"العربي الجديد" في ميكولايف الأوكرانية: مدينة تحت القصف

15 ابريل 2022
تعرضت جميع أنحاء المدينة للقصف (بولنت كيليش/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الوضع غير الآمن الذي تعيشه مدينة ميكولايف في جنوبي أوكرانيا، المطلّة على نهر دنيبر، قرّر سيرغي شبولا عدم مغادرة المدينة والبقاء فيها برفقة زوجته وابنته الصغيرة، آملاً في تمكن قوات الجيش الأوكراني من التصدي لأي هجوم روسي. يقول شبولا، في حديث لـ"العربي الجديد": "فكّرنا ولا نزال في مغادرة المدينة، ولكننا سننطلق من تطورات الأوضاع على الجبهة، وما يثنينا عن التخطيط للسفر فوراً هو ثقتنا في قواتنا المسلحة التي أثبتت قدرتها على التصدي لأي عدو".

وحول كيفية استيعاب ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات فقط للوضع الراهن، يقول: "نظراً لصغر سنّها، فإنها لا تستوعب خطورة ما يجري، ولكنها تتألم كثيراً من أي مظاهر قلق أو ذعر من جانبنا، فنسعى لإشغالها بشتى الطرق ومواصلة تربيتها في ظروف إغلاق رياض الأطفال. ستفهم كل شيء بعد مرور الزمن".

عمليات روسية لم تحقق نجاحاً في ميكولايف

وبعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تُركز القوات الروسية عملياتها في منطقة دونباس ومدينة ماريوبول، وكذلك ميكولايف، عن طريق إطلاق صواريخ مجنحة من السفن ومحاصرة الموانئ، ما يعرقل حركة تصدير الحبوب.

وتتوقع الاستخبارات البريطانية زيادة كثافة الغارات الصاروخية الروسية، بهدف إقامة ممر برّي لربط دونباس بشبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا في عام 2014، وسط تشكيك المسؤولين المحليين في ميكولايف، والذين تحدثت معهم "العربي الجديد"، في عزم روسيا وقدرتها على السيطرة على المدينة.

يشكّك المسؤولون المحليون في ميكولايف في عزم روسيا وقدرتها على السيطرة على المدينة

وفي هذا الإطار، يعتبر عمدة ميكولايف ألكسندر سينكيفيتش أن العمليات البرّية الروسية لم تحقق أي نجاح على جبهة ميكولايف، محمّلاً الجيش الروسي المسؤولية عن سقوط ضحايا مدنيين، مؤكداً توفر كافة الخدمات في المدينة بعد ترميم البنية التحتية المدمرة.

ويقول سينكيفيتش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "جميع أنحاء المدينة "تعرضت للقصف، وهم يستخدمون القنابل العنقودية المحظورة التي تستهدف بالدرجة الأولى القوة البشرية، ويقتلون عدداً كبيراً من المدنيين"، ويضيف: "في أحد الأيام، بلغ عدد القتلى 10 أشخاص وأصيب نحو 60 آخرين بجروح، اثنان منهم بحالة حرجة. دمروا بنيتنا التحتية، ولكننا قمنا بصيانتها، والآن تتوفر الكهرباء والمياه، وحتى وسائل النقل العام".

ويحمّل عمدة ميكولايف القوات الروسية المسؤولية عن سقوط المدنيين، لافتاً إلى أنهم "يعتمدون أسلوب القتل على نطاق واسع. يقولون إنهم لا يقصفون سوى المواقع العسكرية، ولكنهم فعلياً يضربون أحياء سكنية لا تحتضن أي مصانع. يستخدمون قنابل عشوائية لا تنتقي أهدافها. هذه إبادة جماعية بحق الشعب الأوكراني".

وينصح سينكيفيتش المدنيين بمغادرة المدينة، ويقول في هذا الصدد إن "العمليات البرّية الروسية لم تحقق أي نجاحات، وهم يعملون على ترويعنا حتى نستسلم. ومع ذلك، أنصح المدنيين بمغادرة المدينة، لأنها غير آمنة، وخلال الأسبوع الأخير، لقي 12 شخصاً مصرعهم، وأصيب نحو مائة آخرين بجروح، وقد تم إجلاء نحو ثمانية آلاف شخص على متن حافلات".

روسيا تدعو سكان ميكولايف للاستسلام

وتنتشر على القنوات الموالية لروسيا على تطبيق "تلغرام" منشورات تدعو إلى الاستسلام حتى لا يتكرر مع ميكولايف ما تعرضت له ماريوبول. وعلى جبهتي ميكولايف وخيرسون، تحافظ القوات الأوكرانية على السيطرة على الأراضي المحررة من قبضة القوات الروسية التي تواصل بدورها القصف المدفعي والحملات الإعلامية الموجهة إلى السكان المدنيين لاتهام وحدات الجيش الأوكراني بالقصف.

وفي مقاطعة خيرسون المحتلة بشكل مؤقت، وفق التسمية الأوكرانية، نشرت القوات الروسية مستشفيات ميدانية ونقاط صيانة المعدات العسكرية، بينما يجري في مطابع مدينة نوفا كاخوفكا طبع المواد الدعائية لإقامة "جمهورية خيرسون الشعبية".

دوافع روسيا لمهاجمة المدينة تكتيكية لإغلاق طريق البحر، واقتصادية

بحرياً، تواصل مجموعات السفن والزوارق الروسية محاصرة الموانئ، وممارسة الضغوط بالتلويح بإجراء عمليات إنزال. كما لا يزال الخطر عالياً من جهة شنّ ضربات صاروخية على مواقع البنية التحتية الحيوية.

وليس مستبعداً أن يحاول الجيش الروسي شنّ هجوم جديد على ميكولايف، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مقاطعة خيرسون المجاورة هي تحت سيطرة القوات الروسية. وهناك دافعان رئيسيان لهذا الهجوم المحتمل، أولهما تكتيكي، إذ تريد روسيا إغلاق الطريق إلى البحر أمام أوكرانيا لجعل العمليات البحرية مستحيلة، والثاني اقتصادي لمحاصرة الموانئ ومنع أوكرانيا من تصدير منتجاتها الزراعية.

ومع ذلك، يرجح رئيس إدارة مقاطعة ميكولايف فيتالي كيم أن القوات الروسية لا تعتزم السيطرة على ميكولايف، متوقعاً أن تساعد الأنهار والظروف الطبيعية للمناطق المحيطة في عدم تسليمها في حال وقوع هجوم. ويقول كيم، في حديث مع "العربي الجديد": "لا أرى عزماً من القوات الروسية على احتلال ميكولايف. بقصفهم المدينة يسعى الغزاة لترويع السكان أو التستر على تحركاتهم".

في هذه الأثناء، تشهد مقاطعة ميكولايف كارثة غذائية في ظلّ امتلاء المخازن بحبوب لا يتسنى بيعها بسبب الحصار البحري، ولكن العاملين مستمرون في أداء عملهم. ولم تعد نسبة تحصيل رسوم الصيانة المنزلية في ميكولايف تزيد عن 16 في المائة، إذ لم يعد بمقدور العديد من سكان المدينة تحملها في ظروف الحرب الروسية.

وتتواصل في ميكولايف أعمال استعادة إمدادات الغاز والكهرباء إلى البلدات المتضررة من القصف الروسي. ويتولى عمال شركة "ميكولايف أوبل إينيرغو" للطاقة أعمال صيانة أربع محطات فرعية، ولكن أكثر من ألف مستهلك لا يزالون محرومين من إمدادات الغاز. أما مبنى إدارة المقاطعة الذي تمّ تدميره جرّاء ضربة صاروخية، فتقرر هدمه وإنشاء آخر جديد بعد انتهاء الحرب، إذ تتعذر صيانته.

(ترجمة رامي القليوبي)