انتقد حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي في المغرب، مطلب أحزاب الأغلبية والمعارضة برفع "القاسم الانتخابي"، الذي توزع على أساسه المقاعد في الدائرة الانتخابية، معتبراً إياه "إفراغاً لثابت الخيار الديمقراطي من محتواه والتفافاً عليه"، و"شرعنة الريف الانتخابي" و"نكوصاً سياسياً".
واستبق حزب "العدالة والتنمية" الجولة الحاسمة من المشاورات بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية المنتظرة خلال الأيام القادمة، وما ستفرز من تفاهمات حول الترسانة القانونية التي ستؤطر العملية الانتخابية القادمة في صيف 2021، ليعلن، أمس الإثنين، رفضه لمطلب استخراج القاسم الانتخابي من قسمة مجموع المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية، دون تمييز بين من شاركوا في الانتخابات، ومن لم يشاركوا فيها.
واعتبر الحزب الإسلامي أن "من يريد ربط الحسم في عدد المقاعد بعدد المسجلين، يريد أن يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويستبطن في الآن ذاته رغبة دفينة أصبح الإعلان عنها في العلن دون استحياء، رغبة علنية في التحكم في نتائج خصومه السياسيين ولجم طموحهم الانتخابي المشروع والقانوني، والمتمثل في تفعيل قاعدة التناسب بين الأصوات المحصل عليها وعدد المقاعد".
وأكد الحزب، في مقال نشره ليل الإثنين على موقعه الإلكتروني بعنوان "لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين"، أن دعاة رفع القاسم "بعيدون جداً عن تمثل قيم الديمقراطية، بل هم يريدون من خلال هذا الاقتراح، شرعنة الريع الانتخابي بمجازاة الراسبين في معركة الديمقراطية والإقناع، وتمتيعهم بما لا يستحقون مادامت صناديق الاقتراع قد قالت قولها الذي في حده الحد بين الديمقراطية والاستهتار بها".
وبحسب موقع العدالة والتنمية، فإن دعاة رفع القاسم الانتخابي "يشرعنون لنكوص سياسي وارتداد عن اللحظة السياسية التي دشنها المغرب منذ إقرار دستور 2011، وتبني الخيار الديمقراطي كثابت دستوري للمملكة، فماذا سيتبقى من الخيار الديمقراطي إذا فقد مفعوله في ترجمة الأصوات وإرادة المواطنين، في إنتاج أثره في المؤسسات والسياسات العمومية؟ ماذا سيتبقى من الدستور نفسه إذا تم إفراغ ثابت "الخيار الديمقراطي" من محتواه والالتفاف عليه"؟
هذه القراءة للوضع الذي فرضه مطلب رفع "القاسم الانتخابي" من قبل قيادة "العدالة والتنمية"، يجعل الجولة القادمة من المشاورات السياسية بين وزارة الداخلية والأحزاب حاسمة في تحديد خريطة ما بعد انتخابات 2021، وإن كان الحزب، الذي يمر بمرحلة عسيرة في ظل ضغوط من قبل كوادره، وأخرى يمارسها خصومه السياسيون، سيقاوم ما يعتبرها معركة لتحجيم وزنه الانتخابي والحيلولة دون قيادته للحكومة القادمة.
من المنتظر أن يتشبث الحزب بمواجهة المقترح، الذي يعتبره ضربة سياسية من حلفائه، خاصة بعدما أبدى حليفه الأول تأييده له
وبرأي الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير؛ فإنه من المنتظر أن يتشبث حزب العدالة والتنمية بمواجهة المقترح، الذي يعتبره ضربة سياسية من حلفائه، خاصة بعدما أبدى حليفه الأول حزب التجمع الوطني للأحرار تأييده له، متوقعاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن يناور الحزب أمام ما يعتبره اقتراحاً مخلاً بديمقراطية العملية الانتخابية ويمس بقواعدها، باقتراح فسح المجال أمام ناخبي الجالية المغربية بالخارج.
وبحسب الباحث المغربي، فإن الحزب الذي يقود الحكومة الحالية يطمح لولاية ثالثة رغم مناورات تقليص المشاركة الانتخابية، وسيضعف هذا الاقتراح إذا ما تم قبوله من قوة الحزب الانتخابية، وسيساوي بينه وبين باقي الأحزاب، مما سيضعف تأثير القاعدة الانتخابية التي يعتمد عليها الحزب والتي تتميز عادة بانضباطها ووفائها.
ويسود جدل سياسي حالياً في المغرب حول القاسم الانتخابي، بعد أن طالبت أحزاب في الأغلبية (التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري)، والمعارضة (الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) باستخراج القاسم الانتخابي من قسمة مجموع المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية، دون تمييز بين من شاركوا في الانتخابات، ومن لم يشاركوا فيها، وذلك بخلاف الطريقة المعمول بها في الانتخابات الماضية، حيث كان يتم استخراج القاسم الانتخابي بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.
وفي الطريقة الأولى سيتم الحصول على قاسم انتخابي كبير، سيمنع الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات من الحصول على أكثر من مقعد واحد في الدائرة الانتخابية، وهو ما سيحرم حزب العدالة والتنمية من 36 مقعداً، فيما يستفيد باقي الأحزاب من مقاعد إضافية. أما في الطريقة الثانية، فإن الحزب الذي سيحصل على عدد كبير من الأصوات يمكنه حصد أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة، بناء على قاعدة "أكبر بقية"، وهو ما كان قد تحقق في انتخابات 2016، حين ظفر الحزب الإسلامي بـ 125 مقعداً بفارق كبير عن باقي منافسيه.
ويبدي الحزب مخاوفه من أن يكون القاسم الانتخابي وسيلة لتقليص عدد مقاعده في البرلمان القادم، والحيلولة دون تكرار سيناريو اكتساحه لصناديق الاقتراع في 2016.