منتوج سياسي، مع ما يتضمنه من رهانات ومطالب، لا جدوى منه.

وأبدى البكاري اعتقاده بأن الحكومة في مجملها تفتقد لنجاعة تواصلية، لأسباب متعددة من بينها منطق الولاءات والقرابات والزبائنية في تشكيل الدواوين الوزارية، ما يجعلها تلجأ لمؤثرين لن يقدموا أي قيمة مضافة على مستوى إقناع الرأي العام.

وبينما أثار لقاء الوزير المغربي مع المؤثرين جدلاً واسعاً ورفضاً من قبل مهتمين بقطاع التعليم ومهنيين ونقابيين، كشف البكاري، أن اللقاء "لم يكن مع ما يسمى بالمؤثرين، فباستثناء شابتين قدمتا نفسيهما باعتبارهما صانعتي محتوى رقمي، فالبقية كلهم إما فاعلون في جمعيات مدنية لها تقاطعات مع التعليم خصوصاً في الوسط القروي، أو فاعلون من داخل المنظومة لهم رأي فيها ينشرونه".

وقال: "أجهل معايير الاختيار، ما يهمني أني تلقيت دعوة واستجبت لها من دون السؤال عمن سيحضر، كما أفعل دائماً". وأضاف: "خلافاً لما يروجه البعض بحسن نية أنه تم استدعاء مؤثرين، لكي يطلب منهه تلميع الوزير والوزارة، أؤكد أنه لم يطلب أي شيء من هذا، وشخصياً مواقفي التي كنت أعبًر عنها ما زالت نفسها، وعبّرت عنها أثناء اللقاء".

بدوره، علق الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، على اللقاء بالقول: "وزير التربية الوطنية لم يستدع المؤثرين للتشاور معه في قضايا القطاع، بل ليعرض أفكاره، ونتفاعل معه نحن بالأسئلة في بعض القضايا، وهو يتوفر على عناصر الجواب"، مضيفاً: "نحن لسنا قوة اقتراحية من مواقع التواصل الاجتماعي ولسنا هنا لنقول للوزير ماذا سيفعل".

من جهتها، لجأت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية، فاطمة الزهراء عمور، إلى المؤثرين من أجل التسويق لبرنامج "فرصة"، المتعلق بتقديم قروض للشباب تصل إلى 100 ألف درهم (10 آلاف دولار) من أجل إنجاز مشاريع مدرّة للدخل، في حين خصصت موازنة مالية تصل إلى 3.2 ملايين درهم (319 ألف دولار) من أجل مواكبة البرنامج على مستوى التواصل.

ومن بين الذين شاركوا في اللقاء مع عمور، مصطفى فكاك المعروف باسم "سوينغا"، الذي تحول في سنوات قليلة إلى واحد من أشهر صانعي المحتوى في المغرب، منذ أن أطلق قناته على موقع يوتيوب باسم "آجي تفهم"، يتناول فيها أكثر المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعقيداً بأكثر الأساليب تبسيطاً.

كما شارك مؤسس جمعية" عطاء"، جلال عويطة، والصحافي في القناة الثانية المغربية صامد غيلان، والوجه التلفزيوني هشام مسرار.

وخلال السنوات الأخيرة، تزايد عدد المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد اقتحام عشرات الشباب هذا المجال، كل وفقاً لتخصصه، في ظلّ توجه المغاربة لتمضية وقت أكبر على تلك المواقع.

الاستعانة بالمؤثرين من قبل بعض وزراء الحكومة الحالية سببها ضعفهم التواصلي

ومع مرور الوقت أصبح تأثير المؤثرين لافتاً من خلال متابعة ملايين المغاربة لهم، ما جعلهم عناصر جذب دفعت الشركات الإعلانية وشركات العلاقات العامة إلى الاستعانة بهم للتسويق أو التواصل.

وعلى الرغم من أن غالبية المؤثرين لا يتمتعون بخبرة عملية أو أكاديمية في مجالاتهم، إلا أنهم تحولوا بفضل ما يحظون به من قاعدة جماهيرية واسعة من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، تتراوح عادة ما بين آلاف المتابعين إلى عدة ملايين، إلى عناصر مطلوبة من قبل أحزاب استعانت بهم في الانتخابات التشريعية التي جرت في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي.

ولجأت وزارة الصحة أيضاً إلى المؤثرين من أجل تشجيع المواطنين على تلقي تطعيم كورونا والتقيد بالإجراءات الاحترازية والتباعد خلال فترة تفشي الفيروس في البلاد.

وأثارت استعانة وزراء في حكومة أخنوش بالمؤثرين لإشراكهم في النقاش وأخذ آرائهم حول عدد من القضايا والملفات الكبرى المتعلقة بالمواطنين وكذلك لترويجهم لبرامج ومشاريع تهم المغاربة حفيظة أحزاب المعارضة لا سيما حزب "العدالة والتنمية".

وحذّر الحزب من "خطر الاستمرار في شراء بعض وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية والمؤثرين للتغطية على عجز الحكومة وتسخيرهم للتطبيل ولتلميع صورة الحكومة وإخفاء الحقائق"، مبدياً استغرابه من "إهدار الحكومة لمبلغ 2.3 مليون درهم من المال العام عبر تخصيصها للإعلانات والمؤثرين، لأجل التعريف ببرنامج "فرصة".

وعدّ ذلك "محاولة للتعويض والتغطية على الضعف التواصلي للحكومة مع الجمهور في ظلّ الأداء الباهت لوزرائها، مشيراً إلى أنها إشارة إلى "ضعفها واستغنائها عما توفره الإدارة العامة الموضوعة رهن إشارتها من إمكانات بشرية وتدبيرية".

الحكومة المغربية في أزمة تواصلية

من جهته، لفت الباحث في العلوم السياسية، حفيظ الزهري، إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع الأسعار أثّرت بشكل كبير على البرنامج الحكومي ووعود الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، ما نتج عنها أزمة تواصلية، تعود بالأساس إلى بنية الحكومة التي يغلب عليها الطابع التكنوقراطي الذي غالباً ما يفضل الاختباء خلف السياسة.

وأشار في حديثٍ مع "العربي الجديد" إلى أن أزمة التواصل ووُجهت بانتقادات الشارع ما دفع بعض الوزراء إلى الاستعانة بما يسمى بالمؤثرين لتخفيف الضغط عنها، خصوصاً على مستوى المواقع الاجتماعية التي أصبحت جزءا من الملاعب البديلة لممارسة السياسة.

وأوضح الزهري، أن الاستعانة بالمؤثرين من قبل بعض وزراء الحكومة الحالية سببها ضعفهم التواصلي الناتج عن غياب التجربة السياسية أو بنيتهم التكوينية التقنية بالأساس وعدم تدرجهم في هياكل الأحزاب السياسية، لافتاً إلى أن ذلك جعلهم يلجؤون إلى استئجار من ينوب عنهم في هذه المهمة.

واعتبر أن "هذه الخطوة لن تعرف النجاح المنتظر منها، بحكم أن المؤثرين بنوا شعبيتهم الافتراضية بفضل التركيز على الانتقاد، وأن تحولهم 180 درجة نحو تسويق ما سبق وانتقدوه سيكون أمراً صعب التقبّل لدى رواد المواقع الاجتماعية".

وبرأي الزهري فإن المواقع الاجتماعية لا يمكن الاعتماد عليها كبدائل للوسائل التقليدية، تحديداً الإعلام العام والخاص، لتنشيط البرامج السياسية والتأطير الجماهيري باعتبارها أموراً كفيلة بتحقيق المصالحة بين الفاعل الحزبي والمواطن المغربي.

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بمدينة سطات (وسط المغرب)، حفيظ اليونسي، إن تسويق البرامج الحكومية من ضروريات التدبير العام لما يحققه من نتائج. وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن عملية التسويق بالغة الأهمية اليوم في ظل انسيابية المعلومة ووجود مداخل متعددة للوصول إليها.

وأشار إلى أن الجديد اليوم هو الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن جمهور كبير بمواصفات معينة، لعل أهمها المعلومة وتقديمها بطريقة بسيطة، مبدياً اعتقاده بأننا "أمام شخصيات حكومية غير مسيسة تبحث عن التواصل السهل، بما يوحي أننا أمام كسل تدبيري في تسويق برامج حكومية يفترض أنها تستهدف الشباب. وهو كسل يتجلى في محدودية القدرات التواصلية والتدبيرية لهؤلاء الوزراء، ما سيعرقل المسار الحكومي في تدبير البرامج المهمة".

المساهمون