"العدالة والتنمية" المغربي في مفترق طرق مفصلي بعد "نكسة" الانتخابات

18 سبتمبر 2021
الحزب تلقى هزيمة مدوية في الانتخابات (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

منذ الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية في المغرب، يعيش حزب "العدالة والتنمية" على صفيح ساخن، في ظل تسارع تداعيات التراجع الكبير في عدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان (13 مقعداً)، بعدما تصدر انتخابات 2016 (125 مقعداً)، وتباين مواقف مكوناته بخصوص قراءة ما وقع من نكسة انتخابية وتقديم الجواب عنها وطرح الخيارات الممكنة لاستعادة بريقه الانتخابي أو على الأقل إنقاذه من خطر الاندثار.
ويقف الحزب بالتزامن مع انعقاد الدورة الاستثنائية لمجلسه الوطني المقررة اليوم السبت، على مفترق طرق مفصلي قد يؤدي إلى إعادة النظر في الكثير من مرجعياته، ويجعل مشروعه السياسي ككل محل تساؤل، وذلك بالتزامن مع مخاوف من تصدع داخلي في ظل تباين المواقف في صفوفه بخصوص من يتحمل مسؤولية ما حصل من هزيمة انتخابية مدوية.
وخلال الأيام الماضية عاش الحزب الإسلامي جدلاً واسعاً داخل صفوفه بعد دعوة صادرة عن عبد العالي حامي الدين، نائب رئيس المجلس الوطني (ثاني أعلى هيئة تقريرية لهد المؤتمر الوطني) إلى استبعاد "جيل التأسيس" من المرحلة المقبلة، وفك الارتباط مع الحركات الدعوية (حركة التوحيد والإصلاح التي تعد الخزان الانتخابي للحزب) لإنقاذ الحزب بعد النتائج الكارثية التي حققها. وهي الدعوة التي لاقت معارضة من قياديين آخرين اعتبروا أنّ ما يطرحه حامي الدين رسالة مباشرة غُلِّفت بالكثير من الكلام عنوانها الرئيس "لا لعودة بنكيران لقيادة العدالة والتنمية".
وفي وقت احتد فيه النقاش بين قيادات "العدالة والتنمية" حول عودة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، زاد من حدة الارتباك عودة حامي الدين عشية انعقاد المجلس الوطني الاستثنائي للتأكيد أن بنكيران "يمكن أن يكون له دور انتقالي خلال هذه المرحلة لتمكين الحزب من إطلاق دورة جديدة من التفكير الهادئ، وإنعاش خياله السياسي، للاستفادة من خلاصات تجربة ثلاثة عقود من العمل السياسي المؤسساتي".

وبقدر ما كان الجدل الذي أثير حول عودة الأمين العام السابق لقيادة الحزب كأحد الخيارات المطروحة لتجاوز الزلزال الانتخابي وارتداداته دليلاً على الانقسام الحاصل داخل البيت الداخلي، إلا أن الثابت وسط مرحلة الارتباك هذه أنّ التوتر التنظيمي الذي أحدثه السقوط المدوي في الانتخابات لن يتوقف، وأن ما قبل هذه المرحلة ليس كما بعدها بالنسبة إلى الحزب الإسلامي، الذي سيجد نفسه مقبلاً على مرحلة جديدة، في ظل مطالبة قيادات داخله بصياغة مرجعية فكرية جديدة وعدم الارتكان للجيل المؤسس.
في ظل هذه الأوضاع، يتوقع أن تعرف الدورة الاستثنائية لبرلمان "العدالة والتنمية"، التي يتضمن جدول أعمالها نقطتين أساسيتين، هما "المصادقة على لجنة رئاسة المؤتمر"، و"عرض الأمانة العامة تقريراً حول انتخابات 8 سبتمبر/ أيلول"، نقاشاً حامياً بين أعضائه المنقسمين، في وقت يرى فيه متابعون أن مستقبل الحزب سيتحدد من خلال مدى قدرة أعضاء المجلس الوطني على الوصول إلى جواب سياسي جماعي يعين على إعادة البناء بعد نكسة الانتخابات ويجنب الحزب تصدع صفوفه. 
وبحسب عضو الأمانة العامة المستقيلة في الحزب، عبد الصمد الإدريسي، فإن "المرحلة المقبلة هي مرحلة البناء والنضال الديمقراطي، والعمل على إعادة تموقع الحزب في المشهد السياسي، وملء الفراغات التي تركها وجوده في الحكومة"، معتبراً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القيادة السياسية الحالية أقرت بمسؤوليتها عن الوضعية الحالية، وتحملت المسؤولية بشيوخها وشبابها وقدمت استقالتها كاملة".
وأضاف قائلاً: "قناعتي أنه لن يكون من المناسب أن ترجع لواجهة القيادة بغض النظر عن السن"، معتبرا أن "الحزب في مرحلة مفصلية يحتاج فيها لكل طاقاته، وعلى رأسها قيادة موحدة تستطيع إعادة الوهج والجاذبية، كذلك فإن القادم لا يحتمل إضاعة الفرص ولا التجريب".
بالمقابل، يرى أستاذ القانون الدستوري، حفيظ اليونسي، أن "النواة الصلبة للقيادة الحالية ستستمر حتى في حال قدوم بنكيران، على اعتبار أن الثقافة التنظيمية للحركات الإسلامية ثقافة محافظة لا تذهب في اتجاه القطيعة"، لافتاً إلى أن "السقف السياسي لبرلمان الحزب الإسلامي سيبقى في حدود بيان الأمانة العامة، الذي اعتبر أن النتائج التي حصل عليها الحزب في اقتراع الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري غير مفهومة وغير منطقية، مع التوجه نحو المؤتمر الاستثنائي لانتخاب قيادة قادرة على بناء الحزب في المرحلة المقبلة".
وأوضح اليونسي، في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن "النقاش الذي يسود داخل الحزب حالياً هو حول من سيقود سفينة الحزب إلى بر الأمان في المرحلة القادمة؟"، مشيراً إلى أنه بهذا الصدد "تبرز 3 تيارات كبرى أولها تيار يتحدث عن ضرورة عودة الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران إلى قيادة الحزب بالنظر إلى أنه يمتلك صفة الزعامة، ويشكل بالنسبة إليهم مرجعية تاريخية، كذلك فإنه استطاع أن يحقق انتصارات على جهات كان يصفها بالتماسيح والعفاريت والتحكم، فضلاً عن كونه من المؤسسين والمؤثرين حتى إيديولوجياً".

أما التيار الثاني، فيذهب، بحسب اليونسي، في اتجاه القطع مع القيادات التاريخية وضرورة تسليم الحزب للجيل الثاني من قيادات "العدالة والتنمية" على أساس بناء الحزب برهانات وخطاب سياسي وبأطروحة نضالية جديدة.
بالمقابل، يبرز تيار ثالث هو تيار الانشقاق، الذي سيعبّر عن نفسه مباشرة بعد المجلس الوطني في حال ذهاب المجلس في اتجاه عودة بنكيران، بالإقدام على خطوة مغادرة "العدالة والتنمية" وتأسيس حزب جديد، وفق المتحدث ذاته.
ويعتقد أستاذ القانون الدستوري أن مخرجات المجلس الوطني ستذهب في اتجاه قيادة تحضر فيها القيادة التاريخية، لكن تضم كذلك قيادة الصف الثاني، لافتاً إلى أن حزب "العدالة والتنمية" وذراعه الدعوية "حركة التوحيد والإصلاح" كانا دائماً يخرجان من الأزمات بحلول وسطى.
وتبعاً لذلك، يرى اليونسي أن "المواجهة مع الدولة والقول بتزوير الانتخابات لن يكون في المجلس الوطني، بل ستكون هناك رسائل إيجابية في اتجاه الدولة لتفادي الصدام، كما ستكون هناك قيادة هي مزيج بين القيادة التاريخية وقيادة الصف الثاني في الحزب"، معتبراً أن "استمرار القيادة التاريخية ليس رهاناً للحزب وحده من أجل الحفاظ على وضوح التصور، وإنما أيضاً على مستوى الثقة مع الدولة التي جربت تلك القيادات وقد تكون قد عقدت تفاهمات معها في مستويات معينة".

المساهمون