يعقد حزب "العدالة والتنمية" المغربي، اليوم السبت في مدينة بوزنيقة (جنوب العاصمة المغربية الرباط)، مؤتمراً استثنائياً لانتخاب قيادة جديدة تشرف على إدارة المرحلة المقبلة، وعبور "المرحلة الصعبة" في تاريخ الحزب، وإعادة ترتيب أوراقه حفاظاً على مستقبله، وسط خلافات داخلية وانتقادات حادة لقيادته المستقيلة بشأن طريقة تحضيرها وإدارتها للمؤتمر.
وبينما يُتوقَع أن يشهد المؤتمر الاستثنائي لـ"العدالة والتنمية"، الذي سيشهد مشاركة أكثر من 2500 عضو، يتشكلون من مؤتمِري المؤتمر السابق والمؤتمرين بالصفة للذين لم يفقدوها، نقاشاً حامياً بين أعضائه المنقسمين، يتفق الكثير من المراقبين في المغرب على أن الحزب الإسلامي سيجد نفسه خلال محطة المؤتمر الاستثنائي، على مفترق طرق وملفات ساخنة وتحديات مصيرية، تجعل مستقبله مفتوحاً على كل الاحتمالات، في حال إخفاقه في تقديم جواب سياسي جماعي يساهم في تسوية الخلافات الداخلية، ويجنّب الحزب تصدع صفوفه.
الزهري: التوجه نحو المؤتمر بتيارين يهدد وحدة الحزب
ويتضمن جدول أعمال المؤتمر الاستثنائي نقطتين أساسيتين: تأجيل المؤتمر العادي لسنة كاملة، بعدما كان يفترض أن يعقد في ديسمبر/كانون الأول المقبل. كما سيتم انتخاب أمين عام جديد وأمانة عامة جديدة لإدارة المرحلة المقبلة، وتجاوز ارتدادات الهزيمة في الانتخابات التي أجريت في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي. ومنذ تلك الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية في المغرب، يعيش "العدالة والتنمية" على صفيح ساخن، في ظل تسارع تداعيات التراجع الكبير في عدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان (13 مقعداً)، بعدما تصدر انتخابات 2016 (125 مقعداً)، وتباين مواقف مكوناته بخصوص قراءة ما وقع من نكسة انتخابية، وتقديم الجواب عنها، وطرح الخيارات الممكنة لاستعادة بريقه الانتخابي، أو على الأقل إنقاذه من خطر الاندثار.
وقبل نحو ثلاثة أيام من عقد المؤتمر الاستثنائي، تصاعدت وتيرة الخلافات بين تيار الأمين العام المستقيل سعد الدين العثماني والأمانة العامة من جهة، وتيار الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران من جهة ثانية، حول قرار المجلس الوطني للحزب، في 23 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بتأجيل المؤتمر العادي سنة كاملة. وبدا لافتاً حجم الانقسام في صفوف الحزب الإسلامي، حينما أعلن بنكيران، الأربعاء الماضي، أنه غير معني بالترشح لمنصب الأمين العام في ظل بقاء شرط تنظيم المؤتمر الوطني العادي التاسع بعد عام قائماً، باعتبار أن ذلك يشكل تكبيلاً للقيادة التي سينتخبها المؤتمر الاستثنائي للحزب من قبل قيادة مستقيلة. في المقابل، تتمسك الأمانة العامة، بقيادة العثماني، إلى حد الساعة، بمقترح تأجيل المؤتمر العادي لمدة سنة فقط، بدعوى عدم إطالة المرحلة الاستثنائية، مؤكدة أن ذلك ليس من الديمقراطية في شيء، وأن الأصل هو العودة إلى المرحلة العادية في أسرع وقت، وأن الهيئات غير مستعدة لإطالة هذه الفترة.
ويقول الباحث في العلوم السياسية، حفيظ الزهري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العدالة والتنمية" يدخل امتحان المؤتمر الاستثنائي في ظل أزمة حادة بين تيار العثماني وتيار بنكيران، هي في عمقها مقترنة بتصفية حسابات شخصية بين الرجلين تعود إلى سنوات خلت، كانت آخر جولاتها بمناسبة تشكيل حكومة العثماني والإطاحة ببنكيران من الأمانة العامة للحزب في 2017. ويلفت إلى أن هذا المعطى هو ما يجعل المؤتمر الاستثنائي يخرج عن المألوف والإجماع المعهود، وأن التوجه نحو المؤتمر بتيارين يهدد وحدة الحزب ومستقبله السياسي، نظراً لارتفاع حدة الاختلاف التي تطورت لدرجة الخلاف، وهو ما اتضح انطلاقاً من التصريحات والتصريحات المضادة بين الطرفين. ويشير إلى أن خروج الصراع بين التيارين إلى العلن "جعلنا أمام حزب عكس ما كان عليه من قبل، حيث كانت تطغى السرية و"الكولسة" خلال الاستعداد للمؤتمرات، ما يفتح باب انقسام الحزب إلى شطرين، في ظل زيادة اتساع هوة الخلاف بين القيادتين بعد إعلان بنكيران نيته الترشح"، لافتاً إلى أن التيار الذي سيفوز بقيادة الحزب خلال المؤتمر المقبل سيحكم على التيار الآخر بالمغادرة أو تأسيس حزب آخر.
وفي وقت يرى فيه متابعون أن مستقبل الحزب سيتحدد من خلال مدى قدرة المؤتمر الاستثنائي على إنقاذ الحزب، ونجاح المدخل التنظيمي في تقديم جواب عما يعيشه من أزمة، يوضح أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول في سطات (وسط المغرب) عبد الحفيظ اليونسي، أن السياق حاكم للمؤتمر، إذ يأتي في سياق عرف هزيمة الحزب في الانتخابات الأخيرة وفقدانه لما يزيد عن 110 مقاعد في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) ولآلاف أصوات الناخبين، فضلاً عن الأزمة التنظيمية المستحكمة في الحزب منذ "البلوكاج" الحكومي (حالة الانسداد التي رافقت تشكيل الحكومة التي كان يقودها بنكيران قبل أن يعفيه العاهل المغربي محمد السادس، ويصل خلفاً له العثماني في 2017)، وكان آخر فصولها تقديم الأمانة العامة للحزب استقالتها، فيما زادت طريقة إدارة تلك الاستقالة من تعميق تلك الأزمة.
ويقول اليونسي، في تصريحات لـ"العربي الجديد "، إن هناك ثلاثة تحديات كبرى تواجه "العدالة والتنمية" خلال محطة المؤتمر الاستثنائي: أولها التحدي السياسي، ومفاده مدى قدرة الحزب على تقديم خطاب ومحتوى سياسي في العلاقة مع الدولة والمجتمع، مضيفاً: "هو أمر ليس بالهين لأن هناك إكراه تدبير حكومي لمدة 10 سنوات. وهنا تطرح أسئلة عدة من قبيل ما الذي يمكن إنجازه بعد هذه السنوات العشر؟ أي سؤال الجدوى من الحزب، وهل أطروحة الانتقال الديمقراطي كافية لإعادة الحزب إلى مساره العادي. ثم ما هي القضايا الكبرى التي ستشكل عناوين خطاب وسلوك الحزب. وهل قضايا الهوية قادرة هنا على استرجاع كتلة من المتعاطفين المحافظين للحزب، بعد أن تنازل في قضايا من قبيل فلسطين واللغة العربية وغيرها؟".
أما التحدي الثاني، وفق اليونسي، فهو تنظيمي يرتبط بما أصاب الحزب من إنهاك بعد 10 سنوات من إدارة الشأن الحكومي والمحلي بالجماعات، وهو الإنهاك الذي لم يصاحبه تحول جيلي سلس على مستوى القيادات الوطنية والمحلية. كما يرتبط بالأزمة المالية التي ستحد من طموح بناء حزب بدينامية جديدة قادرة على امتلاك زمام المبادرة مرة أخرى. ويلفت إلى أن من ملامح الأزمة التنظيمية إدارة العلاقة مع "حركة التوحيد والإصلاح" (الذراع الدعوي للحزب) التي هي نفسها تأثرت بموقع الحزب في التدبير الحكومي، وأحجمت عن التدافع في قضايا الهوية، وتركت المجال لصالح فاعلين دينيين جدد، هم أقرب إلى السلفية منهم إلى الخط الحركي.
اليونسي: "العدالة والتنمية" يواجه تحدي الاستمرارية
ويكمن التحدي الثالث، حسب اليونسي، في إدارة العلاقة مع الدولة في المرحلة المقبلة في ظل الموجة الثانية من الثورة المضادة، خصوصاً ما يقع في تونس والسودان، وفي وقت يبدو فيه أن الدولة، وفي إطار تدبير الملفات الكبرى، خصوصاً الوحدة الترابية والحفاظ على الاستقرار، تعتمد مقاربة هي في الظاهر ضد تصورات الحزب، خصوصاً العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي. وفي المجمل، يعتقد أستاذ القانون الدستوري أن "العدالة والتنمية" في مؤتمره الاستثنائي لا يواجه تحدي الوجود، بل تحدي الاستمرارية، مضيفاً: "الانشقاق أمر وارد، لكني أستبعده. ما سيحصل أن القيادات التي قد لا تتفق مع الخط السياسي الجديد للحزب ستتوارى للخلف، وهو توارٍ قد يأخذ شكل مبادرات مدنية قد تتحول بعد ذلك إلى تعبير سياسي. أما الانشقاق وتأسيس حزب من أبناء الحركة الاسلامية داخل الحزب فلا أظن أن يحصل ذلك".
في المقابل، يرى عضو المجلس الوطني لـ"العدالة والتنمية"، والباحث في العلوم السياسية، نبيل الأندلوسي، أن أهم تحدٍ مطروح على الحزب هو الخروج من المؤتمر موحداً حول قيادة قادرة على استعادة المبادرة، وتقريب وجهات النظر بخصوص الوضعية الراهنة للتنظيم وآفاق مساهمة الحزب في الساحة السياسية المغربية، خصوصاً أن الحزب بدأ يعرف استقطاباً على المستوى الداخلي، وحدّة على مستوى النقاش وطرح الأفكار والدفاع عن القناعات، لكن من دون أن يصل الأمر إلى إمكانية حدوث انشقاق، الذي يبقى مستبعداً لاعتبارات عدة، منها التنشئة والثقافة السياسية التي تشبّع بها أعضاء "العدالة والتنمية"، قيادة وقواعد.
ويشير الأندلوسي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المؤتمر سيكون استثنائياً، وبالتالي ليس مطلوباً من الحزب في هذه الظروف تقديم رؤية سياسية للمرحلة، بقدر ما أن دور هذا المؤتمر هو انتخاب قيادة لإعادة بناء التنظيم والإعداد لمؤتمر وطني بنفس متجدد يستحضر الأخطاء ويقيّمها، ويبني رؤية واضحة، ويدافع عنها، سواء بالنسبة للمناضلين أو في علاقته بباقي القوى في المجتمع والدولة. ويضيف أن المؤتمر الاستثنائي سيكون منعطفاً حاسماً في مسار الحزب، إما أن ينجح فيه ويعود كما كان أو أقوى، أو يعرف انتكاسة سيعقبها وهن وضعف وخيبة أمل للمناضلين والمتعاطفين وفئة مهمة من الشعب المغربي التي ترى في الحزب تنظيماً يمثّل حساسية مهمة في المجتمع، وله أدوار مهمة في الإصلاح والتدافع السياسي يجب أن يقوم بها.